آخر الأخبار
الرئيسية » الأخبار المحلية » سوريا… استحقاقات داخلية وتحديات خارجية

سوريا… استحقاقات داخلية وتحديات خارجية

 

 

شاهر الشاهر

 

تسارعت وتيرة الأحداث في سوريا لجهة تنفيذ التعهدات التي وعدت بها الحكومة المؤقتة، وفي مقدمتها عقد مؤتمر للحوار الوطني بمشاركة مختلف أطياف الشعب السوري.

 

الحديث عن الأقليات هو أول التحديات أمام الحكومة الانتقالية في سوريا، فالأقلية ليست تعبيراً عن عرق أو دين أو مذهب، بل هي تعبير عن توجهات فكرية وسياسية معينة، بمعنى أن “النخبة” هم الأقلية في سوريا.

 

الجلسات الحوارية لمؤتمر الحوار الوطني التي عقدت في المحافظات عكست حالة من التشنج والجمود لدى طيف واسع من المجتمع السوري، وعدم إدراكه أن الهدف من الحوار هو مخاطبة الآخر المختلف عنه، لا الحديث مع من يتشارك معه الأفكار والتوجهات.

 

الدعوات المتأخرة لحضور المؤتمر العام للحوار الوطني حالت دون مشاركة عدد كبير من المدعوين، ولا سيما الشخصيات الموجودة خارج سوريا، والتي تحظى بشعبية واسعة في المجتمع، وهو ما يثير التساؤل والاستغراب حول التسرع الشديد من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر وتحديد موعد الانعقاد من دون قراءة مخرجات المؤتمرات التي عقدت في المحافظات وتأطيرها.

 

المهم هو الفكرة وتعزيز ثقافة الحوار وآدابه، باعتباره الطريق لتلاقح الأفكار ونضجها، وأنه يعكس اعتراف الجميع بعدم امتلاكه الحقيقة وحده.

 

عدم مشاركة “قسد” في الحوار يبدو مبرراً باعتبارها تنظيماً عسكرياً، ولم تتم دعوة تنظيمات مشابهة لها، كما تزامن المؤتمر مع الإعلان عن التوصل إلى اتفاق بين الحكومة السورية و”قسد”، قامت بموجبه الأخيرة بتزويد دمشق بكميات من النفط والغاز.

 

شمال شرق سوريا لا يزال تحت سيطرة “قسد”، ولم يتم التوصل إلى اتفاق يسمح للحكومة الانتقالية السورية فرض سيطرتها على محافظة الحسكة.

 

فصائل عسكرية في الجنوب لم تعلن انضمامها بعد إلى وزارة الدفاع السورية، وخاصة في مدينة درعا التي تشهد بعض التوترات والحوادث التي تتجاوز الاعتبارات الفردية.

 

مدينة السويداء والتحفظات والشروط التي وضعت لحل الميليشيات الموجودة فيها والانضواء تحت مضلة وزارة الدفاع، ما زالت مستمرة ومقلقة، خاصة أن هناك تصريحات إسرائيلية تتحدث عن حماية الدروز في سوريا.

 

اجتماع رئيس المجلس العسكري في السويداء طارق الشوفي مع مظلوم عبدي للاتفاق على “فدرلة سوريا” أمر يجب أن يأخذ على محمل الجد، باعتبار أن الطرفين ليسا سوى أدوات لقوى خارجية لم تعد تخفي نياتها تجاه سوريا.

 

القنيطرة شهدت توغلاً لـ”الجيش” الإسرائيلي واحتلاله أجزاء منها، وبالتالي فإن المحافظات الجنوبية الثلاث ليس لحكومة دمشق سيطرة كاملة عليها.

 

إعلان “إسرائيل” عن فتح الطريق أمام العمال الدروز للعمل في قطاعات البناء والزراعة في الجولان السوري المحتل يعدّ مؤشراً خطيراً واستغلالاً لحاجة هؤلاء إلى كسب لقمة عيشهم، بعد سنوات من الإهمال الذي تعرضت له المنطقة وغياب المشاريع الحيوية فيها.

 

طبعاً، لسنا هنا بصدد التشكيك في موقف أي مكوّن من مكوّنات المجتمع السوري ولا التشكيك في وطنيته، فمن المؤكد أن الجميع يرفض التعامل مع “إسرائيل”، لكن ذلك لن ينفي ظهور بعض الأصوات المرحبة بذلك.

