آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » يوم ماتت الديموقراطية البريطانية في ساحة البرلمان: حَبس راهبة بتهمة التضامن مع فلسطين!

يوم ماتت الديموقراطية البريطانية في ساحة البرلمان: حَبس راهبة بتهمة التضامن مع فلسطين!

 

سعيد محمد

 

في الوقت الذي يستمرّ فيه المغربنون العرب في تبجيل الديموقراطية كنظام حكم يقوم على مبدأ سيادة الشعب وحماية الحريات الفردية، وينظّر بعض مهرّجيهم لـ «الانتقال الديموقراطي» بوصفه مسار النهوض الأوحد للأمم، كانت ديموقراطيّة أمّ البرلمانات بريطانيا السبت الماضي مع مشهد رمزيّ عميق الدلالات: أقدم عدد من رجال قوة «بوليس» لندن الأشداء على اعتقال الراهبة المتقاعدة سوزانا (سو) بارفيت (83 عاماً) من جوار تمثال المهاتما غاندي، داعية المقاومة اللاعنفيّة، بسبب مشاركتها في احتجاج سلمي مع عشرات المواطنين الذين تجمعوا في ساحة البرلمان البريطاني في العاصمة ضد نفاذ قرار حظر مجموعة «بالستاين آكشن» Palestine Action المناهضة لإبادة الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة.

 

اعتقال راهبة: اختبار لحرية التعبير في «مهد الديموقراطية»

ووفقاً لمصادر «البوليس»، اعتُقلت السيدة الجليلة لأنّها ارتكبت جرماً جنائياً بحملها ـــ كما آخرين اعتقلوا جميعهم ـــ لافتة مكتوبة بخط اليد على ورق مقوّى تقول: «أنا أعارض الإبادة الجماعية. أنا أدعم «بالستاين آكشن»».

 

منظرو الديموقراطيّة الغربيّون أنفسهم يقرّون الآن بأنّ هذا النظام الذي دائماً ما صوّرته النخب الحاكمة الغربيّة مقدساً ليس كياناً نهائياً أو عصيّاً على التدهور، أو منيعاً ضد الموت.

 

انحدار الديموقراطيات: لماذا تموت الأنظمة من الداخل؟

وفي تاريخ الغرب المعاصر، لم يحدث أن سقطت الديموقراطيات بالضرورة عبر الانقلابات العسكرية العنيفة أو الثورات الدموية، بقدر ما تبيّنت هشاشتها ببطء وخلسة، عبر تآكل تدريجي للمؤسسات والمعايير التي يقوم عليها الحكم الديموقراطي.

 

هذا التحول، الذي وصفه ستيفن ليفيتسكي ودانييل زيبلات في كتابهما الشهير «كيف تموت الديموقراطيات» (How Democracies Die)، يفسّر إلى حد بعيد ممارسات النخب الحاكمة في دول الغرب التي تدّعي أنّها معاقل للحكم الديموقراطي وتلقي بالدروس الأخلاقية على «الديكتاتوريات»، أي كل أشكال أنظمة الدول التي تأبى الخضوع للهيمنة الأميركية.

 

ليست هذه الإجراءات التغوليّة الأخيرة للسلطات البريطانية تجاه مجموعة «باليستاين آكشن» والتظاهرات المؤيدة لها سوى حدث آخر يكرّس واقعاً لم يعد ممكناً تغطيته، مع استمرار الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين في قطاع غزة.

 

يشير ليفيتسكي وزيبلات في كتابهما إلى الطريقة التي يقوّض بها «المستبدون المنتخبون» (ممثلو النخب الحاكمة) الديموقراطية، إذ يقوم هؤلاء بحشو المحاكم والوكالات الحكومية بالمحاسيب، ويهيمنون على وسائل الإعلام العامة منها والخاصة مع ترهيب كل صوت يخرج عن السردية الرسمية، ويعيدون كتابة قواعد السياسة لترجيح كفة اللعبة ضد المعارضين.

 

المفارقة المأساوية لهذا الطريق الانتخابي إلى الاستبداد هي أنّ «قتلة الديموقراطية يستخدمون مؤسسات الديموقراطية ذاتها، تدريجاً وبشكل خفي وحتى قانوني، بهدف قتلها». لذلك، فإن العدو الأكبر للديموقراطية لا يأتي من خارجها، بل من النخب التي تعمل ضمن إطارها، وتستغل أدواتها ومؤسساتها لتفريغها من معناها.

 

حظر «بالستاين آكش »: الاحتجاج السلمي «إرهاب» في بريطانيا

الاعتقال المعيب للسيدة بارفيت جاء على خلفية قرار الحكومة البريطانية بحظر «بالستاين آكشن»، المجموعة البريطانية المناهضة للإبادة الإسرائيلية في فلسطين وتصنيفها منظمة «إرهابية» بموجب قانون الإرهاب لعام 2000، بعد سلسلة من الاحتجاجات المباشرة التي نظمتها ضد شركات تصنيع أدوات القتل الإسرائيلية أو تلك البريطانية التي تزوّد «الجيش» الإسرائيلي بأسلحة مستخدمة في عمليات الإبادة.

