آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » التسرب الوظيفي يستنزف رأس المال المعرفي للقطاع العام

التسرب الوظيفي يستنزف رأس المال المعرفي للقطاع العام

اعتبر فريق من خبراء الإدارة العامة أن تسرب الموارد البشرية يشكل ظاهرة خطيرة تهدد سلامة عمل المؤسسة واستمرارها وإنتاجيتها وتطورها، ومنهم من رأى أن ما يجري في القطاع العام الحكومي اليوم ليس تسرباً فقط، وإنما يصل إلى مرحلة نزيف للكوادر البشرية وهو بالفعل ظاهرة خطيرة جداً، تجري دراستها.

– حلول علاجية..
ورأى فريق الخبراء أنه يجب الإسراع في إيجاد الحلول العلاجية لها بالنظر إلى حجم الخطر الذي يتهدد مؤسسات القطاع العام، وخاصة تلك التي شهدت تسرباً كبيراً في كوادرها وصل حد النزيف.
طبعاً لعبت ظروف كثيرة، وخاصة خلال سنوات الحرب على سورية، دوراً مباشراً في زيادة التسرب الوظيفي من القطاع العام إلى مرحلة بات يمكن تسميتها نزيفاً حقيقياً، ولنا في القطاع الصحي أو التعليمي أو حتى الصناعي وغيره، مثالاً صارخاً يتحدث عن نقص كبير في عدد الكوادر الخبيرة والماهرة في تلك المجالات.
ومرة جديدة كشفت الدراسات التي أجريت على عدد من الوزارات والهيئات الحكومية عن جملة من المعطيات بعضها كان قد تم التوصل إليه في دراسات سابقة بحثت في واقع سوق العمل في القطاع العام، وبعضها يتعلق بالظروف المستجدة التي ولدتها تداعيات الحرب العدوانية على سورية، وبكل الأحوال تقاطعت النتائج القديمة والجديدة في عدة مقترحات، تم اعتبارها أنها تحمل في طياتها الحل والعلاج العلمي لظاهرة التسرب أو النزيف الوظيفي الذي وصل إليه الحال في عدد من الجهات العامة.
ومن هذه المقترحات.. العمل على تحسين بيئة العمل والمناخ الوظيفي وجعله جاذباً ومحبباً للموظف، بحيث لا يفكر في ترك العمل والنزوح إلى القطاع الخاص أو الهجرة الخارجية، وكذلك الاهتمام بمستلزمات العمل من آلات وتجهيزات وأدوات يحتاجها العامل أو الموظف لينجز عمله، وتحصل المؤسسة على النتائج الفضلى، وبذلك لايضيع جهد الموظف ويتم استثمار كفاءته ومهاراته وخبراته المهنية أفضل استثمار، ويتحقق الهدف الأساسي وهو تحسين جودة الإنتاج ومخرجات العمل أياً كان إنتاجياً أو خدمياً أو إدارياً أو محاسبياً أو غير ذلك.

– تغيير السياسات الحكومية..
ولعل هذا يتطلب تغيير السياسات الحكومية بما يجعل الموظف يشعر أنه جزء من مؤسسته، وبالتالي يتمسك بعمله ولا يعود للتفكير بترك العمل، والبحث عن فرص أفضل، وإعادة الألق للوظيفة الحكومية على غرار ما كان عليه الوضع قبل عدة عقود عندما كانت الوظيفة الحكومية محل احترام وتقدير، وتعطي الموظف مكانة اجتماعية.
ومن أحد المقترحات أيضاً.. أن يتم إعطاء الصلاحيات الكاملة والمرونة للإدارات العامة بحيث تكون قادرة على التحفيز والتشجيع لمزيد من العمل والالتزام وزيادة القابلية لدى الموظف بالالتصاق بعمله، وأن تحاسب تلك الإدارات بعد ذلك على النتائج.
وبالتأكيد فإنه من الضروري العمل على زيادة الأجور والرواتب والحوافز، لأن الجانب المادي له دور كبير في جعل بيئة العمل جاذبة لليد العاملة، لكن إذا لم يكن هذا متاحاً في القريب المنظور، فيمكن على الأقل تحسين ممارسات إدارات الموارد البشرية وأنظمة المسار الوظيفي وفرص الترقية، بحيث يكون لدى الموظف النشيط وصاحب الكفاءة والمهارة والالتزام، فرصة للترقية الوظيفية وتقلد مهام ومسؤوليات، وإذا فقد الموظف هذا الشعور، فإنه سيفقد الحافز في زيادة العمل والإنتاج واكتساب المهارات والتقيد والالتزام بالعمل، خاصة إذا كان اختيار الأشخاص للمواقع الإدارية يتم بعيداً عن المعايير الصحيحة ومن دون أي تقييم، ويخضع لأهواء شخصية أحياناً ترتبط بمدى القرب والبعد من صاحب القرار الإداري في المؤسسة، ومدى رضا صاحب القرار عن هذا الشخص أو عدم رضاه عنه.
ومن مسؤوليات الإدارات كذلك أن تشيع جواً يشعر فيه الموظف أياً كانت درجته ومهمته الوظيفية، بأن دوره مهم بالعمل وأن ما ينجزه هو يتكامل مع باقي الأعمال المنجزة من قبل زملائه في العمل، أي أن يشعر بقيمته في العمل لا أن يتم تهميشه لمجرد أنه لم يحظ برضى الإدارة واستبعد من المسؤوليات الإدارية.
كذلك هناك ما يسمى بالسياسات الصديقة للأسرة، بأن تكون إدارة المؤسسة على علم بالواقع الاجتماعي لكل موظف، بحيث يتم الأخذ بعين الاعتبار الظروف الاستثنائية والقاهرة لدى البعض منهم وتقديم يد العون لهم ضمن الإمكانات المتاحة، ليشعر الموظف أنه ضمن أسرة أو عائلة، وأن الجميع يشعر به ويسعى لمساعدته، وهذا من شأنه أن يرفع قابلية الموظف للتمسك بعمله.
وهنا يمكن التفكير أيضاً برفع سن التقاعد للموظف إلى سن 65 سنة في مثل هذه الظروف التي تشهدها المؤسسات العامة والتي يعاني بعضها من نقص واضح في الكوادر البشرية كماً ونوعاً، وتعديل الملاكات العددية للمؤسسات والوزارات ومحاولة استقطاب بعض من تركوا عملهم والاستفادة من خبراتهم المكتسبة في العمل، وتعديل أسس التعيين الحالية التي لاتتناسب مع ما يجب أن يكون عليه الأمر بالنسبة لأصحاب الكفاءات والمهارات.

