رلى ابراهيم
نجح رئيس الجمهورية جوزيف عون أمس في لجم محاولات عزله، التي بدأت منذ انطلاق عهده، ولا سيما في الأسابيع الأخيرة، من قبل قوى سياسية في الداخل والخارج. فالطوق الذي سعى البعض إلى إطباقه حول عون، تمهيداً لإضعافه، عبر القول إنه فشل في تطبيق أيّ من النقاط التي انتُخب من أجلها، بدّده رئيس الجمهورية بإعادة لبنان إلى دائرة الضوء، أولاً من خلال تنظيم قدوم البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان، في أولى زياراته الخارجية، ومن ثمّ بتثبيت موقعه كرئيس جمهورية في لحظة استثنائية يقرع فيها العدو الإسرائيلي طبول الحرب ويهوّل فيها بعض اللبنانيين على بعضهم.
في مشهد استثنائي قلّما يحصل في الدولة اللبنانية، غصّ المطار بالحضور الرسمي السياسي والروحي والعسكري، وتحوّل القصر الجمهوري إلى باحة كبيرة احتضنت كل مكوّنات الدولة على تنوّعها الطائفي واختلافها السياسي والفكري والعقائدي.
هذه الصورة نقلها مباشرة مئات الإعلاميين الذين قدموا من كل أنحاء العالم، مرافقين للبابا. وقد حقّق رئيس الجمهورية الإنجاز السياسي الأول من زيارة الحبر الأعظم. فعون الذي واجه مساعي خصومه السياسيين لعزله قبل أن يُكمِل سنته الأولى، ولا سيما أولئك الذين قال عنهم إنهم يبّخون السمّ لدى الأميركيين، تمكّن من مدّ عهده بجرعة «أوكسيجين» بابوي وانفتاح سياسي سيؤسّس لصفحة جديدة في طريقة عمله. وقد بدا لافتاً، في هذا السياق، تعمّد النائبة ستريدا جعجع إبداء الاستغراب من داخل قصر بعبدا، من عدم دعوة زوجها، رئيس حزب القوات، سمير جعجع، علماً أن الدعوات لم توجّه إلى قادة القوى السياسية في البلاد.
كذلك، نجح حزب الله هو الآخر في القفز فوق جدار عزله. ففي خطوة بسيطة جداً، لكنها حملت معانيَ كثيرة، تمكّن الحزب من إثبات أنه جزء لا يتجزّأ من التركيبة اللبنانية، ومن أي نشاط عام، ديني أو سياسي أو اجتماعي، حتى لو كان عبارة عن زيارة رأس الكنيسة الكاثوليكية. فعوض أن يستسلم الحزب لدعاية السلام التي صُوِّرت على أنها موجّهة ضده، استطاع عبر البيان الذي أصدره وحضور رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد ونواب الحزب الاستقبال، نقل صورة عنه، مختلفة عن تلك التي يروّجها البعض.
وكلّل الحزب تفاعله مع الزيارة بانتشار عناصر «كشافة المهدي» على طول طريق الشهيد عماد مغنية، في طريقه إلى قصر بعبدا. وحمل هؤلاء أعلام الفاتيكان وصور البابا مُذيّلةً بعبارة «أهلاً بك في ضاحية السيد حسن نصرالله».
وهو مشهد نقلته صفحة الفاتيكان بالعربية. بذلك، فرض الحزب نفسه خبراً عالمياً ضمن الحدث اللبناني التاريخي، وأظهر انفتاحاً كسر من خلاله صورة «التطرّف»، التي يحاول البعض وصمه بها. من ناحيته، قدّم رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى البابا كتاباً حول مسيرة المسيح في الجنوب، بقلم كاتب إيطالي، وعرض له، خلال خلوة معه، معاناة الجنوبيين من اعتداءات العدو الإسرائيلي اليومية واحتلاله للأراضي.
