افتتح رئيس الجمهورية أحمد الشرع مساء اليوم فعاليات الدورة الثانية والستين من معرض دمشق الدولي 2025 تحت شعار “سوريا تستقبل العالم” على أرض مدينة المعارض الجديدة بريف دمشق.
الرئيس الشرع: سوريا تعود إلى دورها الاقتصادي التاريخي
قال الرئيس الشرع في كلمة خلال حفل الافتتاح: “لطالما احتلت الشام عبر تاريخها التجاري، المراكزَ المرموقةَ بين دولِ العالم حيث أكسبها موقعُها الهام، تميُّزاً بما تقدمُهُ من خدمات، وما توفرُهُ من رعاية، ما جعلها بيئةً آمنةً لسلامةِ القوافلِ التجارية فكانت منطقةً حيويةً مزدهرة، على طريقِ القوافلِ التجاريةِ بين الشرقِ والغرب”.

أضاف الرئيس الشرع: “اشتُهرت الشام بصناعاتِها التاريخية، من المعادنِ والنسيج، والصناعاتِ الغذائية والسياحية فكانت مركزاً إستراتيجياً للتداولِ التجاري، والاستثمارِ الصناعي لدولٍ عدة، ووصلت منتجاتُها الصناعيةُ لسائرِ أصقاعِ الأرض، ولا سيما تلك الصناعاتُ التي تحملُ ثقافةَ الأرضِ وحضارتها”.
تابع الرئيس الشرع: “مع كلِّ الحروبِ والأطماعِ التي مرت على هذه الأرض، إلا أنَّها حافظت على مكانتِها وصَنعتِها التي انطبعت على أهلِها ومجتمعِها، فالزراعة والصناعة والتجارة، وما يربط بينها من سلاسلِ التوريدِ والخدماتِ، ليست مهناً عابرةً في سوريا، بل هي همةُ شعبٍ وثقافةُ مجتمع”.

ولفت إلى أن أهل سوريا هم أهلُ الدُّرْبَةِ والصَّنعةِ والتجارة، وهمُ أسيادُ هذا الفن فجعلوا من أسواقِ الشام، أهمَّ محطاتِ التبادلِ والتداولِ التجاريِّ في العالم غير أنَّ سوريا مرت تحت سلطةِ النظامِ البائد، بحقبةٍ غريبةٍ عن تاريخها، تغيرتْ فيها النفوسُ وتقاصرتْ الهمم وتحولتِ البلادُ بسببِ سياساتِ القمع والاستبداد والفساد، إلى بلدٍ طاردٍ للاستثمارِ ورؤوسِ الأموالِ والمبدعين، فانفضَّ الناسُ عن سوريا وهجرُوها، وتراجع إنتاجُها، وعُزلت عن العالم، وخسرت أهمَّ ميّزَاتها، وتشتتت جهودُ ومواهبُ أبنائِها لصالحِ غيرها”.
الرئيس الشرع أكد أنه مع النصرِ المؤزرِ الذي تحققَ لأهلِ سوريا، ومع سقوطِ النظامِ البائد عادت سوريا، وعاد لها مُحبُّوها وأهلُها وأبطالُها وورثةُ مجدها، عادوا جميعاً لبنائِها ولإعادةِ وصلِ ما انقطعَ من تاريخِها، وعاد الناسُ للنهلِ من خيرِها.
عودة الانفتاح الاقتصادي والشراكات الدولية

قال الرئيس الشرع: “اليوم أيها السادة؛ ومنذ لحظةِ التحرير، جعلت سوريا الجديدةُ أولوياتِها في الاستقرارِ الأمنيِّ والتنميةِ الاقتصادية، فوضعت الخططَ لزيادةِ معدلاتِ الإنتاجِ الزراعي والصناعي، وخططت لعودةِ النازحينَ واللاجئين، وبدأتِ الخدماتُ تتحسنُ تدريجياً، من توفيرٍ للكهرباءِ والماءِ والخدماتِ الطبيةِ وغيرها، كما تضاعفت معدلاتُ الأجورِ والرواتب وعُدِّلَ قانونُ الاستثمار لجذبِ الاستثماراتِ المحليةِ والأجنبية”.

