- محمد نور الدين
- السبت 20 تشرين الثاني 2021
يوماً بعد آخر، تزداد خشية رجب طيب أردوغان من احتمال خسارة السلطة، لأسباب كثيرة، في مُقدِّمها تراجع قياسي في شعبية حزبه لم يَعُد ممكناً لجمه، خصوصاً في ظلّ تفاقم المصاعب الاقتصادية. إزاء ذلك، يحثّ الرئيس الطامح إلى ولايات مديدة الخُطى نحو تعديل النظام الانتخابي، وتحديداً بند الـ51% المطلوبة للفوز بالانتخابات، فيما يبدو معارضوه أكثر استعداداً لتشكيل جبهة موحّدة بوجهه بعد مضيّ أسبوعين على تصويت «حزب الشعب الجمهوري» المعارض ضدّ مذكّرة إرسال قوات تركية إضافية إلى سوريا والعراق، أطلق زعيمه، كمال كيليتشدار أوغلو، تحذيراً لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم من أن قرار «المغفرة» قد اتُّخذ. فقال: «في الماضي، حزبنا أيضاً ارتكب أخطاء. وقد اتّخذنا قراراً بالمغفرة. لقد رأيت الكراهية والحقد في وطني، وأريد للحبّ أن ينتصر. فبلدنا بحاجة إلى المغفرة. المغفرة لا تحلّ مشكلات الماضي، لكنها تنقذ مستقبلنا». على خلفية ما تقدَّم، انطلقت التحليلات لتفسير ما يرمي إليه حزب المعارضة الرئيس، وما الذي سيفعله، وما إذا كان المقصود بـ»المغفرة»، «تصفية الحساب» مع السلطة. وكان «الشعب الجمهوري» أطلق باكراً معركة الرئاسة ضدّ الرئيس رجب طيب أردوغان، على رغم أن هناك متّسعاً من الوقت قبل بلوغ مرحلة الاقتراع في صيف عام 2023. غير أن الظروف الاقتصادية التي تزداد صعوبةً، تشجّع كيليتشدار أوغلو والأحزاب المعارضة الأخرى على المُضيّ قُدُماً في «تصفية الحساب». فالليرة التركية، عَرفت، في الأيام القليلة الماضية، تدهوراً قياسياً، إذ بلغت نسبة التراجع – في الأشهر الثلاثة الأخيرة – أكثر من الثُلث، ليصل سعر الصرف إلى أكثر من 11 ليرة لكلّ دولار. وفيما ارتفعت نِسَبُ التضخّم والبطالة، شكَّل الصراع على كيفيّة إدارة السياسة النقدية، جوهرَ المشكلة بين أردوغان والمصرف المركزي الذي تبدَّل حاكمه في السنة الأخيرة أكثر من مرّة. إذ يرفض الرئيس سياسة رفع الفوائد، فيما يرى خبراء اقتصاديون أن من شأن ذلك أن يحدّ من الضغوط على العملة الوطنية.
وتفاقم توتّرَ الحزب الحاكم، استطلاعات رأي يجريها «العدالة والتنمية» لمصلحته، وتُجمع على تراجع شعبيته التي باتت تسجِّل حوالى 30% – فيما بلغت شعبية شريكه، حزب «الحركة القومية» برئاسة دولت باهتشلي، نحو 7% -، فـ27% لـ»حزب الشعب الجمهوري»، و15% لشريكه ذي النزعة القومية، «الحزب الجيّد» بزعامة مرال آقشينير، ما يبقي «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي بيضة القبّان، بحصوله في الاستطلاعات على أكثر من 10% من الأصوات. وفي حال اتفقت المعارضة، وفقاً للظروف الراهنة، على مرشّح مشترك، وحظيت بدعمِ الحزب الكردي، فإن الهزيمة لا محالة ستلحق بأردوغان في انتخابات الرئاسة. ويعزّز الاعتقاد بتقاطع المواقف بين «الشعب الجمهوري» و»الشعوب الديموقراطي» تصريحٌ نقل عن صلاح الدين ديميرطاش، الزعيم السابق للحزب والمسجون منذ خمس سنوات، اعتبر فيه أن ما قاله كيليتشدار أوغلو عن المغفرة «مهمّ جداً للمصالحة الاجتماعية والسلم الأهلي، وهو تصريح شجاع، بل تاريخي وندعمه ومستعدّون للعمل معاً من أجل تصفية الحساب مع أخطاء الماضي».
