آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » المعذرة أستاذ (هيثم يحيى محمد)

المعذرة أستاذ (هيثم يحيى محمد)

بقلم: ميرفت أحمد علي

كدَأْبي كلّ اثنين، جلستُ إلى طاولتي لتحريرِ زاويةِ الثلاثاء، فاستللتُ قلمي مِن قلنسوتهِ البلاستيكيةِ، استلالَ (عنترة بن شداد) لحسامهِ يومَ الحشر، و مقتلِ ألفٍ منَ البشرِ في صولةٍ للشرّ؛ طمعاً بغمزةِ عينٍ من (عبلة) الزنجيَّة، تُنسيهِ مرارةَ العبوديَّة، و ذلَّ العنصريَّة، التي ابتلاهُ بها لونُ بشرتهِ الداكنِ، و جعلَها (مَعْيرةً) لهُ بينَ القوم. بيدَ أنّي فوجئتُ بالورقةِ عابسةً في وجهي كبومةٍ يتقطَّرُ منها الشُّؤم، و هي تلِّوحُ لي بخلوِّ الوِفاضِ، و بالعودةِ حتى من دونِ (خُفَّي حُنين)؛، فقلتُ لها حَيرانة، و مِن (تَبْويِمها) جَزعانة:

ــ يا ورقة، مالَكِ مزمومةَ البُوز، كأنَّكِ للجرَّةِ كُوز، ثغرُكِ جِدُّ مُدبَّب، و الشؤمُ منكِ يتصبَّب؟

أجابتْ بترفُّعِ الأغرار، مع سبقِ التصميمِ و الإصرار: لي حقٌّ في استقطاعِ إجازةٍ صحية، و الاستراحةِ مِن أهلِ الأدبِ، شرِّ البليَّة.

عاجلتُها راجيةً متوسلة، آملةً ألَّا تُحدثَ لي ـــــ اليومَ ــــ أيَّةَ بلبلة، أو تعرِّضَني لمُساءَلة:

ــ لديَّ غداً استحقاقٌ هامّ، زاويةُ الثلاثاءِ تقرؤُها الأنام؛ فباللهِ عليكِ لا تحرَني حرنَ الحمير، إذا ما نفذَ الشعير، و لا ترفُسي رفسَ البِغال، إذا ما شحَّتِ الغِلال.

انفجرتْ غاضبة، مُرغيةً مُزبدة، غيرَ مُسترحمةٍ أو مُستعتبة:

ــ يا هذهِ، لقد خُلقتُ في أحسنِ تقويم، و تُعاملونَني ــ حضرةَ الكتَّابِ ــ معاملةَ الشيطانِ الرجيم، تشوِّهونَ نَصاعتي بفوضى خَربشاتِكم، و تعبثونَ بأناقتي بهباءِ أفكاركم، و ليتكُم تكتبونَ ما يُقرأ، و يرتقي بالفكرِ و يَأْنَق، أو بالذهنِ يعلَق. بل كثيراً ما تهذونَ، و قليلاً ما تعقِلُون، و كالحرباءِ تتلوَّنون، بينَ الألفِ و الياءِ مروراً بالنُّون. فأَريحُوني من ثقلِ دمائِكم، أو جِدُوا لأنفُسكم أطباءَ نفسانيّينَ يُبرئونَكم مِن دائِكم، داءِ الثرثرة و الكركرة، بما لا يُغني و لا يُسمن، و لا يُعلي صرحَ مَوطِن، و لا يَستطعِم و لا يَستشرِب و لا يَستكسي، و لا يُستساغُ و لا يُطرب.

خررْتُ على ركبتيَّ بمهانة، كسيرةَ الخاطرِ للأمانة، أُناشدُ الورقةَ الرَّعناء، حلاوةَ المعشَرِ و الصفاء:

ــ أَستحلفُكِ باللهِ يا ورقة، ألَّا تجعليني وضيعةً كيَرَقة. أَفسِحي لأفكاري مجلساً بينَ سطوركِ المنسَّقةِ المُشذَّبة، و عامليني معاملةَ السيدةِ المهذَّبة.

عضَّتْ على نواجذِها قائلة، و عَن مذلَّتي غير سائلة:

ــ (آنَ أوانُ الشدِّ فاشتدِّي زِيَمْ)، و أتى يومُ الاقتصاصِ منكُم يا أدباءَ اللاجدوى و العدَم، أيُّها المُعَوِّجونَ لسطوري المُترادفةِ المستقيمة، المالئونَ بشرتي بثُوراً مُستديمة، المُمتَطُوني دابَّةً لتصديرِ المقال، و الجاعلونَ منِّي في أعمالِ السُّخرةِ مضربَ الأمثال. لو أنَّكم تنطقونَ بالموجزِ المُفيد، و بالمغزى الرَّشيد، لجعلتُم سمعتي ناصعةً بالتأكيد. ألا فابرَحُوني بأقلامِكم، و هذا مُنتهى التهديد، و آخرُ الوَعيد.

نظرتُ إلى القلمِ أَسألُهُ الرأيَ و المشورة، و إبداءَ خُطوةٍ جَسورة، فإذا بهِ يشترُ بوزَهُ و يُشيحُ بالنَّظر، و كأنَّه ضالعٌ في المؤامرةِ بالمُختصر! أو لعلَّ بينَهُ و بينَ الورقةِ آصرةٌ مِن غرامٍ و هَوى، و قد عزمَ على تمكينِها و نوَى. و أنا كالمغبونةِ المغفَّلة، الساهيةِ عن هذهِ المسألة، يجري مِن تحتي للتواطؤِ ماء، و أنا عنهُ في عَماء!

فما كانَ منِّي يا سادة يا كرام، إلَّا أنْ رفعتُ عن نفسي المَلام، فاعتذرتُ من رئيسِ تحريرِ (سيرياهوم نيوز)، و الاعتذارُ واردٌ و يجُوز، عَن كتابةِ الزاويةِ الأسبوعية، كيلا أُبتَلى بسوءِ المسموعيَّة.

و للحديثِ تتمَّةٌ و بقيَّة.

(سيرياهوم نيوز12-4-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الاستثمار في الصحة.. نتائج ربحية!

  غانم محمد معاينة الطبيب المختصّ من 50 ألفاً وما فوق… أي علبة دواء من 15 ألفاً وما فوق… أي صورة شعاعية، أو صورة رنين، ...