آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » خداع البصر و احتلال العقل

خداع البصر و احتلال العقل

 

 

مالك صقور

 

في الطفولة البعيدة ، ونحن في المرحلة الإبتدائية ، وتحديداً في الصف الخامس ، صُعقنا نحن التلاميذ ، عندما شرح لنا الأستاذ في درس ( الأشياء ) أي العلوم ..أن الأرض كروية ، أي تشبه كرة القدم ، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس ؛ وأن الشمس ثابتة في السماء ..

لم نصدق ، ولم نستطع أن نتخيل أو نعقل ذلك . لا ، لم نصدق ، وأستاذنا لا يكذب ..في الفرصة بعد هذا الدرس ، هرعتُ إلى والدي ، وقلت له ماقاله لنا الأستاذ عن أن الأرض هي التي تدور حول الشمس وليس العكس ، وان الأرض كروية .. توقعت من والدي أن ينزعج أو يغضب أو أن يأتي للمدرسة كي يعاتب الأستاذ .. لكن والدي لم يندهش ، ولم ينزعج ، بل ابتسم وقال هذا صحيح.. ثم تابع بكل هدوء : إذهب إلى أستاذك ، وقل له : لقد ورد في القرآن الكريم في سورة ياسين : { والشمسُ تجري لِمُستَقَرٍّلها } أي أنها تدور حول نفسها ، كما رحى الطاحون . وقل له أيضاً : ” إنْ كانت الأرض مثل ( الطابة ) كروية أو مستطيلة أو مسطحة أو مربعة ، فإن الله هو الذي خلقها هكذا ..وبوسعه أن يجعلها كيفما يشاء .

أُسقط في يدي مرة أخرى ، ولم أفهم ماقاله والدي . وأنا الذي أرى كل يوم أن الشمس تطلع من وراء جبل مرمريتا شرقاً وتعبر السماء بهدوء ، ثم تنحدر غرباً وبأم عيني أراها تغطس في البحر . فكيف لي أن أصدق ذلك !!، ولما رأى الشك في عيني ، مسح على رأسي وقال : ” عندما تكبر تعرف وتدرك “.

كبرنا ، وازداد وعينا ، وفهمنا ، وصرنا نشرح لغيرنا هذه الحيقة ، وكنا نرى الشك في عيونهم ، ومنهم من يصدق مراعاة ومجاملة ولكي لا يقال عنهم متخلفون أو غير حضاريين ، ومنهم من لم يصدق ويجادلك قائلاً : ” كيف لي أن أصدق وأنا بأم عيني أرى الشمس كل يوم تغطس بالبحر”

نعم أيها السادة ، يوجد أناس لا يستطيعون أن يكذبوا عيونهم ويصدقوا علم الفلك ، أو يدركون أن هذا خدعة بصرية ، كونية فلكية .. لكن هذه ( الخدعة ) أو خداع البصر في الظاهر .أما في الحقيقة ، فهي أن الأرض هي التي تدور .

وكان لنا زميل مهتم بعلم الفلك ، ويقول هذه الكرة الأرضية التي يتصارعون عليها ويقتتلون ويحاربون ، ماهي إلا ذرة غبار هائمة في هذا الفضاء الكوني اللامحدود – كما يقول كارل ساغان عالم الفلك الأمريكي ، أو مثل رأس دبوس صغير – كما يقول رائد فضاء ..

وكنا وما زلنا نختلف في أمور كثيرة ، وعندما يصل بنا الحوار إلى حوار الطرشان ، كان يردد : إنها تدور تدور تدور – كما قال كوبرنيكوس البولوني ، وبالمناسبة عالم الفلك البولوني هو الذي اكشتف دوران الأرض حول الشمس .ويعيد عل مسامعنا قصة العالم البولوني الذي لم يخدعه البصر ، لكنه كان حاد البصيرة ، فرأى في بصيرته أن الأرض هي التي تدور حول الشمس ، وليس العكس ..وعندما أعلن ذلك ، غضب رجال الكنيسة ونصحوه أن يقلع عن جنونه هذا ، إلا ان الفلكي أصرّ على رأيه (الشمس ثابته في السماء والأرض هي التي تدور حولها) فما كان منهم الا أن جمعوا حطباً كثيراً ، كما حصل مع سيدنا إبراهيم ، لكن إبراهيم جاء من قال : يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم .وكوبرنيكوس لم يجد من يسعفه أو ينقذه ، فعندما حملوه كي يلقوه في الرمضاء الملتهبة ولفحه وهج النار الحارق ، تراجع عن مقولته ، وقال : لا تدور . فأعادوه وابتعدوا عن النار ، لكن الأرض دارت في رأس كوبرنيكوس فصرخ : ” رغم كل شيئ ، إنها تدور ، تدور ، تدور – لكنكم لا ترونها ..

زميلنا الفلكي ، كان يهزأ عندما نخالفه الرأي ، ويقول : أنها تدور تدور تدور ولكن لا ترونها ،، يجب أن تعقلوا ذلك ..فالله لم يُرَ ولكن أدرك بالعقل ..

كثيرة هي الأمور ، وكثيرة هي الحقائق التي لا ترى .. ولكن يجب أن تعقل .زميل آخر مخرج سينمائي سألته مرة عن الخدعة السينمائية ، مثلاً : سفن تحرق في عرض البحر ، سيارة تنحرف عن الطريق وتنزلق من على جرف شاهق ؟ فكان يشرح لنا ما يسمى بالخدعة السينمائية ، وخداع البصر ، ومنها ألعاب الخفة والسحر أيضاً .. ويقول : هوليود تفعل المستحيلات ، قبل تطور التنولوجيا ، والتقانات كلها ، فكيف الآن وقد انتصر الذكاء الاصطناعي . فأنا بوسعي أن اجعل من الصوت الواحد آلاف الأصوات ، واجعل من ثلاثة أشخاص ألاف . والأمثلة كثيرة . خاصة في قلب الحقائق وتزييفها ، والذين يرون الشمس عابرة في السماء ، والأرض ثابت’ يصدقون الفبركات ، لا سيما أن التضليل الإعلامي اليوم هو المنتصر في كل انحاء الدنيا . فهناك من غُسلت أدمغتهم ، ومنهم من احتلت عقولهم . ولكن الحقيقة مغيبة . والجميع مع القوي . لقد انتصر منطق القوة ، وخسرت قوة المنطق ..

ياعزيزي القارئ :

والله ، ثلاثاً ، وبكسر الهاء أيضاً ، إني أرى بعيني ، وتعال انظر معي كيف تنهض الشمس وتطلع طبقاً أحمر قاني من المشرق ، وتعبر ببطئ شديد هذه السماء وتنحدر غرباً وتغطس في البحر بكل هدوء ..

ولكن العلم يقول غير ذلك .. فمن الذي يرى ومن الذي لا يرى ؟؟!!

واعلم ياسيدي : ليس كل ما يلمع ذهباً ..

(” وليس كل من صف صواني صار حلواني ، وليس كل من صف صحون صار غرصون “)

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خطوط نار خضراء في غابات الساحل

    انطفأت نيران الغضب والحقد والجهل والإهمال في غابات الساحل بعد أكثرمن عشرة أيام، التهمت النيران خلالها ما يقارب ١٦ ألف هكتار من الحراج. ...