آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » السلطان اردوغان استخدم “الجوكر” وأعلن الجهاد الأكبر.. مسجد آيا صوفيا وركائز عهد عثماني جديد: انقلاب على الانقلابيين وجنوح عن العلمانية نحو أسلمة الدولة ومداعبة للقومية التركية.. لماذا تجاهل اسم مصطفى اتاتورك طيلة 35 دقيقة؟ وهل بات صدام أنقرة مع الغرب أقرب؟

السلطان اردوغان استخدم “الجوكر” وأعلن الجهاد الأكبر.. مسجد آيا صوفيا وركائز عهد عثماني جديد: انقلاب على الانقلابيين وجنوح عن العلمانية نحو أسلمة الدولة ومداعبة للقومية التركية.. لماذا تجاهل اسم مصطفى اتاتورك طيلة 35 دقيقة؟ وهل بات صدام أنقرة مع الغرب أقرب؟

فرح مرقه:

يقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان “وقفة خليفة عصري” فيلقي خطابه الشهير عن “آيا صوفيا” بنحو 35 دقيقة كاملة يسرد فيها تاريخ الموقع الذي بدأ ككنيسة أرثوذوكسية بيزنطية فمسجد عثماني فمتحف أثري فالمسجد مرة أخرى، متباهياً بالتغيير الأخير قبل أربعة أيام فقط من الذكرى الرابعة للانقلاب الفاشل (15 تموز/يوليو 2016)، وكأنه ينقلب على من يتهمهم بدعم الانقلاب في الغرب والشرق.

تحليل خطاب اردوغان، يظهر أن الرجل لا يحتفي بتحويل المتحف لمسجد بقرار قضائي فحسب، بل هو يعلن مرحلة جديدة بثلاثة ركائز أساسية: الأولى بدء الابتعاد عن هوية تركيا العلمانية والميل نحو الأسلمة مجدداً، وهذا ظهر عبر الانقلاب على مرسوم مؤسس الدولة التركية العلمانية الحديثة كمال اتاتورك حول أياصوفيا والعودة لأصل الوقف للسلطان محمد الفاتح. والثانية بدء مرحلة التمدد على شكل خلافة لكن بصورة عصرية، ولعل استخدام اردوغان لمصطلحي الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، والحديث عن الثاني باعتباره “التعمير والتطور” وتتبع مسارات أذرع تركيا واستثماراتها في الخارج وتحديدا في الدول الافريقية يمكنه أن يشكل صورة كبرى عن شكل نفوذ الدولة التركية التي يريدها اردوغان.

الركيزة الثالثة تتمثل في تعزيز موازٍ للقومية التركية والتي تحدث عنها اردوغان في خطابه مراراً، كما ان شعبه يدرك جيداً انه بهذه الخطوة (أي إعادة أيا صوفيا لوضع مسجد) يعلن انتهاء عصر الانتظار للانضمام للغرب أو الشرق.

وهنا ركائز تتناسب مع اتخاذ القرار من قبل حكومة اردوغان التي تشكلت هذه المرة من تحالف مع القوميين والمحافظين، ما جعل حتى معارضة القرار في الداخل منحصرة بالعلمانيين واليسار الذين لا يزالون يشكلون اقلية، كما ان عودة أيا صوفيا لوضعية المسجد خطوة يدعمها الإسلاميون حتى من المنشقين عن اردوغان او المعارضين لسياسته.

ذكر اردوغان باستفاضة لتاريخ آيا صوفيا كمسجد وعن ركعتي السلطان محمد الفاتح في الكنيسة بفتحه إسطنبول، ثم تذكيره بالعهدة العمرية في القدس وما فعله عمر ابن الخطاب من منح الأمان لسكان المدينة، هنا إشارة التقطها كثير من المحللين المؤيدين والمعارضين لتذكير اردوغان لاحقا بأن ابن الخطاب نفسه (ثاني الخلفاء الراشدين) كان قد رفض الصلاة في كنيسة القيامة حتى لا تتحول لمسجد لاحقا خلافا لما حصل مع محمد الفاتح وفق خطاب اردوغان.

الخطاب أيضاً، بدا واضحاً كيف تجاهل فيه اردوغان تماما أي ذكر لمؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك، والذي يلغي أصلا القرار الأخير قرارا له بتحويل اياصوفيا من مسجد لمتحف، تدرجه اليونسكو على قائمة التراث العالمية لديها.

بعيدا عن الخطاب، وبالتركيز على المكان، فقد أعلن اردوغان انه سيلتقي المصلين في 24 تموز/ يوليو الحالي في إسطنبول، وهذا- ان نفذه- معناه محاولة كبرى للرئيس التركي لاسترداد جانب من الشعبية التي افتقدها حزبه تماما في هزيمتين مريرتين في المدينة الكبرى في تركيا والتي بات عمدتها اكرم امام اوغلو المعارض الشرس لاردوغان ولتحويل أيا صوفيا لمسجد من جديد.

بهذا المعنى يحاول اردوغان المناورة في الداخل التركي في محاولة لاسترداد شعبيته وحزبه في العاصمة السياحية للبلاد إسطنبول، وهذه المرة من بوابة دينية قومية قد تفلح على الأقل في المرحلة الحالية بإدخال الرئيس الحالي والعمدة الأسبق الى إسطنبول “فاتحا” وحاسما لملف اثار الكثير من الجدل منذ قيام الدولة التركية الحديثة.