أضاف الرئيس الشرع: “وتجري بالتزامنِ أيضاً، عمليةٌ شاملةٌ لإصلاحِ القضاء، وتطويرِ التعليم، لحمايةِ البيئةِ الآمنةِ للاستثمار، ورفدِها بالمواردِ البشريةِ اللازمة وكذلك عمليةٌ واسعةٌ لإصلاحِ قطاعِ النقدِ والمصارف، ولا تخفى جهودُ الدبلوماسيةِ السوريةِ في إعادةِ علاقاتِ سوريا معَ العالم وكيف بدأت تتحررُ من العقوباتِ والقيودِ الضاغطةِ عليها، وبدأت موجاتُ اللاجئينَ العائدينَ لوطنهم تؤمُّ سوريا حاملينَ ما اكتنزوه من علمٍ وخبراتٍ، ومواردَ وقدرات، يعمُرون بها بلادَهم، ويساهمون يداً بيد في نهضةِ سوريا الحديثة”.
ختم الرئيس الشرع كلمته بالقول: “اليوم؛ نجتمع هنا في أول صرحٍ من نوعِهِ عَرَفَته المنطقة في أقدمِ عاصمةٍ مأهولةٍ في التاريخ لنحييَ وجهاً من وجوهِ تاريخِ شامِنا العريق، وإرثها الاقتصادي التليد، ونفتح معاً، صفحةً مشرقةً جديدة، عنوانُها: معرض دمشق الدولي”.
حمزة: المعرض محطة مفصلية في الاقتصاد السوري
من جهته، أكد المدير العام للمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية محمد حمزة في كلمة وزارة الاقتصاد والصناعة، أن انطلاق المعرض من قلب العاصمة دمشق يعكس عودة الحياة الاقتصادية إلى مسارها الطبيعي، ويجسد التغيير العميق في بنية الاقتصاد الوطني ودوره المتجدد في المنطقة، مشيراً إلى أن المعرض يشكل محطة مفصلية في تاريخ الاقتصاد السوري، كونها الأولى بعد مرحلة التحرير وإعادة البناء.
كما قال حمزة: من قلب دمشق المدينة التي قاومت الطغاة ونهضت من تحت الركام نعلن اليوم بفخر واعتزاز انطلاق الدورة الـ 62 لمعرض دمشق الدولي، الدورة الأولى بعد سقوط النظام البائد وتحرير الشام من عقود الاستبداد، مؤكداً أنها لحظة تسجل علامة فارقة في تاريخ الاقتصاد السوري وتفتح صفحة جديدة في علاقتنا مع العالم وتؤسس لمرحلة جديدة من التنمية والإعمار والشراكة والانفتاح والأمل.
حمزة لفت إلى الدور المحوري الذي أدته وزارة الاقتصاد والصناعة في إعادة الثقة بالاقتصاد الوطني من خلال دعم المصانع المتضررة، وتفعيل خطوط الإنتاج، وتسهيل استيراد المواد الأولية والآلات، إلى جانب الجهود الكبيرة المبذولة في فتح قنوات التصدير مجدداً، وخاصة للمنتجات الزراعية والغذائية، وتوقيع اتفاقيات تعاون تجاري مع الدول الصديقة.
كما أوضح أن إعادة بناء مدينة المعارض تمّت بجهود وطنية مخلصة، بعد أن كانت مساحة خاوية لا روح فيها نتيجة ممارسات النظام البائد، مؤكداً أن المدينة تمت إعادة بنائها حتى استعادة وجهها المشرق لتكون مجدداً منصة إستراتيجية للاقتصاد السوري، ومركز تواصل حيوياً مع مختلف دول العالم.
