آخر الأخبار
الرئيسية » مجتمع » الأمثال الشعبية تواكب الطقس والتراث والتغير المناخي

الأمثال الشعبية تواكب الطقس والتراث والتغير المناخي

الأمثال الشعبية والأقوال الدارجة عن الحالة الجوية، هل ما زالت تصلح لكل زمان ومكان، ومَن أين تأتي الأمثال؟ أسئلة تراود الكثير من الشباب وتستوقفهم عندما تتردد على ألسنة الكثيرين، وخاصة كبار السن، الذين يتهكمون على الشباب عندما يتحدثون عن برودة الطقس، كونهم يعتبرون أنه منذ عدة سنوات لم يعد فصل الشتاء بارداً كما كان سابقاً، عندما كانت تتراكم الثلوج وتهطل الأمطار بغزارة لأيام متتالية.

معمرون يستذكرون

ويبدأ المعمرون بذكر الأمثال الشعبية التي تخص الشتاء خاصة “كوانينه” أو (أربعينية وخمسينية الشتاء).. ويتساءلون: أين نحن من برد الشتاء فيما مضى؟، حيث كانوا يلتزمون منازلهم ولا يخرجون منها إلا للحاجة الشديدة.

أبو علاء سليمان معمر تسعيني، يستذكر في حديث لـ”تشرين” تلك الليالي والأيام كيف كانت العائلة تجتمع مع بعضها لبرودة الطقس، مدللاً بأنهم كانوا يحضرون كل ما يلزم “لكوانين” من طعام ودفء، وكان ينتابهم الخوف من أن يصاب أحدهم بمرض أو مصاب لعدم قدرتهم على الوقوف بجانبه، وكان يطلق على مَن يخرج من منزله “المجنون”.

قره فلاح: الأمثال نتيجة تجارب شعبية ومراقبات طويلة الأمد

ويذكر التسعيني أبو فايز بعض الأمثال التي كانت تمثل طقس تلك المرحلة التي نجهلها الآن حسب تعبيره، “في كانون كنّ ببيتك يا مجنون وللطلعة ما تضل تحن وتعن”، “في كانون كنّ ببيتك وكتر خبزك وزيتك” إشارة للأجواء الباردة التي تسبب فقدان طاقة الجسم، حيث يشكل الخبز والزيت أهم مصادر إمداد الجسم بالطاقة للناس قديماً، “كانون الأصم برده بيخرق العظم”، “ما بتكوّن بالبير غير ميّة كوانين” وغيرها من الأمثال.

وعند سؤالنا لبعض المعمرين: إن كان ما نمر به ليس كما في السابق؟، وأن هذه الأمثال لم تعد تقارب الحقيقة ويجب تعديلها بما يتماشى مع الوضع الجديد؟ أليست الأمثال هي خلاصة تجربة الأجداد وحكمتهم تتناقل عبر الأجيال، وأنها تصلح لكل زمان ومكان لأنها جزء أصيل من وجدان المجتمع وانعكاس لتراثه الثقافي والحضاري، كان جوابهم الذي ينم عن تجربة وحكمة بأن المناخ يتغير ومن الطبيعي أن يتغير معه كل شيء، لكن لا يلغي أصل الشيء، فستبقى الفصول وإن تغيرت بعض ملامحها، ولكي تتغير الأمثال ويأتي غيرها تناسب ما طرأ، تحتاج لسنين متعاقبة.

قناعات وثوابت

وليأخذ سؤالنا شرعية الطرح تناولناه من الناحية العلمية، أثر التغير المناخي على الطقس، حيث بيّن الدكتور رياض قره فلاح أستاذ علم المناخ في قسم الجغرافيا بجامعة تشرين، أن الطقس في جميع الحضارات سواء العربية أو الغربية كانت له أهمية كبيرة في حياة الناس، وبعضهم كانوا يقدسونه ويذبحون له القرابين، وهناك الكثير من الآلهة سميت بأسماء الطقس مثل الإله رع في الحضارة الفرعونية والإله عشتار إله الخصب في حضارة بلاد الشام، وكل حضارات العالم كان لها إله وكلها تتعلق بالرعد والريح والمطر، وكانوا يقدمون لها القرابين لكسب الرضا ولحمايتهم وتجنب الشرور التي تنتج عن هذا الطقس، لذلك كان الناس يرهبهم الطقس ويخترعون الأمثال التي جاءت نتيجة مراقبات طويلة جداً له.

