سراب علي:
في وقت تبرز فيه الحاجة إلى إعادة الإعمار والتنمية في الساحل السوري، لما له من أهمية سياحية واقتصادية ، تتحول الشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPP) من خيار استراتيجي إلى ضرورة حتمية، وتمثل هذه الآلية نموذجاً متكاملاً لتحقيق الكفاءة والإسراع في تنفيذ المشاريع الحيوية.
ولتحويل هذه الشراكة إلى واقع عملي تبرز ضرورة بناء إطار قانوني وتنظيمي متين وشفاف، وهنا تكمن التساؤلات الجوهرية حول دور التمويل والمنح الدولية في دعم هذه الشراكات وضمان نجاحها، وكيف يمكن تسخيرها لمعالجة الأزمات الخدمية الملحة مثل الكهرباء وإدارة النفايات بسرعة وفعالية تفوق الطرق الحكومية التقليدية.
نموذج هجين
يشير مدير معهد إدارة الأعمال في جامعة اللاذقية الدكتور عبدالله أوبان إلى أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تعد أداة حيوية لتمويل وتنفيذ المشاريع العامة الكبرى حول العالم، حيث يتحمل القطاع الخاص جزءاً كبيراً من المخاطر ومسؤولية الإدارة ويتقاضى أتعابه بما يتناسب مع الأداء.
لافتاً في تصريحه ل “الحرية” إلى أن نماذج متنوعة نجحت في دول مختلفة، مثل نموذج البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) المستخدم على نطاق واسع في مشاريع الطرق والطاقة، كما تميزت بعض الدول بتطبيقات مبتكرة فيها كما في المملكة العربية السعودية حيث أصبحت الشراكة عنصراً أساسياً في رؤية 2030، ونجحت هذه النماذج في قطاعات حيوية مثل النقل والطاقة والصحة، حيث ساهمت في تحسين الكفاءة وتقديم خدمات بجودة أعلى، وتعددت أهداف هذه النماذج بين تطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات العامة، وجذب الاستثمارات والتكنولوجيا الحديثة.
ويشير أوبان إلى أن النموذج الأمثل في الساحل السوري هو /نموذج هجين مرن/ يجب أن يجمع بين سرعة تدخل القطاع الخاص وكفاءته، والضمانات والتوجيه الاستراتيجي الذي يوفره القطاع العام لضمان المصلحة الوطنية، إذ إن هذا النموذج يتناسب مع موارد الدولة المحدودة بعد سنوات من الأزمة، ويسمح بتعبئة رأس المال الخاص المحلي والإقليمي، كما ظهر في الاتفاقيات الاستثمارية الحديثة مع جهات مثل المملكة العربية السعودية، وهو الأمثل في الحالة السورية عموماً وفي الساحل السوري على وجه الخصوص لأنه يوازن بين الحاجة الملحة لاستعادة الخدمات الأساسية وبين ضرورة البناء على أسس مستدامة تحفز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في المحافظات الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس.
أولويات قطاعية ملحة
ويحدد أوبان قطاعات ذات أولوية يجب أن تركز عليها مشاريع الشراكة الأولية،لدورها التأسيسي في استعادة عجلة الاقتصاد وحياة المواطن اليومية، منها
الطاقة والكهرباء: إعادة تأهيل محطات التوليد وتطوير الشبكات، مع التركيز على مشاريع الطاقة المتجددة لضمان استدامة الإمداد.
النقل والبنية التحتية: تطوير الموانئ وإعادة تأهيل الطرق الرئيسية لربط المدن الساحلية وتعزيز موقع سوريا كمركز ربط إقليمي.
إدارة النفايات الصلبة والصحية: لمعالجة أزمة بيئية وخدمية ملحة تؤثر على الصحة العامة وجاذبية المنطقة للاستثمار.
القطاعات الإنتاجية: كالزراعة الحديثة والصناعة التحويلية لدعم الاقتصاد المحلي.