وبيّن حمزة أن الدورة الحالية تجسد التحول العميق في رؤية الدولة السورية التي تقدم نفسها كشريك اقتصادي موثوق يتمتع بموقع جيوسياسي استثنائي، وبنية تحتية واعدة، وسوق استهلاكية كبيرة تتجاوز عشرين مليون مواطن، مشدداً على أن هذه الانطلاقة لم تكن لتتحقق لولا تضحيات الشهداء والجرحى والمفقودين الذين يبقى حضورهم راسخاً في وجدان الوطن.
تركيا تشارك بـ1000 متر و500 رجل أعمال
بدوره، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات حرص بلاده على تعزيز علاقاتها مع سوريا وتقديم كل الدعم الممكن في سبيل إعادة الإعمار، مشدداً على أهمية العلاقات التاريخية والثقافية التي تجمع بين البلدين اللذين تربطهما حدود ممتدة يبلغ طولها 915 كيلومتراً، إضافة إلى ما يجمع البلدين من روابط حضارية وثقافية واقتصادية واجتماعية عميقة الجذور.
وقال بولات: “باسمي وباسم بلدي أحييكم من صميم القلب، وأحمل إليكم أحر التحيات من فخامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى السيد الرئيس الشرع، وإلى الحضور الكريم، مشيراً إلى أن هذه اللوحة التي نشهدها اليوم في افتتاح الدورة ال 62 لمعرض دمشق الدولي، تعكس التنظيم الرائع والجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية، والتي ستتكلل بالنجاح وخاصة بعد الثامن من كانون الأول، بما يمهد لمسيرة جديدة لسوريا أكثر قوة وتقدماً.
وأضاف: “إننا في تركيا ندعم الإدارة الحالية في سوريا ونقف إلى جانبها في مواجهة التحديات، وقد كنا منذ البداية إلى جانب الشعب السوري، حيث استضفنا الأشقاء في بلادنا، ونعمل بالتعاون الوثيق مع نظرائنا السوريين على المضي قدماً في عملية إعادة الإعمار، وفتح آفاق جديدة في العلاقات الثنائية لتشمل مختلف المجالات من الدبلوماسية إلى الصناعة والتجارة والطاقة، ولا سيما تطوير البنية التحتية”.
وأعرب وزير التجارة التركي عن ثقته بأن سوريا الجديدة، حكومة وشعباً، ستكون أقوى مما كانت عليه في السابق، وقال: “نلمس في كل زيارة نقوم بها إلى سوريا تطوراً ملحوظاً ونهضة متسارعة، وهو ما يبعث فينا مشاعر الفخر والاعتزاز”.
كما عبّر بولات عن سعادته بمشاركة بلاده في معرض دمشق الدولي من خلال القطاعين العام والخاص، مشيراً إلى أن المشاركة شملت مساحة تقارب 1000 متر مربع ومشاركة 500 رجل أعمال تركي، مؤكداً أن بلاده ستواصل دعم جهود الحكومة السورية في التنمية والتطوير ليكون مستقبل سوريا زاهراً ومشرقاً.
مشاركة سعودية كبيرة تحت شعار “نشبه بعضنا”
من جهته، أكد مساعد وزير الاستثمار في المملكة العربية السعودية عبد الله الدبيخي أن مشاركة المملكة في معرض دمشق الدولي تأتي في إطار شراكة صادقة تعكس عمق الروابط التاريخية بين سوريا والسعودية، مشيراً إلى أن “دمشق ليست مجرد محطة، بل بيت ثانٍ يجمعنا مع أهلنا”.
وقال الدبيخي: “أود أن أنقل إليكم تحيات خادم الحرمين وسمو ولي العهد اللذين ينقلان تحيّتهما إلى هذا البلد الشقيق ويسعدني أن أكون بينكم اليوم في دمشق هذه العاصمة العريقة التي لا نشعر بها أننا ضيوف بل نشعر بأننا بين أهلنا وفي بيتنا الآخر”.
