السفير د. عبدالله الأشعل
هذا آخر مقال فى ذمتى لمصر والشعب المصرى بعد أن كتبت الكثير محذرا منبها منذ 2012 حتى هذه اللحظة وسوف يظهر هذا المقال فى الطبعة الثانية الجديدة من كتابى الذى صدر فى يناير 2020 حول الحماية القانونية لحقوق مصر المائية فى نهر النيل فى ضوء القانون الدولى بعد أن وصل الموقف الاثيوبى إلى غايته وهو اعتبار السد قضية استقلال مائى عن مصر وهيمنتها وحشد الشعب الاثيوبى فى حملة كراهية غير مسبوقة لكراهية مصر والمصريين وتصوير هيمنة مصر على مياه النيل بأنها السبب فى فقر إثيوبيا وشل يدها عن التصرف فى مياهها ونيلها ولذلك قاد رئيس الوزراء احتفالا شعبيا باتمام المرحلة الأولى من ملء السد دون اتفاق مسبق مع مصر رغم تحذير مصر وتنبيه الولايات المتحدة بضرورة الاتفاق قبل الملء وقد استندت إثيوبيا إلى إعلان المبادئ الموقع فى الخرطوم بأنه الأساس القانونى لإطلاق يدها فى التصرف فى السد منفردة أما الموقف المصرى فهو يثير علامات استفهام كبرى لدرجة أنه ساورنى الشك فى أن الحكومة المصرية طيلة هذه السنوات التى بشرت الشعب بكل الخير ثم صدمته باستحالة تحقيق أى شئ عن طريق المفاوضات وتعنت إثيوبيا على طول الخط وأكاذيبها ومع ذلك فإن اللهجة المصرية ظلت تمتدح إثيوبيا وتثق بأنها لن تضر مصر بل إنها سكتت على اتهام إثيوبيا لمصر بأنها تبالغ فى مزاعم الأضرار المتوقعة من هذا السد.
الخلاصة أن الحكومة المصرية وصلت هى الأخرى إلى قناعة بأن إثيوبيا قالت ونقذت ووضعت الحكومة فى مأزق خاصة بعد أن لجأت برفق إلى مجلس الأمن الذى أحال الملف إلى الاتحاد الإفريقى الذى فشل فى إقناع إثيوبيا بأى شئ.
ولابد أن مصر لم تعد تنتظر ما تجود به إثيوبيا وأن حبل الصبر بلغ مداه أيضا لكن لايزال فى جعبة مصر الكثير لحماية وجود مصر لأن استمرار السد وإثيوبيا فى نفس المسلك سوف يشجع دولا أخرى على حجب المياه كلية عن مصر فتواجه مصر مشاكل وجودية مع كل دول الحوض.
لهذا السبب وغيره سوف أقترح فى هذا المقال برنامجا متكاملا لمعالجة مسألة المياه مع إثيوبيا ومع غيرها اعتمادا على القانون والدبلوماسية.
يتكون البرنامج من جانب مؤسسي وجانب عملى أما المؤسسى فهو تشكيل لجنة عليا تضم ممثلين لجميع الوزراء والهيئات المعنية وهى أساسا الخارجية والرى والدفاع والداخلية والمخابرات والإعلام والاقتصاد توازيها لجنة استشارية من الخبراء فى نفس القطاعات وتدرس اللجنة هذا البرنامج وطرق تنفيذه.
أولا: لابد من اعتبار موقف إثيوبيا منذ بداية إنشاء السد وانفرادها بالقرار جريمة فى حق الشعب المصرى وهى جريمة الإبادة الجماعية بسبب اعتماد مصر كلية على النيل وتعمد إثيوبيا بناء السد على شريان مصر الرئيسى وهو النيل الأزرق.
كما أن تخطيط هذه الجريمة استخدم السدود أداة منتهكا كل قواعد القانون الدولى.