من حيث التوقيت، يحقق اردوغان وبعد اربع سنوات من الانقلاب السريع الفاشل وقبيل ذكراه، انقلابا سريعا ولكنه ناجحٌ هذه المرة من وجهة نظره، ففي اقل من ست ساعات بوم الجمعة صدر القرار القضائي (غير الملزم) وصادق عليه الرئيس التركي ونشره في الجريدة الرسمية حتى تتمكن الأوقاف من تولي امر تحويل المتحف لكنيسة، وهو درس بالضرورة يحاول تلقينه لخصومه السياسيين في تركيا والغرب أيضا خصوصا اليونان ومن خلفها باريس.

هنا اعتبرت الصحفية الألمانية ماريون زينديكر مراسلة صحيفة دي فيلت الألمانية في إسطنبول، لبرنامج حواري على التلفزيون الألماني، الرئيس اردوغان استخدم ورقة “الجوكر” لكونه في وضع حرج اقتصاديا منذ ما قبل كورونا، ولتهاوي حزب العدالة والتنمية، مفصلةً ان ردود الأفعال الغربية الكبرى قد تبدأ من اليونان.

وذكر تقرير مصور لقناة دي دبليو الألمانية ان آيا صوفيا شكل دوماً أزمة بين تركيا واليونان منذ وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان الى الحكم عام 2002، ولاحقا في عام 2011 عندما تم ترميم منبر يعود إلى الفترة العثمانية في متحف آيا صوفيا، كما بدأت عام 2013 تظهر الدعوات لتحويل المتحف لمسجد مجددا.

وتتحفظ اليونان على إعادة أياصوفيا لوضع المسجد لرمزية ذلك لدحر البيزنطيين (اليونانيين) من إسطنبول، الأمر الذي يبدو ان اردوغان أراده اليوم عامدا باعتبار التوتر بينه وبين أثينا على أوجه خصوصا فيما يتعلق بغاز شرق المتوسط، كما التوتر مع باريس التي تدعو لاجتماع أوروبي الأسبوع المقبل لبحث ملف تركيا تحديدا بعد صراعات كثيرة بين باريس وانقرة على أرضية ثقافية ودينية وسياسية.

وطالب حزب يوناني فعلاً الخميس بالرد على قرار اردوغان بتحويل اياصوفيا لمسجد بتحويل منزل مؤسس الدولة التركية الى متحف للابادة الجماعية. كما تخوف الكنيسة الارثذوكسية على لسان البطريرك المسكوني برثلْماوُس من ان تحويل المتحف لمسجد مجددا قد يقسم الشرق والغرب.

كما قال رئيس مركز دراسة مشاكل الدين والمجتمع بمعهد أوروبا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، رومان لانكين: “من المحتمل أن يستخدم أردوغان آيا صوفيا كورقة رابحة في لعبته الأيديولوجية مع الغرب، تماماً كما يستغل اللاجئين في لعبته مع الاتحاد الأوروبي. هناك عنصر سياسي هنا، هو مواجهة أردوغان مع الغرب؛ وعنصر نفسي، يفسد العلاقات ليس فقط مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إنما ومع روسيا أيضا. ذلك أن مكانة آيا صوفيا المسيحية من الناحية التاريخية والثقافية ذات أهمية كبيرة لروسيا. ومع ذلك، ففي هذا المقام، يصعب على روسيا انتقاد تركيا، لأن روسيا تدافع عن حق الدولة السيادي الكامل في شؤونها الداخلية، بما في ذلك القيم الوطنية والدين”.

ويؤيد التوقع بأن اردوغان قرر فعلا اتخاذ القرار لخيار سياسي، انه كان قد قال في عام 2013 انه لن يفكر في تغيير وضع آيا صوفيا “ما دام هناك صرح عظيم آخر مخصص للعبادة في إسطنبول، هو مسجد السلطان أحمد” مشيرا إلى أن إسطنبول بها أكثر من ثلاثة آلاف مسجد، وهو وقت يعتقد ان فيه اردوغان كان لا يزال يحمل املا بانضمام بلاده فعلا الى الاتحاد الأوروبي.

رغم كل ذلك، يصرّ الباحث السياسي المختص بالشؤون التركية الدكتور سمير صالحة على كون حكومة العدالة والتنمية وان كانت قد حولت المتحف لمسجد بقرار سياسي داخلي إلا انها كانت سبّاقة خلال عشرين عاما في السلطة بتمويل ترميم وتدشين عشرات الكنائس في كل انحاء تركيا، مذكرا ان الحكومة في عام 2005 هي التي موّلت ترميم اول واكبر دير تاريخي للكنيسة الأرمنية، وان الحكومة الحالية هي التي تبني أيضا اول كنيسة للسريان في إسطنبول.

واستبعد الدكتور صالحة ان يشكل انتهاء العائد السياحي من ايا صوفيا لتركيا أي اشكال مقابل البعد الشعبي الكبير الذي يحصل عليه اردوغان في الداخل التركي، غير مستبعد ان القرار سيشكل اشكالا في تعامل الغرب مع تركيا، ولكنه سيظل في اطاره الداخلي السيادي.

 

سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 11/7/2020

x

‎قد يُعجبك أيضاً

توقعات إردوغان من ترامب وصعوبات الملفات الخارجية

سارع إردوغان، بعد إعلان فوز ترامب، إلى الاتصال به لتهنئته، متمنياً أن تكون المسارات بين البلدين إيجابية، ومعبّراً عن التطلعات التركية وأهمية التعاون في ملفات ...