 

ظهور بعض التشكيلات العسكرية في الساحل السوري حدث لا يمكن الاستهانة به، ويجب العمل على معرفة أسبابه ومعالجتها بالسرعة القصوى، حفاظاً على وحدة سوريا وسلمها الأهلي.

 

ظهور بيان يعلن بدء تأسيس إقليم أوغاريت في الساحل السوري المطالب بإدارة ذاتية، سيتبعه ربما طلب الحماية من فرنسا من قبل من يدّعي أنه يمثل العلويين ويدافع عن مصالحهم.

 

الأوضاع الاقتصادية الضاغطة نتيجة تسريح عدد كبير من الموظفين، وحلّ مؤسستي الجيش والشرطة، تهدد بانتشار الجريمة الناتجة من حاجة الناس إلى تأمين قوت يومها.

 

هنا نتحدث عن عدد كبير لا يمكن الاستهانة به، ما يعني حرمان نحو 400 ألف أسرة من الدخل، أي 2 مليون شخص على أقل تقدير (باعتبار أن متوسط عدد أفراد الأسرة السورية هو خمسة أشخاص).

 

تزامن ذلك مع تصعيد إسرائيلي واستفزازات لطالما حاولت حكومة دمشق التغاضي عنها لرغبتها في تصفير المشكلات وعدم الدخول في صراعات غير قادرة على مواجهتها.

 

إعلان نتنياهو عن نيته فرض منطقة عازلة في الجنوب السوري يجبر حكومة دمشق على الخروج عن صمتها والسعي مع أصدقائها وحلفائها لمنع ذلك بالوسائل الدبلوماسية المتاحة.

 

من هنا، يمكن فهم الجولات المكوكية لوزير الخارجية السورية إلى كل من قطر وتركيا، والحديث عن زيارة مرتقبة للرئيس الشرع إلى الأردن وبعدها إلى مصر.

 

الحكومة السورية المؤقتة ورثت بلداً مدمراً اقتصادياً، وجيشاً لا يمكن اعتباره في حال من الأحوال جيشاً وطنياً، ووجوداً أجنبياً على الأراضي السورية تسعى لتقليصه والحد منه بكل ما أوتيت من قوة.

 

 

 

مواجهة التحديات الخارجية تتطلب أولاً وقبل كل شيء تعزيز صلابة جبهتنا الداخلية ومنعتها، وحشد مكونات المجتمع كافة خلف حكومته، وهذا غير متوفر حتى الآن بكل تأكيد.

 

الأصوات التي تعلو لتبرر كل خطأ وتمنع أي صوت هدفه الحرص على الوطن، هي أبواق يجب إسكاتها، وعلى الحكومة الاستفادة من أخطاء النظام السابق، ومنع جوقة “الطبل والزمر”، والاستماع إلى من يمتلك رؤى وتوجهات، حتى لو لم يكن صوته مطرباً بالنسبة لها.

 

من يتصفح وسائل التواصل الاجتماعي يدرك حجم “الخطاب الشعبوي”وسيطرته، ويرى بأم عينه حالة “التنمر” التي يتعرض لها كل صوت لا يتماشى مع “ثقافة القطيع”.

 

المجتمع السوري مجتمع واع ومثقف ،وهنا تكمن المشكلة، فمن يمتلك المعرفة ليس بالضرورة يمتلك الثقافة، مع التأكيد أن نصف المعرفة أخطر من الجهل في كثير من الأحيان.

 

الاهتمام بالشأن العام أمر متعب للجميع، ومربك للقيادة السياسية التي تجد نفسها مضطرة في كثير من الأوقات لاتخاذ قرارات تحظى بشعبية كبيرة مع إدراكها المطلق عدم صوابية مثل تلك القرارات.

 

توزيع المناصب والمواقع الإدارية على الأقارب والمعارف بعيداً من الكفاءة والخبرة والتدرج الوظيفي أمر مقلق، ويتداوله السوريون إن لم يكن في العلن ففي الخفاء بكل تأكيد.

 

الحديث عن السلبيات لا يعني تجاوز الإيجابيات وتجاهلها، لكن الهدف منه الإشارة إلى مواقع الخلل بقصد إصلاحه وتلافي الأخطاء، إن وجدت.

 

حديث الرئيس الشرع يأتي مطمئناً للجميع، لكن التصرفات التي توصف بـ “الفردية “تتناقض مع ذلك، ومن واجب الجميع الإشارة إليها وتوثيقها، وصولاً إلى بناء سوريا الوطن.

 

التحديات الخارجية..

