آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » حروب الغرب الإعلامية

حروب الغرب الإعلامية

بقلم :امجد عيسى

لا شك أن الإعلام، بمختلف أشكاله، يلعب دوراً محورياً مهماً وإيجابياً في مختلف جوانب حياة الشعوب؛ فهو، على سبيل المثال لا الحصر، يساعد على رفع مستوى الوعي والثقافة في المجتمع، وعلى نقل وتبادل الحضارات والثقافات بين الشعوب، وتعزيز العلاقات الإنسانيّة ونشر القيم وتشكيل الرأي العام وتعزيز ثقافة حرية التعبير والوصول إلى المعلومة الصحيحة من مصادرها الحقيقية، وغير ذلك من أدوار مفيدة للمجتمع ككل وللفرد بشكل خاص.

إلا أن من يقرأ ما سبق يعلم تماماً أن ذلك ما يتم تداوله على المستوى الأكاديمي فقط، بينما على أرض الواقع، فالأمر مختلف بشكل كلي، فالإعلام اليوم تحول من ذلك التعريف المثالي إلى كونه أداة بيد القوي يستخدمها لتحقيق غاياته وأهدافه بغض النظر عن مصالح المجتمع ومكوناته، والأخطر من ذلك أنه بات معروفاً لدى القاصي والداني أن الإعلام أصبح أداة أساسية في الحروب بمختلف أنواعها، والمعروف أيضاً أن الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني ودول أوروبا الغربية يتحكمون بمعظم وسائل الإعلام في العالم، ويستثمرونها بكل طاقتهم لتحقيق سياساتهم العدوانية تجاه دول أخرى غير قادرة تماماً على أن تكون نداً في هذه المواجهة، على الرغم من أنها في معظم الأحيان تكون صاحبة قضية محقة.

وعدم قدرة الدول المستهدفة بالسياسات الغربية العدوانية على المواجهة ليس نابعاً من نقص الإرادة أو الحنكة، بل عن التأخر لعقود من الزمن في اللحاق بركب الدول الغربية المتطورة في هذا المجال، والتي باتت تمتلك الغالبية العظمى من الفضاء الإعلامي، مع ما يعنيه ذلك من تطور تكنولوجي وضعها في مقدمة الدول في قطاعات الاتصالات والإنترنت والبث الإذاعي والتلفزيوني، وهو ما منحها ما يشبه اليد العليا على غيرها من الدول.

وكعادتها في استثمار نقاط القوة لديها بالحد الأقصى لتحقيق مصالحها، فقد استخدمت أنظمة تلك الدول الغربية الإعلام كوسيلة للعب بعقول المتلقين والتدخل في شؤون الدول وتشكيل رأي عام ضد أي حكومة تستهدفها، وفي الوقت ذاته استغلت امتلاكها لمعظم وسائل الإعلام العالمية الكبرى للترويج لنفسها على أنها “الحامية” لحرية الصحافة والإعلام وحرية التعبير؛ وفي هذا الإطار يمكن وضع تصريحات ومطالبات عدد من كبار المسؤولين في تلك الأنظمة حول إطلاق سراح صحفي في دولة ما، أو وقف تقييد وسيلة إعلام في دولة أخرى، بغض النظر عن الحالة القانونية لكلا الحالتين.

تلك الدول ذاتها اتخذت إجراءات عقابية عديدة بحق وسائل إعلام دول أخرى، أحياناً حتى من دون سبب، كما فعلت عندما قررت الإدارة الأوروبية للقمر الصناعي “يوتلسات” منع كافة قنوات الإعلام الرسمي السوري من البث عبره بداية العام الحالي، وأحياناً تحت حجج وذرائع ضعيفة، كما فعلت الإدارة الأميركية عندما وضعت قيوداً على عمل قناة “روسيا اليوم” متهمة إياها بمحاولة التأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية ما قبل الماضية، وكما فعلت أيضاً إدارة القمر الأوروبي “يوتلسات” وشركة الاتصالات البريطانية “أركيفا” عند إيقاف بث 19 قناة تلفزيون إيرانية عام 2012، وكما فعلت الهيئة التنظيمية للاتصالات في بريطانيا “أوفكوم” عندما قررت في العام الحالي سحب ترخيص قناة “سي جي تي إن” التلفزيونية الصينية العامة الناطقة بالانكليزية على خلفية “الرقابة التي يمارسها الحزب الشيوعي الصيني على برامجها”، حسب ما أعلنت.

والأنكى من ذلك كله هو عقلية تلك الأنظمة وفكر قادتها وما نسمعه من تصريحات منهم، فأقل ما يمكن أن يقال في وصفها إنها وقحة وتتسم بالغرور، كردود فعل على حظر الصين لقناة “بي.بي.سي” على أراضيها مثلاً، ومع أن بكين عللت ذلك بأن محتوى الخدمة الإذاعية البريطانية يشكّل انتهاكاً جسيماً للتوجيهات المحدّدة للوسائل الإعلامية في البلاد، بما في ذلك “متطلّبات أن تكون الأخبار صادقة ومنصفة”، و”ألا تلحق ضرراً بالمصالح القومية للصين”، إلا أن وزير الخارجية البريطاني وصف القرار بأنه “انتهاك مرفوض لحرية الإعلام”، فيما اعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أنه “من المقلق أن تقيّد بكين المنافذ الإعلامية من العمل بحرية على أراضيها”.

من المؤكد انه لا يمكن الاعتقاد بوجود تناقض في سياسات هذه الدول ما بين الاجراءات التي تتخذها بحق الدول الأخرى، وردود فعلها على اجراءات أقل بكثير ضدها، لكنها تؤكد الخلل العميق في فكر هذه الأنظمة والذي بات مبنياً على ما يبدو على قاعدة ان ما يحق لهم لا يحق لغيرهم وأن مفهومهم لحقوق الغير مختلف كلياً عن حقوقهم، وان بإمكانهم اصدار شهادات حسن سلوك للدول بالتزامها بحقوق مواطنيها، وهذا الخلل يبرز أكثر وبشكل فج كلما كانت الدول المستهدفة أكثر قابلية على الصمود في مواجهة هذا الصلف الغربي، وهذا الصمود يصبح أكثر ثباتاً عندما يكون مدعوماً بإعلام صادق شفاف عند تناول القضايا الداخلية، وبقدر ما يكون هذا الاعلام ناجحاً في الدفاع عن قضاياه الوطنية يصبح اداة اقوى في مواجهة العدو الخارجي، وبالتالي يصبح هدفاً رئيسياً للدول المعادية.

(سيرياهوم نيوز-تشرين)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اليوم التالي بعد الحرب…..

  باسل علي الخطيب دعونا نتفق اولاً ان عاموس هوكشتاين ليس وسيطاً، انا لا اناقش هنا المضمون وأقصد النزاهة من عدمها، أنا اناقش من حيث ...