وأضاف: أصبحت هذه الأمثال قناعات وثوابت شعبية فيما بعد، أثبت بعضها علمياً وبعضها الآخر لم يثبت علمياً، ولكن معظم الحالات كانت فعلاً نتيجة تجارب شعبية طويلة الأمد، لأن المثل الشعبي لا يأتي بين عشية وضحاها، بل يستغرق سنوات وقروناً طويلة جداً حتى يصبح مثلاً شعبياً يعتمده الناس ويتداولونه، كالدواء الذي يختبر لسنوات قبل أن يطرح في الأسواق.

مناخات متبدلة
وأوضح قره فلاح أننا في الوضع الحالي نعيش فترة تغير مناخي شديد جداً، وخاصة بعد الثورة الصناعية التي حدثت في أوروبا عام 1860، هذه الثورة أدت إلى إطلاق كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون، أدت لارتفاع درجة حرارة الجو، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم وحرارة الجو تتغير، بحيث أصبحنا أمام مناخات متبدلة، لم نعهدها سابقاً عندما كانت الفصول فصولاً. واليوم نشعر بملامحها العامة ولكن ليست كما السابق، أصبح الشتاء أقل برودة وثلجاً ومطراً، والصيف أكثر حرارة وفصل الربيع يبدأ فجأة وينتهي فوراً والخريف لم يعد كما كان، ما جعل نقاشنا حول الأمثال الشعبية والطقس الحالي سؤالاً يستحق الإجابة عنه: هل ما زالت الأمثال الشعبية السابقة سائدة في هذه الأيام؟ هل ما زالت الأمثال تطبق بشكل حرفي على الطقس أم تغيرت مع تغير المناخ؟.

معمرون: تغيير الأمثال الشعبية يحتاج سنين طويلة

 

وبرأي قره فلاح، فإن قسماً كبيراً من الأمثال، حتى يومنا، صحيحة، ولكن تغير المناخ جعلها تخف قليلاً وأصبحت أمثال الصيف أكثر التماساً للواقع من أمثال الشتاء، التي كان أجدادنا يعتمدونها مثل فترة الأربعينية التي كانت تعتبر الأبرد، فلم تعد في درجة البرودة نفسها، حيث كان يقال “في كانون حضر الفحم وعمّر الكانون”، “عتمة كانون بتخوف المجنون” ، “كانون فحل الشتاء” لشدة أمطاره وأهميتها في إرواء الأرض الزراعية، وأضاف: نلاحظ الأمطار منذ سنوات قليلة بالمقارنة مع السنوات التي يتحدث عنها الأجداد، التي تسمى فيها كوانين “فحل الشتاء”، حيث كان ثلثا المعدل السنوي للأمطار يهطل في هذين الشهرين، لكن لم تعد كما كانت، وكذلك “السعودات” التي تأتي في “الخمسينية ومطرة نيسان ورية أيار” وغيرها، لم تعد كما في السابق.
وبيّن قره فلاح، أن تغير المناخ رافقه تعديل في دقة الأمثال، لكن الملامح العامة لكل فصل ما زالت موجودة والأمثال صحيحة، لكنها تراجعت عما كانت عليه سابقاً.

سيرياهوم نيوز 2_تشرين
x

‎قد يُعجبك أيضاً

«المطارنة الموارنة»: نرفض إبقاء النازحين السوريين في لبنان … خوري: المشكلة عند الأوروبي والأميركي

في الوقت الذي أكد فيه الأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري على جاهزية سورية لاستقبالهم خلافاً لما يتردد وأنها اتخذت كل الخطوات الممكنة ...