منذ عام 1989، موّلت الشركات الصناعية الكبرى استراتيجية إعلامية من أجل نشر الشكّ بين الجمهور بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري.
- يركّز اليمين الشعبوي على الاقتصاد بصورة أساسية ونشر مناصروه”نظريات المؤامرة” بشأن “إنكار تغير المناخ”.
تعليقاً على نتائج قمة العشرين، التي انعقدت في روما، أعرب ناشطو البيئة والأمين العام للأمم المتحدة عن حزنهم وإحباطهم بسبب عدم قدرتهم على دفع الدول قُدُماً إلى السير في المحافظة على البيئة والتغير المناخي.
في ختام القمة، تعهَّد زعماء مجموعة العشرين وقفَ تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في الدول الفقيرة، لكنهم لم يحدّدوا جدولاً زمنياً لإنهائها بالتدريج في الداخل، ولم يصلوا إلى حدّ الموافقة على إنهاء استخدام الفحم في بلدانهم. كما لم تحدّد مجموعة العشرين موعداً للإلغاء التدريجي لدعم الوقود الأحفوري، قائلة إنها ستهدف إلى القيام بذلك “في المدى المتوسط”.
واتَّفق القادة على وضع حد أقصى للارتفاع العالمي في درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) أعلى من متوسط ما قبل العصر الصناعي، لكنهم لم يقدِّموا سوى التزام عام وفضفاض من دون أي أجندة تنفيذية واضحة، يقضي بالسعي لإيقاف الكربون “بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين”. ووضعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عام 2050 موعداً نهائياً لبلوغ صفر انبعاثات، بينما تعهَّدت الصين وروسيا والمملكة العربية السعودية أن يكون عام 2060 موعداً للوصول إلى هذا الهدف.
ويبدو أن هناك عدداً من العوامل التي أدّت إلى هذه النتائج الهزيلة، أبرزها:
أولاً، استخدام “البيئة” ضمن المنافسة الاستراتيجية بين الدول الكبرى:
خلال القمة الحالية، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين اتفاقية تنصّ على اتخاذ إجراءات صارمة ضد ما سمَّياه “الفولاذ القذر”، في محاولة للحدّ من انبعاثات الكربون، ورفع الرسوم الجمركية لترميم العلاقات بين ضفتي الأطلسي.
اعتبر بايدن أن الاتفاقية لن تؤدي فقط إلى تجنّب فرض رسوم جمركية فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنها ستؤدي إلى فولاذ “أنظف”، وتضخم أقل، وإدخال تحسينات مطلوبة بشدة في سلاسل التوريد العالمية المتعثّرة.
عملياً، يُقصَد بعبارة “فولاذ نظيف” منعُ وصول الفولاذ المصنوع في الصين (سمّوه فولاذاً قذراً) إلى أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويتهم الأميركيون والأوروبيون الصناعة الصينية للفولاذ بأنها تفتقر إلى المعايير البيئية، الأمر الذي يؤدّي إلى خفض التكاليف. لذا، فإن اشتراط “النظافة” يمنع الصين من تصدير الفولاذ إلى كل من أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وستضمن الولايات المتحدة “أن كل الصُّلب الذي يدخل الولايات المتحدة عبر أوروبا يتمّ إنتاجه بالكامل في أوروبا”.
ضمن مجال التنافس بشأن إنتاج لقاح كورونا وبيعه في السوق العالمية، تعهَّد القادة، في القمة السابقة عام 2020، توزيعاً عادلاً للقاحات، وتسريع عملية التلقيح. لكن الدول الكبرى، وخصوصاً الولايات المتحدة وأوروبا، سيطرت على أغلبية إنتاج اللقاحات وتوزيعها ورخص استخدامها عالمياً. وتحدَّث الرئيس الروسي، في مقطع فيديو في خلال افتتاح المؤتمر هذه السنة، عن “منافسة غير شريفة” في اللقاحات، وعدم إعطاء التصريح الدولي للقاحات، في إشارة الى عدم إعطاء الترخيص للقاح الروسي “سبوتنيك V”.
ثانياً، صراع شمال – جنوب: النمو الاقتصادي في مقابل البيئة المستدامة:
لطالما عانت أجندات المناخ إشكالية “النمو الاقتصادي في مقابل الاستدامة البيئية”. ففي حين تحتاج الدول إلى التطلع إلى المستقبل، والمحافظة على البيئة، ما زالت الاعتبارات الاقتصادية والنمو تسيطر على تفكير صُنّاع القرار في عدد من الدول، وخصوصاً في الدول النامية، أو ما يسمى دولَ الجنوب.
تركّز الدول الغنية (دول الشمال) على البيئة والحاجة الى التنمية المستدامة، والتي تعتبر المحافظة على البيئة أساساً لها، بينما تنخرط البلدان النامية في مشاكل اقتصادية واجتماعية، مثل الفقر والظلم الاجتماعي والافتقار إلى التنمية، الأمر الذي يجعل النمو الاقتصادي هو الأساس في التنمية المستدامة في تلك الدول.
ثالثاً، غياب الالتزام:
ضمن خطة “تمويل المناخ”، كانت الدول الغنية تعهَّدت عام 2009 تقديمَ 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 من أجل مساعدة الدول النامية على معالجة تغيُّر المناخ، لكنَّهم لم ينفّذوا تلك الوعود، وفشلوا في الالتزام بشأن ذلك التعهّد، الأمر الذي أدّى الى عدم التزام الدول النامية تخفيفَ انبعاثاتها.
رابعاً، الشعبوية:
تتَّجه كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا إلى صناديق الاقتراع السنة القادمة، ويعاني العالم، على نحو عام، ارتفاع الشعبوية، وخصوصاً اليمين الشعبوي. وقد يكون هاجس الانتخابات الداخلية هو الذي فرمل الاتفاق على وقف تمويل محطات الطاقة التي تعمل بالفحم داخل بلدان الدول العشرين، وتعهُّد التوقفِ عن استخدام الفحم، بسبب ما لذلك من تأثيرات اقتصادية متعلّقة بالمستهلك وأسعار الطاقة وسواها.
يركّز اليمين الشعبوي على الاقتصاد، بصورة أساسية. ونشر هؤلاء “نظريات المؤامرة” بشأن “إنكار تغير المناخ”. ومنذ عام 1989، موّلت الشركات الصناعية الكبرى استراتيجية إعلامية من أجل نشر الشكّ بين الجمهور بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري في استراتيجية تم تطويرها سابقاً من جانب صناعة التبغ.
قد يكون أبلغ مثال عن التحدي، الذي يستطيع ترامب واليمين الشعبوي في أوروبا تشكيله، لأيّ التزامات بيئية حقيقية من جانب قادة مجموعة العشرين، هو ما غّرد به أحد نواب الكونغرس الأميركي الجمهوريين، تيد كروز، بعد عودة الولايات المتحدة إلى “اتفاقية باريس” للمناخ، بحيث قال إنه “من خلال الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، يشير الرئيس بايدن إلى اهتمامه بوجهات نظر مواطني باريس أكثر من اهتمامه بوظائف مواطني بيتسبرغ. لن تفعل هذه الاتفاقية الكثير من أجل التأثير في المناخ، وستضرّ سُبُلَ عيش الأميركيين”.
(سيرياهوم نيوز-الميادين ٣-١١-٢٠٢١)