سامر اللمع:
ضمن استراتيجيتها الخبيثة لتفتيت الدول بغية إضعافها وإحكام السيطرة عليها، تعمل «إسرائيل» على دعم الحركات الانفصالية والاعتراف بكيانات منشقة عن دولها الأصلية، وذلك ضمن ما يعرف بسياسة «فرق تسد».
وقد ظهر ذلك جلياً في سوريا حين دعمت «إسرائيل” الحركة الانفصالية في مدينة السويداء تحت زعامة حكمت الهجري، بهدف إضعاف التماسك الوطني في سوريا وتعقيد جهود الرئيس السوري أحمد الشرع لتوحيد البلاد بعد التحرر من براثن نظام بشار الأسد البائد.
«واشنطن بوست» تتحدث
كشف تحقيق موسع نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي التفاصيل الدقيقة لعمليات الدعم العسكري والمالي التي نفذتها “إسرائيل” في السويداء. وتنوعت هذه العمليات ما بين تسليح وتدريب ودفع رواتب لأفراد الميليشيات التي تعمل كقوة انفصالية مناوئة للحكومة المركزية الجديدة بقيادة الرئيس الشرع.
ولم تتريث “إسرائيل” كثيراً لدعم حركة الهجري الانفصالية في السويداء، فوفقاً لمسؤولين إسرائيليين سابقين تحدثوا للصحيفة المذكورة، بدأت المروحيات الإسرائيلية التي تحمل شحنات الأسلحة للجماعات الانفصالية بالوصول إلى جنوب سوريا تحت جنح الظلام في 17 كانون الأول 2024، أي بعد تسعة أيام فقط من سقوط نظام الأسد، حيث تضمنت هذه الشحنات، التي أُسقطت جواً، 500 بندقية وكميات كبيرة من الذخيرة والدروع الواقية للجسد، خُصصت لتسليح ميليشيا تُعرف باسم «المجلس العسكري».
وأكد التحقيق أن تدفق الأسلحة وصل إلى ذروته في تموز الماضي، بعد اندلاع اشتباكات بين ميليشيا «المجلس العسكري» وعشائر بدوية مقيمة في السويداء، حيث زودت «إسرائيل» الميليشيا بأسلحة شملت بنادق قنص وأجهزة رؤية ليلية وذخائر لمدافع رشاشة ثقيلة (14 ملم و23 ملم). كما كشف مسؤولون إسرائيليون لـ”واشنطن بوست” أن “إسرائيل” تقدم مبالغ مالية شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 مقاتل تابعين للهجري في السويداء.
ولم يقتصر الدعم على الجانب التسليحي والمالي، بل تجاوزه إلى أعمال قصف جوي نفذها الطيران الإسرائيلي على مبنى وزارة الدفاع السورية للضغط على الحكومة والعشائر ودعم ميليشيا “المجلس العسكري”.
يذكر أنه في مقابلة أُجريت معه في واشنطن مؤخراً، قبيل لقائه الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، قال الرئيس أحمد الشرع لصحافيي “واشنطن بوست”: إن دعم “إسرائيل” للحركات الانفصالية نابع من طموحات توسّعية، وقد يؤدي إلى إشعال حروب واسعة في المنطقة، لأن مثل هذا التوسع سيشكّل تهديداً للأردن والعراق وتركيا ودول الخليج.
«إسرائيل» تعترف بـ«صوماليا لاند»
ضمن السياسة الإسرائيلية في دعم الكيانات الانفصالية، وفي تطور خطير يهدد منطقة القرن الإفريقي المضطربة بالفعل، أعلنت “إسرائيل” اعترافها بأرض الصومال أو “صوماليا لاند”، وهو إقليم انفصالي عن جمهورية الصومال يحتل موقعاً استراتيجياً للغاية على مدخل البحر الأحمر وخليج عدن.
ووفقاً لخبراء القانون الدولي، فإن الاعتراف الإسرائيلي بأرض الصومال كدولة مستقلة يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ويكشف عن أجندة خطيرة تهدف إلى تفتيت دول المنطقة وتهديد الأمن القومي العربي والإفريقي.
ويرفض القانون الدولي المعاصر بشكل قاطع الاعتراف بالأقاليم الانفصالية، مؤكداً أن مبدأ وحدة الأراضي وسلامتها الإقليمية يعد من المبادئ الأساسية الراسخة في القانون الدولي والتي لا يجوز المساس بها.
ويشير خبراء القانون الدولي إلى أن ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة الرابعة ينص صراحة على احترام سلامة الأراضي والاستقلال السياسي للدول، وأن أي اعتراف بكيان انفصالي يمثل انتهاكاً لهذا المبدأ الجوهري.