– نزيف الكوادر البشرية..
ولأن المشكلة وصلت إلى مرحلة وصفها خبراء الإدارة بالخطيرة لجهة حجم التسرب أو (النزيف) الحاصل بالكوادر البشرية في القطاع العام، فقد يكتسب الحديث بشفافية اليوم أهمية خاصة لتوصيف الحالة بشكل دقيق وتسمية الأمور بمسمياتها لجهة تحديد الأسباب المباشرة وغير المباشرة، واقتراح الحلول ودراسة تلك المقترحات بناء على المعطيات التي توصلت إليها الدراسات المنجزة، والتي تؤكد أن الأمر يتطلب التعامل معها بجدية ومسؤولية لإنقاذ مؤسسات القطاع العام من حالة الفراغ التي قد تصل إليه في حال استمر نزيف الكوادر البشرية.
ذلك أن خسارة الكوادر البشرية لا يمكن تعويضها وخاصة المدربة والمؤهلة والخبيرة منها، وهنا يجب الانتباه إلى أن حالة من الجذب والاستقطاب تحدث من قبل القطاع الخاص المحلي من جهة، ومن قبل مؤسسات خارجية بهدف الاستفادة القصوى من تلك الخبرات..
وبالتالي فإن الخسارة ليست فقط في العدد بقدر ما هي خسارة مادية أيضاً بالنظر إلى أن الوقت الذي احتاجه تأهيل تلك الكوادر وتعليمها وتدريبها ليس بالقليل، وقد تم إنفاق أموال طائلة على مدى سنوات، ما يعني أن الخسارة هنا هي خسارة رأس مال معرفي قدَّره عميد المعهد الوطني للإدارة العامة الدكتور عبد الحميد خليل بحوالى 40 مليار دولار، وذلك خلال لقاء له على إحدى الإذاعات المحلية مؤخراً وقد كشف عن رقم خطير دلل فيه عن حجم الخسارة، حيث كشف أن المعهد الوطني للإدارة العامة خسر 255 خريجاً، من أصل 900 خريج، ما يعني أنه خسر أكثر من 28% من مخرجات عمله، بعضهم هاجر إلى الخارج والبعض الآخر استقطبه القطاع الخاص المحلي، وعلى المستوى المادي وبحسب عميد المعهد، فإن تكلفة الخريج الواحد تصل إلى 35 مليون ليرة سورية خلال سنوات الدراسة، وبالتالي فإن حجم الخسارة من خريجي الإدارة فقط بلغ حوالي 9 مليارات ليرة سورية.

– غياب المعايير الدقيقة..
وفي إطار كل ذلك يبقى الحديث عن غياب المعايير الدقيقة في قياس مستويات العمل وتقييم الموظفين هو العامل الأبرز في تحديد مستويات الخبرات والمهارات في القطاع العام، إلى جانب عدم جدية بعض الإدارات في الاهتمام بأصحاب الكفاءات والخبرات وتحفيزهم والاستفادة من إمكانياتهم في تطوير العمل ودعم إنتاجيته، وعدم الاهتمام بأدوات ومستلزمات الإنتاج والتجهيزات المطلوبة، وكل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في زيادة الرغبة بترك العمل لدى الموظفين والبحث عن فرص أفضل داخل أو خارج البلاد..
وبالفعل فإن التسرب الوظيفي الذي يعاني منه القطاع العام اليوم يعتبر عاملاً مخسراً يضاف إلى العوامل الأخرى التي تسببت بتكبد بعض الجهات العامة خسارات مادية كبيرة، بسبب ظروف الإنتاج والعمل ونقص الكوادر وتسربها.

– النظر في الأسباب..
وبالتالي فإنه وبما أن العزم معقود على إيجاد حلول لمشكلات العمل في القطاع العام، فمن باب أجدى أن يتم النظر إلى الأسباب ومعالجتها لا أن يتم البحث في النتائج ومحاولة إيجاد حلول لها بعيداً عن السبب الأساسي والمشكلة التي أدت إلى تلك النتائج السلبية، بحيث لا نعود بحاجة إلى إعداد المزيد من الدراسات والأبحاث عن واقع باتت مشكلاته معروفة وتعددت الطروحات والمقترحات التي تحمل الحلول والعلاج المناسب للانتهاء من كل مشكلات القطاع العام وإصلاحه.

سيرياهوم نيوز 2_الثورة
x

‎قد يُعجبك أيضاً

“أوبك”: العراق وكازاخستان سيعوضان فائض إنتاجهما للنفط بإجمالي مليون برميل يومياً

منظمة “أوبك” تقول إنّ العراق وكازاخستان، ستعوضان بالكامل فائض إنتاجهما للنفط، الذي بلغ نحو مليون برميل يومياً، بحلول نهاية العام الحالي.   أفادت منظمة البلدان ...