آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » الإعلامي السوري ليس استقصائيا ولا محققا جنائيا!!

الإعلامي السوري ليس استقصائيا ولا محققا جنائيا!!

 

علي عبود

 

لم أتطرق في مقالتي (من يُقيّم أداء مجلس الشعب؟) إلى موضوع الفساد، ولا إلى تقصير مجلس الشعب خلال العقود الـ 35 عاما الماضية في مناقشة أي قضية فساد أدت إلى محاسبة وزير أو نائب إقتصادي، لقد ركزت في الزاوية على عدم تفعيل مجلس الشعب للمادة /78/ من الدستور.

ومع احترامي الشديد لعضو مجلس الشعب الدكتورة رانيا حسن فإن مداخلتها على مقالتي لم تتضمن الإجابة على القضية المحورية التي تحدثت عنها، وهي عدم قيام المجلس بتشكيل لجنة واحدة على الأقل لإعداد تقرير حول امتناع الحكومة عن تنفيذ المادة /40/ من الدستور التي تنص على (لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها)، وتساءلت: لماذا لم يفعلها مجلس الشعب منذ عام 2012؟

 

ومن المستغرب أن تطالبني الدكتورة رانيا حسن بتزويد أعضاء مجلس الشعب بملفات فساد عن أي وزير، وكأنّ الإعلاميين السوريين محققين جنائيين قادرين على الوصول إلى الوثائق والأضابير الحكومية، في حين أن بعض ملفات الفساد جاهزة لدى أجهزة الرقابة التي تخضع للقبضة الفولاذية لرئيس الحكومة، ولا يُفرج عن أيّ منها إن لم تكن خلفياتها مصالح أو خلافات شخصية!

السؤال: لماذا لم يطلب أي رئيس لمجلس الشعب من رؤساء الحكومات على مدى ثلاثة عقود بتزويد المجلس بنسخة عن ملفات وأضابير الفساد التي حققت بها أجهزة الرقابة، ليستكملها من خلال لجانه الدائمة أو الخاصة ويطرحها للنقاش في جلسة عامة؟

والمستغرب أكثر ان مامن دور تشريعي أقرّ قانونا ينص على إلحاق أجهزة الرقابة بالسلطة التشريعية، لأن ربطها بالسلطة التنفيذية حالة شاذة غير موجودة تقريبا إلا في سورية!

ومع أنني تصديت لهذا الموضوع منذ مطلع تسعينات القرن الماضي وخصصت له عدة تحقيقات ومقالات، وخضت حوله نقاشا طويلا مع وزير المالية آنذاك، فإنه لم يستأثر باهتمام أعضاء أي دور تشريعي حتى الآن ..فلماذا؟

نعم، نستغرب عدم مطالبة أي دور تشريعي باسترداد أجهزة الرقابة من الحكومة، فبدونها لن يتمكن المجلس من إنجاز أي ملفات فساد تؤدي إلى محاسبة المرتكبين والمتورطين، وخاصة الكشف عن حالات الإثراء غير المشروع!

وبما أن الكثيرين يطالبون الإعلام بالكشف عن الفاسدين والمفسدين، ونشر ملفات عن الفساد‘ فمن المهم التأكيد مجددا على التالي: الإعلامي السوري ليس استقصائيا ولا محققا جنائيا!

الإعلامي السوري يتابع ويسعى من خلال علاقاته، أو ثقة بعض الموظفين الحكوميين به الحصول على قضايا تتعلق بالفساد وينشرها إن كانت موثقة، لكنه ليس على الإطلاق محققا يمكنه مثل محققي أجهزة التفتيش والرقابة المالية، ولجان مجلس الشعب، الوصول إلى أي وثائق حكومية إن لم يقم مسؤول ما بتسريبها، تماما مثلما حدث في القضية المشهورة عالميا:ووتر غيت!!

نعم، على عكس ماهو سائد فإن مانشره الصحفيان (بوب وودوارد)، (وكارل برنستين) في صحيفة الواشنطن بوست عام 1972، وفجرا على صفحاتها فضيحة ووتر غيت، والتي تدور حول تنصت الحزب الجمهوري على اجتماعات منافسه الحزب الديمقراطي، لم يكن جهدا استقصائيا من الصحفيين الأمريكيين، فالفضل بحصولهما على وثائق الفضيحة يعود إلى (مارك فيلت) المعروف باسم (الحلق العميق) فقد كان يشغل منصب الرجل الثاني في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وهو من قدم المعلومات والوثائق إلى الصحفيين بوب وكارل، أي فعليا هو من أسقط رئاسة نيكسون وليس صحيفة الواشنطن بوست!!

وقد سبق وتعرضت شخصيا لموقف حرج في عام 1989 عندما نشرت مضمون قرارات سرية صادرة عن وزير الاقتصاد السابق لصالح القطاع الخاص، حصلت عليها عن طريق شخص من الداخل، وقد أنكر وجودها رئيس الحكومة آنذاك وطالب بسجني!

الخلاصة: الصحافة الإستقصائية تعني كشف فساد الحكومات، ويحتاج التحقيق الإستقصائي إلى إمكانيات مادية كبيرة تغطيها الصحيفة أو الإعلامي من ماله الخاص، لأن من يُسرب الوثائق يريد ثمنا لها، ويحتاج التحقيق الإستقصائي إلى زمن طويل لإنجازه، وإلى وسيلة إعلامية تغامر بالنشر، وكل هذه العناصر غير متوفرة في الكثير من البلدان وخاصة في سورية، لذا قلناها سابقا ونكررها مجددا: الإعلامي السوري ليس استقصائيا ولا محققا جنائيا!!؟؟

(سيرياهوم نيوز1-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بأي آلاء الحق تكذبون؟ …

  بقلم: د. حسن أحمد حسن غريبٌ أمرُ الردَّاحين الذين من كل حدب وصوب يتقاطرون… يتقاسمون ما أُمْلِيَ عليهم من مصطلحات هجينة مشبوهة ومشوهة ما ...