 

تلك الاحتجاجات تضمّنت إلحاق أضرار بالممتلكات مثل تكسير الزجاج، وكتابة الشعارات، وإغلاق المداخل، لكنّ علامتها الفارقة كانت دائماً رش طلاء باللون الأحمر، كناية عن الدم الفلسطيني المسفوك، على واجهات مؤسسات شريكة في إبادة الفلسطينيين. وكان آخرها الشهر الماضي عندما اخترق أعضاء في المجموعة قاعدة لسلاح الجو الملكي البريطاني ولطّخوا بطلائهم الأحمر أطراف طائرتين عسكريتين تستخدمان لتزويد المقاتلات بالوقود في الجو.

 

حظر «بالستاين آكشن» والاعتقالات الجماعية مثال صارخ على خواء «الديموقراطية» الليبرالية

 

رغم أنّ إلحاق الأضرار بالممتلكات قد يكون نظرياً فعلاً جنائياً يستدعي المحاسبة القانونية، فإنّ تصنيف مجموعة ناشطة مدنية «منظمة إرهابية» لمجرد أفعالها الاحتجاجية ضد الإبادة يشكّل سابقة خطيرة للغاية في بريطانيا المعاصرة. فالحظر وفقاً لقانون الإرهاب يجعل من عضوية المجموعة، أو إظهار الدعم لها بأي شكل، بالهتاف، أو ارتداء الملابس، أو حمل مواد مثل الأعلام، أو اللافتات، أو الشعارات – سواء في المواقع العامّة أو مواقع التواصل الاجتماعي – جريمةً جنائيةً قد تؤدي بـ «مرتكبها» إلى «السجن لمدة تصل إلى 14 عاماً».

 

الجدير بالذكر أنّ مجموعة «بالستاين آكشن» تصف نفسها بأنها «غير عنفية» في أفعالها مع إدراكها بأن إلحاق الأضرار بالممتلكات الخاصة يعدّ جريمة جنائية، وتعرّض عدد منتسبيها للسجن مرات عدة بسبب تهم تتعلق بذلك.

 

على أنّ المحامي عن المجموعة صرّح بأنّ «هدف الإرهاب هو أخذ الأرواح وإيذاء الناس، وهذا عكس ما تفعله «بالستاين آكشن» تماماً». هذا التمييز مهمّ لأنّ قوانين الإرهاب مصمّمة نظرياً لمكافحة العنف المتطرف والتهديدات للأمن القومي، وليس لقمع النشاط المدني الذي يهدف إلى إحداث تغيير سياسي أو اجتماعي، ولو كان ينطوي على «عصيان مدني» أو «أضرار بالممتلكات».

 

هذا الخلط بالمفاهيم يهدد بتعسف غير عقلاني في تعريف «الإرهاب»، ليشمل نطاقاً واسعاً من الأنشطة الاحتجاجية السلمية، ما يعطي الحكومات (الغربيّة) سلطات غير محدودة لتكميم الأفواه، فيما تستمرّ الحكومات نفسها في إلقاء الدروس على الأنظمة «المارقة» التي قد تتخذ إجراءات أقل تعسفاً تقدم عليها دول مثل إيران أو كوريا الشماليّة أو كوبا ضد معارضين.

 

ازدواجية الغرب: قمع الحريات محلياً ونشر «الديموقراطية » عسكرياً

حظر «بالستاين آكشن» والاعتقالات الجماعية للمتظاهرين السلميين في المملكة المتحدة، مثال حيّ وصارخ على خواء «الديموقراطية» الليبرالية التام. عبر الاستخدام «القانوني» لأدوات الدولة، تقمع النخب الحاكمة علناً المعارضين، وتضيّق نطاق الحريات المدنية، وتهندس المعايير الديموقراطية وفقاً لأهوائها عبر المؤسسات ذاتها التي يفترض بها حماية الديموقراطيّة.

 

وللمفارقة، فإن هذا يحدث في الدولة التي أرسلت جنودها عبر البحار لمشاركة الجيش الأميركي في مهمة نشر «الديموقراطيّة» بين فقراء أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن، فقتلوا ملايين من البشر الأبرياء.

 

سوزانا (سو) بارفيت، جواب مستحق على كل متاجر بـ«الانتقال الديموقراطي»، فإذا «لم نتمكن من التحدث عن الإبادة، فإن حرية التعبير بلا معنى، والديموقراطية ماتت» على ما يقول أحد رفاق الراهبة الجميلة، التي تقبع اليوم في ظلام سجن لندني، مُخصّص لعتاة المجرمين وتجار المخدرات، ومناهضي إبادة الفلسطينيين أيضاً.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أميركا تلغي تصنيف جبهة النصرة منظمة إرهابية أجنبية

لم تدل وزارة الخارجية السورية بعد بأي تعليق.   أظهرت مذكرة منشورة على الإنترنت اليوم الاثنين أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ألغت تصنيف “جبهة ...