ريم هاني
عقدت الفرق الروسية – الأميركية، أمس، محادثات استمرت لأكثر من ست ساعات في مدينة إسطنبول التركية، هدفت بشكل رئيسي إلى بحث عودة العمل الطبيعي للسفارات في البلدين. وتشكّل هذه المحادثات، وقبلها تلك التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض، طبقاً لمراقبين، اختباراً «مبكراً» لقدرة موسكو وواشنطن على إعادة ضبط العلاقات التي كانت قد وصلت «إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة» في عهد الرئيس السابق، جو بايدن. وعلى الرغم من أنّ لقاءات إسطنبول المطوّلة انتهت من دون أي تصريحات إلى الصحافة، إلا أنّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أكّد، في حديث متلفز، أنّ نتائج الاجتماع الأخير «تبعث على الأمل»، بينما أشار المتحدث باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، أمس، إلى أنّ المعلومات حول نتائج المباحثات «ستتوفر بطريقة أو بأخرى»، علماً أنه كانت سبقت الاجتماع في تركيا محادثتان «تقنيتان» عبر الهاتف حول القضية نفسها.
وفي خضمّ ذلك، حذّر بوتين من أنّ «النخب الغربية ستواصل محاولة تعطيل الحوار الذي بدأ مع الولايات المتحدة»، مشدداً على ضرورة التصدي لكل تلك المحاولات، جنباً إلى جنب مساعي تقسيم المجتمع الروسي. وأعلن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من جهته، في حديث إلى شبكة «فوكس نيوز» الأميركية، أمس، أنّ بوتين أبلغه بأنه لم يكن هناك تواصل مع إدارة بايدن طوال ثلاث سنوات ونصف سنة، مستدركاً بالقول: «نحن هنا لنعيد التواصل».
وعلى الرغم من أنّ اللقاء الأخير لم يتطرق إلى القضية الأوكرانية، إلا أنّ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، كان قد أدلى بجملة تصريحات قبيل بدء المحادثات، تعكس تمسكاً بعدم تقديم أي ضمانات أو وعود لكييف، قبيل زيارة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن اليوم. وهي زيارة ضغَط الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال لقائه ترامب، لإتمامها، بعدما كان الأخير ينوي إلغاء اللقاء مع زيلينسكي، ما أثار ذعراً في كييف، بحسب ما نقلته وسائل إعلام فرنسية عن مصادر مطّلعة. وكان ترامب اعتبر، الأربعاء، أنّه يمكن لأوكرانيا «أن تنسى موضوع الانضمام إلى (الناتو)»، باعتبار أنّ تلك النقطة كانت «الأساس لاندلاع الحرب». وبعدما أشاد الرئيس الجمهوري بنظيره الروسي، مشيراً إلى أنّ بوتين «يتمتع بذكاء حاد»، أعلن أنّه «من الممكن أن يقدم بعض التنازلات له». ولم يوفر ترامب، مرة جديدة، الاتحاد الأوروبي من انتقاداته، مدعياً بأنّ الأخير «تأسّس للعبث بالولايات المتحدة».
حذّر بوتين من أنّ النخب الغربية ستستمر في محاولة تعطيل الحوار الذي بدأ مع واشنطن
وعلى ما يبدو، يشكّل التقارب الروسي – الأميركي «في زمن الحرب»، والشرخ المتزايد في التحالف «العابر للأطلسي»، بالنسبة إلى العديد من المراقبين، نقطة «فاصلة» على مستوى موقع الولايات المتحدة على الساحة العالمية. وفي هذا السياق، وجّه المحلل والكاتب الأميركي، توماس فريدمان، في مقال رأي نشرته «نيويورك تايمز»، رسالة إلى «الزملاء الأميركيين والأصدقاء في الخارج»، مفادها أنّه خلال السنوات الأربع القادمة كحد أدنى، فإن «أميركا التي كنا نعرفها انتهت»، نظراً إلى أنّ «القيم والحلفاء والحقائق الأساسية التي كنا ندافع عنها دائماً، أصبحت موضع شك»، إن لم تكن «معروضة للبيع».