تفاقم توتّرَ الحزب الحاكم استطلاعات رأي يجريها «العدالة والتنمية» لمصلحته، وتُجمع على تراجع شعبيته
من هنا، يعمل أردوغان على جمْع أصوات بالنقطة. فهو يجري، من وقت إلى آخر، لقاءات مع أحزاب صغيرة من أجل كسب أصواتها، والمثال الأكبر على ذلك هو تركيز الرئيس، منذ عدّة أسابيع، على جذب أصوات «حزب السعادة» الإسلامي الصغير، والذي بالكاد ينال في الانتخابات، كما في الاستطلاعات، واحداً أو واحداً ونصف في المئة. ولكن في سياق احتدام المعركة الرئاسية، تحظى كلّ نقطة أو نصف نقطة بأهمية بالغة. والمفارقة أن زعيم «حزب السعادة»، تيميل قره ملا أوغلو، خرج في حوار صحافي طويل ليعلن بعد لقاء جمعه إلى أردوغان، أنهما يختلفان على كلّ الأمور. وقال: «أردوغان يرى أن كلّ الأوضاع السياسية والاقتصادية في تركيا ممتازة، إلّا شيئاً واحداً: مسألة النصف زائداً واحداً التي ينصّ عليها القانون الانتخابي ليفوز المرشّح برئاسة الجمهورية». ما نقله زعيم «حزب السعادة»، يعكس خشية أردوغان الواضحة من نتائج الانتخابات الرئاسية وفق القانون الحالي ووفق استطلاعات الرأي، لذلك وقع كلامه عن مسألة النصف زائداً واحداً وقْعَ القنبلة في الشارع السياسي. وعندما سُئل أردوغان عمَّا إذا كان سيذهب في اتّجاه تعديل الدستور ليغيّر البند المتعلِّق بنسبة الفوز، لم ينفِ نيته هذه، مبقياً المسألة مفتوحة، بالقول: «إن مرجعية تعديل الدستور هي البرلمان. هل سيتّخذ قراراً جديداً أم لا؟ سنرى ذلك». وما شكّل دليلاً إضافياً على رغبة أردوغان في تعديل الدستور، تحذير عضو الهيئة الاستشارية في القصر الجمهوري، القيادي البارز سابقاً في حزب «العدالة والتنمية» جميل تشيتشيك، من أن مسألة النصف زائداً واحداً ستخلق مشكلات جدّية لتركيا اليوم وغداً، وستفتح على الفوضى.
لكن مشكلة أخرى ظهرت في هذا السياق، تمثّلت في اعتراض دولت باهتشلي على إجراء تعديلات دستورية، إذ اعتبر شريك أردوغان أن النظام الحالي يشكِّل قاعدة ديموقراطية معروفة وموجودة في كلّ دول العالم، ومن العبث الانشغال بهذه القضية، ولذا، بدأ الحديث عمّا إذا كان «تحالف الجمهور» الذي يجمع أردوغان إلى باهتشلي، سينفجر على خلفية هذه القضية. وبحسب محمد تانال، نائب «حزب الشعب الجمهوري» عن إسطنبول، فإن الرئيس التركي يريد التخلّص من نظام الحكومة الرئاسية، كونه لم يَعُد راضياً عنه بعد استطلاعات الرأي. ويقول تانال إن النظام الانتخابي الحالي، أظهر أنه يفيد فقط «الحركة القومية»، فيما فهم أردوغان أن صلاحية «العدالة والتنمية» قد انتهت. أمّا رئيس «الشعوب الديموقراطي»، مدحت سنجار، فيلفت إلى أن أردوغان يبحث عن طريقة للبقاء في السلطة، لكنه لن يجد أكثرية تؤيّده في تعديل النظام الانتخابي. فمن دون موافقة المعارضة، لن يتحقَّق أيّ تعديل للدستور يتطلّب أكثرية ثلثَين لا يملكها «العدالة والتنمية» مع شريكه. ويتطلّب التعديل 400 صوت من أصل 600، فيما يقتضي التعديل في البرلمان لإحالته إلى استفتاء وجود 360 صوتاً مؤيداً، غير متوافرة للثنائي الحاكم (340 صوتاً معاً). لذا، فإن الحديث عن تعديل الدستور، وفق سنجار، قد يكون إشارة إلى احتمال حصول انتخابات رئاسية مبكرة.
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)