يواصل قطار التطبيع بين تركيا وإسرائيل سَيْره؛ وآخر محطّاته، قرار أنقرة الإفراج عن سجين إسرائيلي من أصل إثيوبي، متّهم بتهريب المخدرات، وذلك قبل خمس سنوات على إتمام محكوميّته. وإذ بدأت أولى خطوات التطبيع بين الجانبَين قبل حوالى السنتين، فإن الصِلات تعزّزت بعد زيارة أجراها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى أنقرة، في ربيع العام الماضي، تبعها تبادل السفراء، وتعزيز العلاقات التجارية لتصل هذه الأخيرة، بحلول نهاية العام الماضي، إلى نحو تسعة مليارات دولار، فيما لا يزال ينقص استكمالَ التطبيع، زيارة قد يقوم بها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إلى كيان العدو، علماً أن زيارةً كانت مقرّرة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إلى تركيا، في الـ28 من تموز الماضي، ولكنها أُلغيت لأسباب ربّما يكون من بينها اعتراض الأخير على جمْع إردوغان، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في أنقرة. وكانت تركيا تعوّل على أن يسهم مسار التطبيع مع إسرائيل، في تخفيف الضغوط الأميركية عليها، وإنعاش اقتصادها، عشيّة الانتخابات الرئاسية التي جرت في أيار الماضي، فيما لم يتردّد إردوغان، إرضاءً لحليفة بلاده، في وصف عمليّات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلّة، أكثر من مرّة، بأنها «إرهابية وشنيعة».
أخيراً، وفي إطار الودّ المتبادَل، قرّرت أنقرة الإفراج عن تاجر مخدّرات إسرائيلي كان اعتُقل في عام 2019، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات، أمضى منها أربع سنوات ونصف السنة في السجون التركية. وكان وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، أعلن أن تركيا ستُفرج عن المعتقل داني عوكه (35 عاماً) الذي «سيعود خلال أيام إلى بلاده»، شاكراً إردوغان، ووزير خارجيته حاقان فيدان، على هذه البادرة. وبالفعل، أُفرج عن عوكه، يوم السبت الماضي، وهبطت الطائرة التي نقلته، في مطار «بن غوريون» عند الساعة الثامنة والنصف من مساء اليوم نفسه.

اللقاءات الديبلوماسية بين الجانبَين التركي والإسرائيلي، كما المبادرات المتعدّدة الجوانب، تتواصل

كذلك، وعلى رغم قرار نتنياهو تأجيل زيارته إلى أنقرة، الشهر الماضي، لأسباب صحية وأخرى تتعلّق بـ«حملة تصحيح القضاء»، إلّا أن اللقاءات الديبلوماسية بين الجانبَين التركي والإسرائيلي، كما المبادرات المتعدّدة الجوانب، تتواصل، وفق ما تورد صحيفة «قرار». وتنقل الصحيفة، التي أَبرزت خبر الإفراج عن عوكه في مانشيتها الرئيس ليوم السبت، عن مصادر عبرية، قولها إن وزير الخارجية الإسرائيلي اتّصل بنظيره التركي، فيما اتّصل هرتسوغ بإردوغان لبحث مسألة المعتقل. وكان لعضو «الكنيست» السابقة من أصل إثيوبي، المحامية بنينا تمانوشاتا، وهي ابنة أخت عوكه، دور في إثارة القضيّة، والدفع في اتّجاه إطلاق سراح قريبها. ويقول عوكه إنه «خُدع من قِبَل تجار ألمان قالوا له إن مادة القات غير ممنوعة في تركيا»، مشيراً إلى أن «هذه المادة غير ممنوعة في إسرائيل بصيغتها الخام الخضراء». وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن السجين السابق كان يحمل في جيبه لدى دخوله تركيا، مئة دولار، وفي حقيبته 34 كيلوغراماً من مادة القات المنتشرة زراعتها في اليمن وشرق أفريقيا، ولكنها تُعتبر نوعاً من المخدرات وممنوعة في العديد من الدول، ومنها تركيا.
وفي الإطار نفسه، أبرزت صحيفة «سوزجي» المعارضة ازدواجية المعايير التركية تجاه المحكومين القضائيين، بالقول إنه «على الرغم من حقّ التعبير بحرية عن الآراء، يدخل، قبل أيام قليلة، الصحافي باريش بهلوان من صحيفة “جمهورييات”، السجن لسنوات، فيما يفرج القضاء عن تاجر مخدّرات إسرائيلي لم ينهِ محكوميّته». وتقول الصحيفة إن الحساسيّة التي أظهرتها تركيا تجاه تاجر المخدرات الإسرائيلي لم تَظهر تجاه بهلوان، الذي أودعته سجن «سيليفري» قبل خمسة أيام. ويرى رحمي طوران، في الصحيفة نفسها، أن «الإفراج عن تاجر مخدّرات إسرائيلي وسجن صحافي تركي بسبب آرائه، يَطرح الشكّ في عدالة القضاء التركي… وكم من الصعب أن تكون مواطناً تركياً أو صحافياً في تركيا»، مضيفاً أن «ما يُحزن هنا، هو أنّنا لم نكن لنعرف عن القضيّة لولا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، فيما تبقى رئاسة الجمهورية التركية كما وزارة الخارجية صامتتَين بالكامل».

في المقابل، يعتقد السفير المتقاعد، أولوتش أوزأولكير، في حديث إلى «جمهورييات»، إن «مثل هذه الأحداث الاستثنائية تقف خلفها عادةً أسباب غير منظورة»، مذكّراً بالإفراج عن الصحافي الألماني دينيز يوجيل المتّهم بالإرهاب، والراهب الأميركي أندرو برونسون المتّهم بالمشاركة في انقلاب 2016. ويرى أوزأولكير أنه «لا بدّ أن يكون مثل هذا الشخص (عوكه) مسؤولاً على مستوى عالٍ ليتمّ الإفراج عنه»، مضيفاً أنه «يجب النظر إلى الثمن الذي حصلت عليه تركيا. لا بدّ أن الشخص المعني له أهميّة فعلية». ويتابع أن «العلاقات بين الدول تتأسّس على المصالح. إسرائيل لا يمكن أن تتخلّى عن تركيا، وتركيا لا تتخلّى عن إسرائيل. والبلدان مهمّان جدّاً في معادلات الشرق الأوسط».