مكاسب «إسرائيل» من هذا الاعتراف
وفقاً لدبلوماسيين مصريين، فإن المزايا الاستراتيجية المهمة للغاية التي يتمتع بها إقليم أرض الصومال كانت حافزاً مهماً لإسرائيل للتحرك وانتهاز فرصة التوتر في منطقة القرن الإفريقي وخرق السيادة الصومالية، سعياً لوضع قدمها في المنطقة الاستراتيجية التي تطل على خليج عدن وتتحكم في مدخل البحر الأحمر، والذي ينتهي بقناة السويس في مصر.
كما أن تواجد “إسرائيل” في هذه المنطقة يجعلها أقرب إلى إيران والحوثيين في اليمن، فضلاً عن التحكم في حركة الملاحة باتجاه قناة السويس في مصر، إضافة لفوائد مهمة سواء أمنياً أو اقتصادياً لما تتمتع به المنطقة من موارد كبيرة.
ويتفق الخبراء على أن هذه الخطوة ستؤدي إلى عزل إقليم أرض الصومال دولياً، ولن تحظى بأي اعترافات دولية أخرى، وإلى جانب أن الوقوف إلى صف نتنياهو، المطلوب دولياً كمجرم حرب، فإن أي مساعٍ لاستقبال فلسطينيين من قطاع غزة، في إطار محاولات “إسرائيل” المتكررة لتهجيرهم قسرياً، ستضع قادة الإقليم أمام مسؤولية قانونية دولية.
رفض دولي وبيان للخارجية السورية
بعد أن أعلنت “إسرائيل” اعترافها الرسمي بـ”أرض الصومال” (“صوماليا لاند”) كدولة مستقلة وذات سيادة، سارعت عدة دول إقليمية على رأسها السعودية ومصر وتركيا بإعلان رفضها التدخل في الصومال، ورفض الاعتراف بأي كيانات تهدد وحدة وسيادة الصومال.
وفي بيان شديد اللهجة رفضت الصومال القرار الذي يهدد سيادتها ووحدة أراضيها، ودعت جميع الدول والشركاء الدوليين إلى احترام القانون الدولي، والالتزام بمبادئ عدم التدخل وسلامة الأراضي، والعمل بمسؤولية لصالح السلم والاستقرار والأمن في القرن الأفريقي.
بدورها أعربت الجمهورية العربية السورية عن إدانتها الشديدة ورفضها القاطع لإعلان الاعتراف المتبادل بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وإقليم أرض الصومال، معتبرة هذه الخطوة انتهاكاً واضحاً لمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومساساً مباشراً بسيادة جمهورية الصومال ووحدتها الوطنية وسلامة أراضيها.
وشددت سوريا في بيان أصدرته وزارة الخارجية على أن أي محاولات لخلق كيانات موازية أو دعم مشاريع انفصالية تمثل سابقة خطيرة تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي لما تحمله من تداعيات سياسية وأمنية خطيرة على دول المنطقة وشعوبها، مؤكدة في نفس الوقت على موقف سوريا الثابت والداعم لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية.
معلومات عن أرض الصومال
يقع إقليم أرض الصومال وعاصمته هرجيسا في الطرف الشمالي الغربي من الصومال، وتبلغ مساحته 175 ألف كيلومتر مربع، ويملك ساحلاً بطول 740 كيلومتراً على خليج عدن، ويحتل موقعاً استراتيجياً عند نقطة التقاء المحيط الهندي بالبحر الأحمر في منطقة القرن الأفريقي. وعلى مدار سنوات، كان ميناء بربرة الاستراتيجي محلّ صراع نفوذ إقليمي ودولي في القرن الأفريقي.
أعلن استقلاله من جانب واحد عن الصومال في العام 1991، بعد نحو 3 أشهر من انهيار الحكم المركزي في الصومال، عقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري. لكنه لم يحظ باعتراف من المجتمع الدولي.
خاضت سلطتا مقديشو وهرجيسا مباحثات بدأت عام 2012، وتواصلت وكان أحدثها في 2020 وأواخر 2023 دون اتفاق.
للإقليم عملته الخاصة وهي الشلن وجيشه وجهاز شرطة تابع له، إلا أنه يعاني من العزلة والفقر رغم موقعه الاستراتيجي على الضفة الجنوبية لخليج عدن وعند مدخل مضيق باب المندب المؤدي إلى البحر الأحمر وقناة السويس.
يقدر عدد سكانه ما بين 5.7 و6 ملايين نسمة ولغاتهم هي الصومالية والعربية والإنجليزية.
نظامه السياسي جمهوري، وهناك رئيس وحكومة، ويملك مجلس نواب (غرفة أولى) ومجلس شيوخ (غرفة ثانية)، ويضم كل منهما 82 عضواً.
كان محمية بريطانية استقلت عام 1960، واندمجت مع الصومال الذي كان يتبع إيطاليا ليكوّنا معاً جمهورية الصومال.
syriahomenews أخبار سورية الوطن
