آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الأدب وتأثيره على المجتمع

الأدب وتأثيره على المجتمع

ثناء عليان

“تأثير الأدب على المجتمع” عنوان المحاضرة التي ألقاها الأديب حسين عجمية في فرع اتحاد الكتاب العرب في طرطوس بيّن أن الأدب يدخل في نظام المهام المرتبطة بالحاجات العليا لبنائنا النفسي والانفعالي، وهو مرتبط مصيرياً بتاريخ النشاط العقلي للبشر وفي معظم معارفنا التاريخية، لافتاً إلى أن الكثير من معارفنا أخذناها عن طريق الأدب، لأنه قام بتصوير الأحداث والعلاقات بطريقة جمالية محببة للتداول بين البشر على مّر العصور.
وذكرعجمية تأثير الروائي تولستوي الكبير في القرن التاسع عشر في إيقاظ الضمير عند الأقلية الغنية والقوية لتقوم بتغيير نهجها، في إصلاح المجتمع بطرق كثيرة ومنها إطعام الجياع، فالتغيرات الجارية على النظام العقلي عند تولستوي انعكست على خصوصية أعماله المنشورة، فقد كان يكتب بعفوية لإشباع دوافعه في إنتاج الأدب الإبداعي، وأدرك فيما بعد أنّ الفنان والأديب يجب أن ينذر عبقريّته من أجل تعزيز الخير الاجتماعي، وبدأ يتوجه بوعيه العقلي نحو هذا الأدب النبيل.
وأشار الكاتب إلى أن النظام الشيوعي في الاتحاد السوفييتي تبنى رأي تولستوي في وظيفة الأدب، ودعم الأدب الموظف للخير الاجتماعي، لكن مع مرور الوقت أصبح الطريقة الفكرية الموظفة لتعزيز الايدولوجيا الشيوعية ، وهذا ما جعل الأدب يتغير في ميزانه الأدبي وميزاته في التأثير الاجتماعي، لأنه اقتصر على نظام موجه من السلطة العليا في المجتمع، ولأنّ الأدب هو نظام للإبداع العفوي تحركه روح خلاّقة تظهر البواعث الكامنة في نظام اللاشعور لقيادة طريقة التوجيه الأدبي لإحداث التأثير الاجتماعي، لأنها تنم عن إبداع بلا إكراه في كافة الحقول والمجالات الفكرية والعلمية، المرتبطة بنظام الوجود وحاجات كل عصر محدد في نظام الزمن.
ويرى عجمية أن الأدب المقيد بالمفاهيم والأهداف الإيديولوجية لا يستحق اسم الأدب الملّهم، بل يندرج في خانة الأدب الموجه لغايات وأهداف محددة سلفاً، فقد كان للرقابة القائمة على أسس لاهوتية تأثير مفسد للأدب، لأن الرقابة دائماً تصنف الفكر بأنه مقبول أو مرفوض وفقاً لحاجتها إليه، وإن أي قيد يمكن أن يعطي نتائج عكسية من خلال إيقاظ الفضول في الاتجاه نحو النقيض.
وأكد عجمية أن الأدب يعبّر عن روح العصر ويعكس النزاعات والمشاكل التي تظهر في الحياة الاجتماعية، بحيث يمكن أن تظهر تيارات أدبية عديدة تعبّر عن القيم المتعددة في العصر الراهن، وقد يعبر الأدب الإباحي عن انعكاس وجه واحد مثلاً وخارجاً من عدة وجوه متبدلة في هذا الزمن، ولكن لا يستطيع أي جنس أدبي أن يدوم إذا لم يعكس الروح الدائمة في الخليقة المتجددة في نظام معارفها ووسائلها في نظام الحياة، والتجارب تظهر لنا عندما تقبل الرقابة شكلاً ما في نظام الأدب، فإنّ ذلك يمتد ليشمل مجالات أخرى في الفكر والإيمان والدين وغيرها، وعندما يسود مناخ استبدادي شمولي في أي مجتمع كان، فإنّ كل أنواع الأدب والفنون تذبل، وخاصةً في نظام الرقابة على الفكر، بحيث يظل الهمّ الأول عند الأديب والفنان تفادي الاصطدام مع الرقابة، وهذا القلق سيقتل العفوية التي هي الشرط الأساس الذي يمكّن الفكر من الإبداع.
ويضيف عجمية: هناك حقيقة تاريخية تُظهر أنّ بعض الأعمال الأدبية والفنية العظيمة قد أنتجت في ظل أنظمة شمولية استبدادية .
ولكن لتفسير هذا النوع من الإبداع، فلا بدَّ أن يكون الأديب والفنان على انسجام كامل مع الايديولوجيا السائدة، بحيث يخرج نظام الإلهام والنشوة في قريحته وهو لا يشعر بنظام القيد السائد في زمنه، وطالما أنّ الأديب والفنان خارج نظام الشعور بالقيد سيكون حّر الروح في إبداع الفن والأدب.
ولفت إلى أن دانتي كان مدركاً نظام القيد، ونظراً لطبيعة الإيمان المسيحي العميق في قلب دانتي لم يشعر بثقل نظام الرقابة عندما كتب (الكوميديا الإلهية)، ولا ريب بأن خبرة الألم كانت في ينابيع شعر دانتي الذي كان يعيش في ظل الاستبداد ، بل يتنفس ويشعر ويفكر بحرية كاملة، فالإيمان العميق الذي جعل دانتي حراً داخل إطار الاستبداد في القرون الوسطى، ربما كان ناتجاً عن شعوره بخطيئته بوصفه إنساناً، فقد استخدم الإيمان القوي مصدراً للقوة في تكوين عقله المبدع.
ويختتم عجمية بالقول :” الأدب يدخل في أعماقنا الأمل للوصول إلى عصر الشجاعة الذي يرتفع فيه التفكير عالياً من دون ضعف وهو يبحث عن الوسائل المؤدية إلى احترام كرامة الحياة، في صورة الإنسان وهو يعيش بإخلاص وإرادة طيبة.”

كما يجب على الأدب أن يواجه شرور الحياة ومصاعبها من غير يأس من قدرة الطبيعة الإنسانية على الاستجابة المفعمة بروح المسؤولية في الانتصار على العوائق، والكفاح لكسب معركة الحياة حتى ولو لم يكن لدينا ضمانة على كسب هذه المعركة.

سيرياهوم نيوز 6 – تشرين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

كبـرنـا بهـــدوء ..

  أحلام مستغانمي     كبرنا لدرجة اننا لم نعد نبحث عن أصدقاء جدد أو حتى على أشخاص يحبوننا، بل أصبحنا نبحث عن أنفسنا..   ...