ولذلك يجب تحرير مذكرة بهذا المعنى وتفصيله لبيان أدلة الجريمة وقد فصلتها فى كتابى خاصة طبعته الثانية وبيان المعاهدات التى انتهكتها إثيوبيا والأسس القانونية التى تستند إليها الحقوق المائية المصرية فى مواجهة إثيوبيا وغيرها وهى واردة أيضا تفصيلا فى الكتاب وتسلم هذه المذكرة للحكومة الإثيوبية والاتحاد الإفريقى والأمم المتحدة وسفراء المجموعات الإقليمية جميعا فى مصر خاصة الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن. وتتضمن المذكرة أيضا الرد على الأكاذيب الاثيوبية ضد مصر وحملة الكراهية التى تتوسل بها الحكومة لكسب رضى الشعب الإثيوبي وذلك على التفصيل الملائم فى هذا المقام.
ثانياً: طلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن تقدم إليه هذه المذكرة وتقرير مفصل عن مسيرة التفاوض وتعنت إثيوبيا فى كل مرة وبيان أن جريمة إبادة الشعب المصرى لها أركان واضحة فى سلوك إثيوبيا وأنها بالقطع تهدد السلم والأمن الدولى وتعد أبشع عدوان على وجود شعب ودولة أبشع من جريمة العدوان الواردة فى المادة 39 من الميثاق وهى أول مواد الفصل السابع.
ويصاحب هذا المسعى حملة إعلامية ضخمة باللغات الدولية والامهرية وتجنيد الإعلام المصرى لهذه المهمة وفق خطة محكمة لأن القضية لا تحتمل عبث الإعلام الحالى.
ثالثا: فى نفس الوقت تلجأ مصر إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد حكام إثيوبيا بسبب هذه الجريمة ومن سلطة المدعى العام تحريك الدعوى المرفوعة حتى من دولة غير عضو.
رابعا: الإسراع بالانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة حول الاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية لعام 1997 رغم أنها ملزمة حتى للدول غير الأعضاء وطبقتها محكمة العدل الدولية فى ثلاث قضايا تتعلق بالأنهار الدولية ولم تكن الدول المتنازعة أطرافا فيها.
خامساً: اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لطلب إصدار أمر تحفظى بوقف ملء السد بصفه عاجلة ورض امر واقع لايمكن تدارك اضراره لحين الاتفاق على قواعد الملء مع دول المصب ولحين الفصل فى مدى انتهاك اثيوبيا للمعاهدات الدولية التى تسند حقوق مصر المائية. وفى حال إغفال إثيوبيا للأمر الصادر من المحكمة يتم اللجوء إلى مجلس الأمن لتنفيذه بسلطات الفصل السابع من الميثاق.
خامساً: الانسحاب من إعلان الخرطوم بسبب الغش والتدليس من جانب إثيوبيا وانتهاكها لمبادئ الإعلان جميعا.
سادسا: قطع العلاقات الدبلوماسية مع إثيوبيا وطلب بحث هذه الجريمة فى الاتحاد الإفريقى لإحراج اثيوبيا بل والمطالبة بنقل مقر الاتحاد من أديس بابا.
بعد هذه الاجراءات يجوز لمصر أن تتخذ أى عمل تخريبى للدفاع عن نفسها أمام إصرار إثيوبيا على تنفيذ جريمتها وبالمناسبة ضرورة تحذير إسرائيل من التصدى لمصر حماية للسد وإلا رهنت مصر كل علاقاتها بإسرائيل بتشجيعها إثيوبيا على إفناء مصر.
إن الشعب المصرى كله مستعد لأن يتجاوز عن كافة أخطاء الحكومة وتقاعسها إذا أقدمت على هذه الخطوات فتهديد وجود مصر أخطر من غزو حدودها وتلك مهمة العقول، واماحماية الحدود فهي مهمة الجيوش ولا عبرة بأى عمل لا يحقق وجود مصر ويدافع عن بقائها.
سيرياهوم نيوز 5 – رأي اليوم 27/7/2020