كما أوضح الدبيخي أن مشاركة المملكة هذا العام جاءت تحت شعار “نشبه بعضنا”، الذي يعبر عن وحدة المشاعر والروابط الأخوية، وأضاف: “قصة سورية جزء من قصتنا، بثقافتها وشعرها وموسيقاها وتاريخها وصمودها، وعندما تتألم سوريا نشعر بألمها وعندما تنهض ننهض معها جميعاً”.
الدبيخي أشار إلى أن الاستثمارات السعودية في سوريا تجاوزت 24 مليار ريال سعودي، حيث تحولت العديد من مذكرات التفاهم إلى عقود نافذة، مبيناً أن الفترة المقبلة ستشهد توقيع اتفاقيات جديدة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتبادل التجاري، بدعم مباشر من القيادة السعودية.
وكشف الدبيخي عن تأسيس فرق عمل ومكاتب داخل سوريا لتسهيل بيئة الاستثمار، بما يشمل إنشاء صناديق استثمارية مشتركة، مؤكداً أن ما تحقّق حتى الآن هو ثمرة لتوجيهات القيادة السعودية ورؤية المملكة 2030 التي تمثل نموذجاً للتعاون والتنمية.
مساعد وزير الاستثمار السعودي بيّن أن معرض دمشق الدولي يحمل دلالات كبيرة، كونه يُقام للمرة الأولى بعد التحرير، وتشارك فيه شركات سعودية في قطاعات متعددة، مشدداً على أهمية التعاون بين البلدين لتعزيز التبادل التجاري وتحقيق التنمية الاقتصادية المشتركة.
وأعرب الدبيخي عن أمله بأن تعود سوريا إلى مكانتها الطبيعية على خريطة الصادرات العالمية في الصناعة والزراعة والصناعات الغذائية، وختم كلامه بالقول: “سوريا لن تكتفي بأن تستقبل العالم من جديد، بل ستلهمه من جديد”.
المهيدب: معرض دمشق منصة للتعاون الثقافي والاقتصادي
من جانبه، أكد رجل الأعمال السعودي عصام المهيدب، وصاحب المشاركة الأكبر في هذه الدورة من معرض دمشق الدولي، حرص مجموعة المهيدب وشركاتها التابعة على المشاركة في المعرض تعزيزاً للتعاون الاقتصادي بين السعودية وسوريا.
وأشار المهيدب، إلى أهمية معرض دمشق الدولي كمنصة ثقافية واقتصادية تسهم في فتح آفاق التعاون بين البلدين، معرباً عن توجه المجموعة للاستثمار كوسيلة لتحقيق التنمية المشتركة.
ولفت المهيدب إلى أن افتتاح معرض دمشق الدولي بدورته الـ 62 يمثل منبراً ثقافياً واقتصادياً ويعكس إرادة سوريا في الانفتاح على المستقبل، ويشكل فرصة لتعزيز تبادل الخبرات وفتح آفاق تعاون مثمر بين الجانبين، مع تأكيده على أهمية العمل المشترك لتحقيق التحول الوطني نحو اقتصاد متنوع ومستدام.
عروض فنية وألعاب نارية

وتخلل الحفل عرضاً لفرقة “إنانا” للمسرح الراقص تضمن لوحات فلوكلورية فنية ورقصات شعبية تعبّر عن تراث وحضارة مختلف المحافظات السورية، إضافة إلى عروض ألعاب نارية زينت سماء المعرض.
حضر حفل الافتتاح وزراء ودبلوماسيون ورجال أعمال عرب وأجانب، وشخصيات دينية وثقافية وفنية.
مشاركة واسعة: 800 شركة من 20 دولة
ويشارك في المعرض أكثر من 800 شركة محلية وخارجية من 20 دولة عربية وأجنبية، وعلى مساحة عرض تقدر بـ 95 ألف متر مربع.
ويفتتح المعرض أبوابه أمام الزوار اعتباراً من يوم غد الخميس وحتى الخامس من أيلول المقبل، وذلك يومياً من الساعة الخامسة مساءً حتى الحادية عشرة ليلاً.












اخبار سورية الوطن 2_سانا