 

رغم الحديث عن انفتاح عربي وغربي على حكومة دمشق، فإن ذلك لا يزال دون المطلوب ولا حتى المقبول، خاصة أن الولايات المتحدة لا تزال مصرة على تحفظاتها في التعامل مع الحكومة السورية.

 

الدعم الأميركي لـ”قسد” لا يزال مستمراً، وهو العقبة الأساسية في وجه تركيا الراغبة في القضاء على “قسد” أو إضعافها، على أقل تقدير.

 

تقارب “قسد” مع الحكومة السورية يثير حفيظة أنقرة التي تصنفها كجماعة إرهابية يتوجب على دمشق قتالها لا التفاوض معها، أو إشراكها في صياغة مستقبل الحياة السياسية في سوريا.

 

فرنسا هي الدولة الوحيدة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التي يبدو أنها منفتحة على الحكومة السورية، في حين تتحفظ كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، أما روسيا والصين فيبدو أن لديهما الكثير من المخاوف التي يتوجب على دمشق العمل على تبديدها.

 

العراق الذي تربطه حدود مع سوريا يتجاوز طولها الـ 600 كم لديه تحفظات حتى اليوم على التعاطي مع الحكومة السورية.

 

المخاوف الأمنية دفعت الحكومة العراقية إلى بناء جدار عازل وصل طوله إلى 400 كم حتى الآن، ومن المقرر أن يجري الانتهاء منه منتصف هذا العام ليشمل كامل الحدود بين البلدين. كما أسهمت زيارة رئيس الاستخبارات العراقية حميد الشطري إلى سوريا في نقل مخاوف بلده إلى المسؤولين السوريين.

 

الحكومة العراقية ليست صاحبة صلاحية مطلقة في موضوع التعاطي مع الحكومة الانتقالية في سوريا، فهناك قوى سياسية فاعلة ومؤثرة لها تحفظاتها وأسبابها في ذلك.

 

مشكلة بغداد مع الحكومة السورية مشكلة أمنية وليست سياسية، فالحكومة العراقية ترى أن تنظيم “داعش” لا يزال موجوداً في البادية السورية، وليست متأكدة من عدم وجود علاقة بين التنظيم والحكومة السورية الجديدة.

 

تسعة آلاف سجين تابعين لتنظيم “داعش” موجودون في السجون التي تسيطر عليها “قسد” في شمال سوريا، تسعى الحكومة العراقية لمعرفة مصيرهم لضمان عدم عودتهم إلى العراق.

 

لهذه الأسباب وغيرها، تم الإعلان عن تأجيل زيارة وزير الخارجية السورية أسعد الشيباني إلى بغداد لأسباب أمنية، ويبقى موضوع دعوة الرئيس السوري أحمد الشرع لحضور القمة العربية في بغداد موضوع نقاش حتى اليوم.

 

بغداد تحترم خيارات الشعب السوري ولا تريد التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، لكنها في الوقت نفسه، لا تخفي مخاوفها من التعامل مع حكومة دمشق أو القطيعة معها، فهما خياران أحلاهما مر.

 

ما جرى في سوريا أدى إلى تراجع الكثير من الفصائل العراقية عن موقفها الداعي إلى ضرورة خروج القوات الأميركية من العراق، والكثير منها لم تعد متأكدة فيما إذا كانت سوريا قد أصبحت في الطرف المعادي لطهران، أم أنها حريصة على تصحيح العلاقات معها.

 

سوريا لديها مخاوف وتحفظات أيضاً، فهي ترى أن الحكومة العراقية لم تمنع تدخل بعض المجموعات في سوريا، وكانت تقدم لهم الرواتب من موازنة وزارتي الداخلية والدفاع، وفقاً للتقارير الأميركية الداعية إلى فرض عقوبات على الحكومة العراقية لدعمها “الإرهاب”.

 

المشكلة الأساسية بين البلدين تكمن في مدى قدرتهما على بناء الثقة، وأن تؤمن بغداد أن من يحكم سوريا اليوم هو أحمد الشرع لا أبو محمد الجولاني.

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١ _الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترحيب عربي بمؤتمر حوار سوريا وتأكيد على احترام سيادتها.. السعودية تجدد “دعم جهود بناء مؤسسات الدولة السورية وتحقيق الاستقرار”

رحبت كل من السعودية وقطر والكويت ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، مساء الثلاثاء، بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري، مع تأكيد على احترام سيادة البلاد ووحدة ...