أسس النجاح
يؤكد الدكتور أوبان أن نجاح الشراكات عالمياً يرتكز على الأطر التنظيمية القوية التي تبني الثقة وتحد من المخاطر،ولتصميم إطار ناجح في الساحل السوري يرى ضرورة تطوير القانون السوري للشراكة (2016) التي أشارت إليه التقارير ليتناسب مع مرحلة إعادة الإعمار، مع تحديد واضح للحقوق والواجبات، وإنشاء وحدة حكومية مختصة تعمل كنقطة اتصال واحدة للمستثمرين وتركز على إعداد دراسات الجدوى القوية ، و تعزيز الشفافية والحوكمة في جميع مراحل المشروع لضمان النزاهة وبناء الثقة، مع القيام بوضع آليات تسوية للنزاعات فعّالة، كالتحكيم المحايد المعترف به دولياً، ضمن عقود الشراكة على غرار ما ورد في اتفاقيات الحماية الاستثمارية الموقعة حديثاً.
توزيع المخاطر
ويلفت أوبان إلى أن التوزيع العادل للمخاطر هو حجر الزاوية،و يجب أن يتحمل كل طرف المخاطر التي يستطيع إدارتها بشكل أفضل، فالمخاطر التجارية والتشغيلية (كفاءة الإنتاج، الطلب على الخدمة) تتحملها بشكل أساسي الشركة الخاصة، أما مخاطر سعر الصرف يمكن تقاسمها عبر آليات مثل ربط جزء من التعرفة بسلة عملات، أو أن تتحملها الدولة جزئياً في المشاريع شديدة الاستراتيجية، مع وضع سقف واضح.
وأضاف مدير معهد الإدارة : فيما يتعلق بالمخاطر السياسية والقوة القاهرة تتحملها الدولة، مع وضع آليات تعويض واضحة في العقد، كما يمكن استخدام العقود القائمة على الأداء، حيث يرتبط سداد الحكومة للشريك الخاص بتحقيق مؤشرات أداء محددة، ما يحفز الكفاءة.
التمويل الدولي محفزاً
ويرى أوبان أنه يمكن أن يلعب التمويل الدولي والإقليمي دوراً محفزاً ومخففاً للمخاطر، وهو ما بدأ يظهر عبر الشراكات الإقليمية، ويمكن لهذا التمويل أن يقدم ضمانات جزئية للقروض التي يحصل عليها القطاع الخاص، ما يخفض تكلفة التمويل ويشجع البنوك على الإقراض.
و يمول الدراسات التحضيرية المعقدة والمكلفة، والتي تشكل عائقاً أمام الحكومات ذات الموارد المحدودة، بالاضافة إلى أنه يدعم إنشاء صناديق ضمان متخصصة لتغطية أنواع محددة من المخاطر غير التجارية، و يقدم منحاً مباشرة للمشاريع ذات الأثر الاجتماعي والتنموي العالي، ما يقلل العبء على الموازنة العامة.
الشراكات تسرّع معالجتها
معالجة أزمات الخدمات في الساحل (كالكهرباء والنفايات) يمكن للشراكات أن تسرع في معالجتها مقارنةً بالطريقة الحكومية التقليدية ويشير أوبان إلى أن ذلك يكون من خلال التمويل السريع وذلك باللجوء الى التمويل الخاص وتجنب إجراءات الموازنة الطويلة،و الكفاءة والتكنولوجيا حيث يتم إدخال أحدث التقنيات وأساليب الإدارة التي قد لا تمتلكها الجهات الحكومية،و الحوافز المرتبطة بالأداء: والتي تشكّل ضماناً لاستمرارية وجودة الخدمة لأن إيرادات الشريك الخاص تعتمد عليها، و سرعة التنفيذ وذلك نظراً لمرونة القطاع الخاص في التعاقد والتنفيذ مقارنة بالإجراءات البيروقراطية.
ويختم د. أوبان بالقول : تعتبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص خياراً استراتيجياً لإعادة إعمار الساحل السوري ودفع عجلة التنمية فيه،و إن نجاح هذا النهج رهين ببناء إطار مؤسسي وقانوني متين يضمن الشفافية والعدالة، ويوزع المخاطر بحكمة، ويجذب الاستثمارات الجادة, وفي ظل الإعلان عن دخول مرحلة جديدة عنوانها الشراكة والاستقرار، فإن جهود الحكومة السورية الرامية إلى إنجاح الساحل تسجل هدفاً آخر لها في مرمى أهداف النمو الاقتصادي وإعادة الاعمار.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
