لطالما شهدت الرياضة الأفريقية تناقضاً بنيوياً على الصعد كافةً. يشكّل لاعبو القارة السمراء أسساً لمختلف الفرق العالمية، وتحديداً في كرة القدم. ومع ذلك، تفشل المنتخبات الوطنية في البروز على الساحة الدولية. لم يفز أي منتخب أفريقي ببطولة كبرى. وفي الغالب، انتهت أغلب الأحلام عند أعتاب الأدوار الأولى. عوامل عديدة أدت إلى ذلك، أبرزها الفساد المستشري في الاتحادات الوطنية للقارة السمراء، دون الاهتمام اللازم للنهوض بالرياضة.
قضايا عديدة طالت مسؤولين مختلفين في أفريقيا سابقاً، وانسحبت الشبهات حول اللاعبين أنفسهم بعد ثبوت قضايا تزوير أعمار في الفئات الشبابية، كما حدث في قضية الكاميرون عندما أسقطت 32 لاعباً من تشكيلة المنتخب الوطني للرجال تحت 17 عاماً إثر الفشل في اختبارات الأهلية العمرية، ومن قبله استبعاد منتخب نيجيريا تحت 17 عاماً من تصفيات كأس الأمم الأفريقية لنفس السبب عام 2016.
هي عناوين عريضة تكررت مع مرور السنوات، حتى طبعت صورة هدّامة في الأذهان لأي محاولة ارتقاء رياضية أفريقية. ومع ذلك، بدأت القارة السمراء تنتفض شيئاً فشيئاً في وجه المشكّكين، سيراً على خطى الانتفاضة الحاصلة في وجه الاستعمار أخيراً.

نتائج لافتة حققتها المنتخبات الأفريقية، رجالاً وسيدات، ضمن الاستحقاق العالمي الأهم في كرة القدم. في مونديال قطر مثلاً، وصل منتخب المغرب إلى نصف نهائي البطولة للمرة الأولى في تاريخ القارة السمراء، بالتوازي مع تحقيق نتائج إيجابية متفرّقة لعدد من المنتخبات، وهو ما انسحب إلى «مونديال» السيدات أيضاً، حيث تجاوزت ثلاثة منتخبات دور المجموعات هي: جنوب أفريقيا، نيجيريا والمغرب، على حساب منتخبات أخرى ذات تصنيف أعلى.
استمر غياب الألقاب، لكن النتائج الإيجابية اللافتة أخيراً تؤشر إلى حركة نهوض قد ترفع منتخبات القارة السمراء على منصات المسارح العالمية مستقبلاً.

 

حققت المنتخبات الأفريقية رجالاً وسيداتٍ نتائج لافتة ضمن كأس العالم

النتائج الإيجابية ليست صدفة ولم تأتِ عبثاً. محاولات إصلاح حثيثة قامت بها أكثر من دولة أفريقية في الفترة الأخيرة، سعياً لتعبيد الطريق أمام النجاح. وتوالياً، أُعيدت هيكلة العديد من الاتحادات منعاً لانتشار الفساد. مساعٍ جدّية للنهوض لاقت معوّقات من «مستعمري الرياضة» الذين أرادوا تكبيل الكرة الأفريقية لوقتٍ أطول، فتصاعدت الشبهات حول رشى أوروبية لاتحادات القارة السمراء، ومن خلفها لاعبون وحكام بهدف إبقاء الصورة الراسخة عن «تخلف» الكرة الأفريقية. ترافق الأمر مع تهويل إعلامي كبير للصورة، أملاً بإحكام السيطرة على بعض البلدان، ربما من بوابة الرياضة. حصل ذلك في أكثر من استحقاق، آخرها بطولة كأس الأمم الأفريقية، عندما اشتُبِه برشى حكام أفارقة لتخريب الحدث، وخاصةً أنه يأتي غالباً في منتصف مسابقات كرة القدم الأوروبية الكبرى، وهو ما يمتعض منه دائماً مسؤولون بارزون في اتحادات أوروبا.

ومن الإنجازات النوعية التي حققتها القارة السمراء أخيراً، إقناع العديد من اللاعبين البارزين ضمن عالم المستديرة في تمثيل بلدهم الفريقي الأمّ، أملاً بتحسين أداء اللاعبين المحليين ورفع جودة المنتخب تباعاً. إضافةً إلى ذلك، أصبح هناك اهتمام أكثر بتنمية المواهب المحلية في المدارس ومحاولة تسهيل التدرج قبل الاحتراف، توازياً مع تحسين الأكاديميات والمنشآت الرياضية، مثل أكاديمية محمد السادس في المغرب.
رغبة رئيس الاتحاد الكاميروني لكرة القدم، صامويل إيتو، في القضاء على تلاعب السنّ في كرة القدم للشباب ودعوته الدائمة لمكافحة الفساد الداخلي و«المدسوس» تعكسان جديّة محاولات النهوض، وهي مرحلة معالجة تعرفها أغلب الاتحادات الأفريقية.
لا شك بأن القارة السمراء تمتلك مواهب كروية من الطراز الأول. يعكس ذلك انتشار اللاعبين الأفارقة في أكبر الأندية العالمية، من دون إغفال فوز القارة بسبع بطولات لكأس العالم تحت 17 عاماً (غانا مرتين ونيجيريا خمس مرات)، مع تتويج غانا أيضاً بكأس العالم تحت 20 عاماً نسخة 2009. إنجازات لافتة يأمل القيّمون سحبها إلى المنتخبات الوطنية. الأمر مرتبط بالاستمرار في مكافحة الفساد بالدرجة الأولى مع العناية بالمواهب الشابة.