أكد رئيس الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع ورئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الخميس في دمشق حرص بلديهما على بناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد تقوم على الاحترام المتبادل والسيادة الوطنية، بعد عقود من العلاقة الملتبسة بين الطرفين.
وفي أول لقاء بين مسؤولين من البلدين منذ إطاحة الرئيس السابق بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر، زار ميقاتي العاصمة السورية على رأس وفد ضم وزير الخارجية وقادة الأجهزة الأمنية الرئيسية في البلاد. وهذه أول زيارة لدمشق يجريها رئيس حكومة لبناني منذ 2010.
وإثر اجتماع موسع، أعرب الشرع خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ميقاتي عن تطلع بلاده إلى بناء علاقات “استراتيجية طويلة الأمد” على وقع “مصالح مشتركة كبيرة جدا” بين البلدين، معتبرا أن انتخاب جوزيف عون رئيسا سيوفر “حالة مستقرة في لبنان”.
ودعا إلى نسيان “ذهنية العلاقة السابقة” بين البلدين وإلى إعطاء “فرصة للشعبين السوري واللبناني لأن يبنيا علاقة إيجابية في المراحل المقبلة، مبنية على احترام وسيادة” الدولتين، مؤكدا أن بلاده “ستقف على مسافة واحدة من الجميع هناك وسنحاول أن نعالج كل المشاكل من خلال التشاور والحوار”.
إلى ذلك، أشارت السلطات السورية الجديدة، في بيان، إلى أنه “جرى اليوم اتصال هاتفي بين قائد الإدارة السورية الجديدة السيد أحمد الشرع والعماد جوزيف عون رئيس دولة لبنان الشقيق، أعرب فيه القائد عن تهانيه للعماد جوزيف لانتخابه رئيسًا للجمهورية اللبنانية، متمنيًا له التوفيق في مهامه الجديدة”.
و”أكد الطرفان خلال الاتصال على العمل لبناء وتعزيز العلاقات الإيجابية بين سوريا ولبنان وتعزيز القواسم المشتركة التي تجمعهما” حسب البيان.
وقال ميقاتي من جهته إن “ما يجمع بلدينا من روابط تاريخية وحسن جوار وعلاقات وطيدة ندية بين الشعبين هو الأساس الذي يحكم طبيعة التعاون المطلوب من البلدين على الصعد كافة”.
وأضاف “واجبنا أن نفعّل هذه العلاقات على قاعدة الاحترام المتبادل والندية والسيادة الوطنية”، مشيرا إلى أن “سوريا هي البوابة الطبيعية للبنان الى العالم العربي، وطالما هي بخير، فإن لبنان بخير”.
لطالما كانت لسوريا اليد الطولى في الحياة السياسية في لبنان، إذ فرضت وصاية استمرت ثلاثة عقود وتحكمت بمفاصل الحياة السياسية، قبل سحب قواتها منه عام 2005 تحت ضغوط شعبية داخلية وأخرى دولية بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري.
إثر اندلاع النزاع السوري عام 2011، طغت انقسامات كبرى بين القوى السياسية في لبنان إزاء العلاقة مع دمشق. وفاقمت مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب القوات الحكومية بشكل علني منذ 2013 الوضع سوءا، فيما اتبعت الحكومات المتعاقبة مبدأ “النأي بالنفس” عن النزاع السوري.
– حدود ونازحون –
في خطاب القسم الذي أعقب أداءه اليمين الدستورية في مقرّ البرلمان، اعتبر الرئيس اللبناني المنتخب أن ثمة “فرصة تاريخية لبدء حوار جدي وندي مع الدولة السورية لمعالجة كافة المسائل العالقة معها”.
وعلى وقع التغيرات المتسارعة في البلدين، يأمل المسؤولون بحلّ الملفات الإشكالية العالقة، بينها وجود اللاجئين وترسيم الحدود البرية والبحرية وملف المفقودين اللبنانيين في السجون السورية.
واعتبر ميقاتي أن عودة اللاجئين الى سوريا باتت أمرا “ملحا لمصلحة البلدين”، مشيرا الى انه لمس من الشرع “استعدادا لمعالجة الملف بشكل حاسم وترحيبه بعودة كل مواطن سوري الى وطنه”.
ومنذ سنوات تقول السلطات اللبنانية إن اللاجئين السوريين البالغ عددهم نحو مليوني شخص يشكلون عبئا كبيرا عليها، ولا سيما بعدما فاقم الانهيار اقتصادي غير المسبوق منذ خريف العام 2019 الأوضاع سوءا.
وعلى “سلم الأولويات”، وفق ما قال ميقاتي، “ترسيم الحدود البرية والبحرية” بين البلدين، مشيرا الى توجه لتشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الملف في وقت لاحق، بموازاة الاتفاق على المباشرة بـ”ضبط كامل للحدود وخاصة النقاط الحدودية غير الشرعية لضبط التهريب”.
وقال الشرع من جهته إن “هناك الكثير من الأمور العالقة” التي “تحتاج الى وقت كاف حتى ندخل في علاجها” بينها ترسيم الحدود، في حين أن أولوية إدارته راهنا منصبة على الوضع الداخلي وفرض الأمن.
ويتشارك لبنان وسوريا حدودا بطول 330 كيلومترا غير مرسمة في اجزاء كبيرة منها خاصة في شمال شرق البلاد. وهذا ما جعل الحدود منطقة سهلة للاختراق من جانب مهربين او صيادين وحتى لاجئين.
وكان البلدان اتفقا عام 2008 على تشكيل لجنة لترسيم الحدود، من دون أن يتحقق ذلك. وزاد النزاع في سوريا الأمور تعقيدا.
– وفود خارجية –
وجاءت زيارة ميقاتي الى دمشق بعد فرض السلطات السورية منذ الثالث من كانون الثاني/يناير قيودا على دخول اللبنانيين عبر الحدود. وأفاد الجيش اللبناني في اليوم نفسه بتعرض قوة تابعة له لإطلاق نار من مسلحين سوريين لدى إغلاقها “معبرا غير شرعي” مع سوريا.
وردا على سؤال خلال المؤتمر الصحافي، قال الشرع إن معالجة المسألة متروكة لجهاز الجمارك، تزامنا مع تأكيد ميقاتي “ضرورة تعزيز الإجراءات المتبادلة والمشتركة لحماية أمن البلدين وسيادتيهما”.
ومنذ إطاحة الأسد، تشكل دمشق وجهة لمسؤولين عرب وأجانب، كان آخرهم السبت وفد عماني برئاسة المبعوث الخاص لسلطان عمان الشيخ عبد العزيز الهنائي.
واستقبل الشرع ووزير خارجيته وفد السلطنة، الدولة الخليجية الوحيدة التي حافظت على علاقات دبلوماسية مع نظام الأسد خلال سنوات النزاع.
وكان الأسد زار السلطنة في شباط/فبراير 2023، بعد 12 عاما على بدء النزاع الذي تسبب بمقتل أكثر من نصف مليون سوري واستنزف الاقتصاد ومقدراته وأدى الى تشريد وتهجير أكثر من نصف عدد السكان.
اخبار سورية الوطن 2_راي اليوم