ورأى فريدمان أنّ ترامب لا يفكر فقط خارج الصندوق، بل يفكر من دون صندوق، ومن دون أي «إخلاص للحقيقة أو المعايير التي كانت تحترمها الولايات المتحدة في الماضي». وطبقاً للرأي المتقدم، فإنّ زيلينسكي يشعر بأن لا خيار لديه سوى التوقيع على صفقة معادن، يطالب ترامب بموجبها بما هو أكثر بثلاث أو أربع مرات ممّا يقرب الـ120 مليار دولار التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا من المساعدات العسكرية والإنسانية، وهو أمر «مثير للخجل»، ولا سيما أنّ ترامب يتطلع إلى جني أرباح من الأوكرانيين «نتيجة غزو بوتين لأوكرانيا»، بينما لا يطالب الأخير، في المقابل، بأي تعويضات، ولا يعِد بأي حماية أميركية مستقبلية لكييف.
وأشار فريدمان إلى أنّه خلال محادثات خاصة مع باحث روسي في الشؤون الدولية في موسكو، أبلغه الأخير بأنّ فريق بوتين ينظر إلى فريق ترامب على أنّه «عربة مهرجين مليئة بالهواة»، الذين يُنظر إليهم على أنّهم أدوات سهلة لهدف بوتين «الذكي والساخر النهائي»، وهو جعل «روسيا عظيمة مرة أخرى، جنباً إلى جنب جعل واشنطن أقل عظمة مجدداً». وأضاف الباحث، بحسب فريدمان، أنّ الهدف الطويل الأمد لبوتين هو إدارة تراجع الهيمنة الأميركية، حتى تصبح واشنطن «واحدة من القوى العظمى في العالم»، فيما يبدو ترامب «كأداة فظة لإدارة هذا التراجع الحتمي». وختم التقرير، رداً على سؤال حول ما إذا كان ترامب وفريقه المكوّن من الجمهوريين «البلهاء» سيستيقظون، بأنّهم «قد يفعلون، إنما بعد فوات الأوان».
العلاقة الصينية – الروسية
وبالتوازي مع التقارب الأميركي – الروسي، تكثر التكهنات حول ما إذا كانت التطورات الأخيرة في الملف الأوكراني ستؤثر «سلباً» على العلاقات الروسية – الصينية، وهو ما يستبعده، بشكل متزايد، الكثير من المحللين، الذين يرون أنّ بكين قد «تستفيد» على الأرجح من انتهاء الحرب الأوكرانية بشروط تلائم بوتين. ووسط حديث البعض عن أنّ ترامب يحاول انتهاج استراتيجية «نيكسون العكسية»، في إشارة إلى أنّه وعلى غرار الرئيس الأسبق، ريتشارد نيكسون، الذي واجه الاتحاد السوفياتي من خلال توطيد علاقاته مع الصين عام 1972، فإنّ ترامب «يمكن أن يعزل الصين من خلال السعي لتوثيق العلاقات مع روسيا»، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إلى أنّ الخبراء في العلاقات الروسية – الصينية يعتقدون بأنّ الاستراتيجية المشار إليها بعيدة المنال.
ونقلت الصحيفة عن كوي هونغجيان، الباحث في الدراسات الأوروبية في «جامعة بكين للدراسات الخارجية»، أنّ التفاعلات الأميركية – الروسية لن تضر بـ»الثقة الطويلة الأمد والمصلحة المشتركة بين موسكو وبكين»، وأن «الأخيرتين أنشأتا شراكة شاملة»، و»لم تعودا البلدين نفسيهما اللذين كانا عليهما من قبل»، مستشهداً بالتعبير اليوناني المشهور حول أنه «لا أحد يخطو في النهر نفسه مرتين». وينسحب الموقف عينه على العديد من الخبراء في واشنطن وبكين، والذين يعتبرون أنّ الأخيرة تنظر إلى التقارب الأميركي – الروسي بإيجابية، ولا سيما أنّ «النصر الروسي سيكون هزيمة للغرب»، على الرغم من أنّ انتهاء الحرب الأوكرانية سيتيح لواشنطن وحلفائها الأوروبيين تركيز المزيد من قدراتهم على مواجهة بكين في المحيطين الهندي والهادئ، بحسب المصدر نفسه.
أخبار سوريا الوطن١_الأخبار