رسائل عون إلى الداخل
في خطابه، وجّه عون المزيد من الرسائل، وحملت كلمته نقطتين أساسيتين: النقطة الأولى، تجلّت في تقديمه الحرية على أي مسألة أخرى، معتبراً أن لبنان تكوّن بسبب الحرية ومن أجلها وليس من أجل أي طائفة أكانت مسيحية أم إسلامية.
وهو ردّ على كل القوى السياسية التي تنظر إلى لبنان من باب تكوينه الطائفي وتتسابق على وجودها فيه، إذ قال عون إن «لبنان هو وطن الحرية لكل إنسان، والكرامة لكل إنسان. وطن فريد في نظامه حيث يعيشُ مسيحيون ومسلمون، مختلِفين، لكنّهم متساوون… هذه فرادة لبنان في العالم كله. وهذه دعوته لكل الأرض». أمّا النقطة الثانية فتشكّل أيضاً نكسة لكل دعاة الفدرلة وماكينة حزب «القوات اللبنانية» وخطاب اليمين المتطرّف. فأمام البابا، وكل الأحزاب والقوى، أكّد عون أنه «إذا زالَ المسيحي في لبنان سقطت معادلة الوطن وسقطت عدالتُها.
وإذا سقطَ المسلم في لبنان اختلّت معادلة الوطن واختلّ اعتدالها». واللافت أن كلمة البابا أتت مُكمِّلة للعناوين التي أكّدها رئيس الجمهورية، إذ ركّز الحبر الأعظم على ضرورة المصالحة، شفاء الذاكرة والصمود في وجه الحروب والصعاب، مُشيداً بتنوّع لبنان، الذي وصفه بأنه جماعة مُكوَّنة من جماعات.
وعمد البابا إلى «تأنيب» السلطة السياسية، طالباً منها ألّا تنفصل عن شعبها، بل أن تضع نفسها في خدمته. كما رفض القرارات التي تُتَّخذ من الأقلية على حساب الخير العام ويتم إظهارها على أنها «قدر محتوم».
وأعطى معنى جديداً للسلام عبر تعريفه بأنه «أن نعرف أن نعيش معاً في وحدة وشراكة، متصالحين بعضنا مع بعض، ونعمل معاً من أجل مستقبل مشترك». كذلك، أفرد مساحة كبيرة لحثّ الشباب على التشبّث بأرضهم وحثّ المسؤولين ورجال الدين على القيام بواجبهم، مشيراً إلى دور أساسي للمرأة في هذا السياق. وعند انتهاء الاستقبال، توجّه البابا إلى مقر السفارة الباباوية في حريصا لقضاء ليلته الأولى، في رسالة أخرى تظهر إيلاءه أهمية كبيرة للتفاصيل، إذ لم يعمد إلى النوم في بكركي أو في فندق خمس نجوم.
بدورها، ردّت مصادر بعبدا على سؤال «الأخبار» عن الفائدة التي تتوقّعها من زيارة الحبر الأعظم، بالقول: «إن البابا لا يسعه فعل المعجزات، ولكن من خلال علاقاته الدبلوماسية وتأثيره في مختلف الدول، سيشكّل صوتاً صارخاً إلى جانب لبنان واستقلاله، إذ يكفي دعمه للتركيبة اللبنانية رغم كل علّات النظام».
واعتبرت المصادر أن «الزيارة تشكّل إفادة للبنان لناحية الحضور الكبير والاحتضان الوطني الكامل الذي تعجز أي شخصية عن فعله، إلّا شخصية بحجم بابا روما». أمّا روحياً، فلفتت المصادر إلى أنه «لم يعد خافياً أن لديه رؤية لتغيير كبير في الكنائس الكاثوليكية في الشرق، وقد تكون مُقدّمة للتغيير في النهج ولاستقالة عدد من البطاركة».

(أخبار سوريا الوطن1-الأخبار)
syriahomenews أخبار سورية الوطن
