ما قبل عام 2015 ليس كما بعده بالنسبة إلى برشلونة. النادي الذي صال وجال على منصات الألقاب المحلية والأوروبية، «تباطأ قطاره» منذ ثمانية أعوام على خلفية عقبات يصعب تجاوزها. برشلونة غارق في الديون. ضيق الحال لخّصه بيع عشب ملعب «سبوتيفاي كامب نو» قبل أيام على شكل تذكارات لزيادة المداخيل، مع اتخاذ قرار بوقف المخصصات المالية لإطعام لاعبي الفريق الرديف، تبعاً لشبكة «ريليفو» الإسبانية، من دون إغفال إغلاق قناة النادي التلفزيونية بعد 27 عاماً على انطلاقتها… الأزمة، بطبيعة الحال، ليست وليدة اللحظة. هي نتيجة سلسلة قرارات خاطئة، كان أخطرها اختلاس إدارة الرئيس السابق خوسيه ماريا بارتوميو أموال النادي لمصالح شخصية، كما هو معروف في الوسط الكاتالوني. إنفاق غير قانوني كدّس ديوناً ضخمة على برشلونة، ما جعله يعاني الأمرّين. جاء بعدها الرئيس الحالي خوان لابورتا في مارس/ آذار 2021 ضمن حقبة شخصية ثانية، وأخذ على عاتقه محاولة إخراج النادي من الأزمة. سعى لابورتا جاهداً لإعادة جدولة الديون وتقليص النفقات إلى أبعد الحدود في محاولة لإبقاء اسم النادي بين كبار أوروبا والعالم. لتحقيق ذلك، ركّزت إدارة النادي على استقدام أسماء لامعة بصفقات مجانية بعد انتهاء عقودها أمثال ماركوس ألونسو، أندرياس كريستنسن، فرانك كيسييه، إلكاي غوندوغان… وأخرى على سبيل الإعارة مثل جواو فيليكس وجواو كانسيلو، مقابل التخلص من لاعبين آخرين ساهموا في زيادة عائدات النادي بالتوازي مع تقليص الأجور في الدفاتر المحاسبيّة.
الخطوة الأضخم لدر العائدات تمثّلت ببيع جزء من حقوق الترويج التلفزيوني في السنوات اللاحقة مقابل ضخ النقد الفوري، بالإضافة إلى حصص من شركة الإنتاج الإعلامي «Barca Studios» الخاصة بالنادي. إجراءات مبررة ظاهرياً تبعاً للحاجة إلى سد الديون، والحفاظ على اسم برشلونة مع التوقعات الملقاة على كاهله، حيث يُطلب من أندية النخبة ضمن كرة القدم الحديثة أن تبذخ في أسواق الانتقالات كي تتمكن من المنافسة، غير أن هذه الإجراءات ليست مألوفة على صعيد الاستدامة المالية ما يجعل التداعيات المستقبلية تفوق فوائد الحاضر بكثير. فعلى الرغم من منطقية تسوية بعض الديون على المدى القصير، إلا أن النادي قد يلحق الضرر بنفسه مستقبلاً عندما لا يكون لديه المزيد من الأصول القابلة للبيع.

الأزمة لخّصها بيع عشب ملعب الفريق على شكل تذكارات لزيادة المداخيل

الأزمة الخانقة وما اتُخذ من إجراءات استثنائية في عملية «التشحيل»، أبصرت النور رغم كل شيء. بنى لابورتا فريقاً متيناً ذو فاتورة أجور منخفضة مقارنةً بما مضى، عادت على النادي بلقب الدوري الإسباني في الموسم الماضي. لكن، ورغم أهمية اللقب، تبقى الضبابية سائدة حول حاضر ومستقبل الفريق.
لا تزال الديون تُثقل كاهل برشلونة بتجاوزها عتبة المليار يورو تبعاً لما هو معروف في الوسط الرياضي. يزيد الأمر صعوبة، القيود التي يفرضها الاتحاد الإسباني على النادي للامتثال لقواعد اللعب المالي النظيف، مثل وضع سقف للصرف على اللاعبين كحد أقصى لا يتجاوز الـ40% من مداخيل النادي.
طبعاً، يبقى برشلونة أحد فرق النخبة، لكن الحاضر يفرض واقعاً جديداً يجب على إدارة النادي، ومن خلفها الجماهير، التكيّف معه. سبق وأن وقعت أندية نخبوية بأزمات شبيهة لما يحدث مع برشلونة، آخرها فريق إي سي ميلان الإيطالي الذي ضحّى بالمشاركة في الكرة الأوروبية لموسم واعتمد على صفقات مدروسة قبل أن ينهض مجدداً ويوازي دفاتره المحاسبية.

المتانة المالية هي أساس النجاح. يلزم النادي الكاتالوني دراسة طويلة الأمد قوامها التضحية لفترة زمنية محددة، والاعتماد على أكاديميته «لا ماسيا» التي سطّرت أبرز إنجازات الفريق في تاريخه الحديث، عسى أن تتقلّص الديون مستقبلاً وينهض برشلونة مجدداً للمقارعة بين الكبار على الألقاب الممكنة كافة.


خفض سقف النفقات
تلقى برشلونة أمس الخميس ضربة قوية بعدما قرّرت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم خفض الحد الأقصى لسقف إنفاق بطل إسبانيا لهذا الموسم، إلى 270 مليون يورو (290 مليون دولار).
وكان الحد السابق لبرشلونة هو 649 مليون يورو (697 مليون دولار)، وهو رقم تضخّم بسبب بيع دخل حقوق البث التلفزيوني مستقبلاً ضمن سلسلة من الرافعات المالية التي لجأ إليها النادي. ويبلغ المستوى الحالي لنفقات الرواتب لدى النادي الكاتالوني نحو 400 مليون يورو (429 مليون دولار) وفقاً لتقارير إسبانية. ويعني الوضع الحالي أن من غير المرجح أن يجري برشلونة صفقات انتقالات كبيرة في كانون الثاني، مع الحاجة إلى مزيد من التخفيضات إذا أراد النادي أن يكون في وضع يسمح له بتعزيز صفوفه الصيف المقبل. وحول هذا الأمر، قال رئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس إنه لا يعلم متى سيعود الوضع المالي لبرشلونة إلى طبيعته. وأضاف تيباس، في مؤتمر صحافي أمس الخميس، إن الأمر يعتمد على برشلونة واستراتيجيته التجارية، معتبراً أنه ربما يبيع النادي لاعباً إضافياً ويخطو خطوة عملاقة إلى الأمام.

على مقلب آخر، يبلغ الحد الأقصى للإنفاق في ريال مدريد 727 مليون يورو (780 مليون دولار). ويحتل أتلتيكو مدريد المركز الثاني خلف “لوس بلانكوس”، بحد أقصى 296 مليون يورو (318 مليون دولار).
وتشمل النفقات التي يغطيها حدّ الإنفاق الخاص في الـ”ليغا”، رواتب اللاعبين والموظفين وتكاليف استهلاك التحويلات ورسوم الوكيل والمكافآت وغيرها.
وتتضمن عملية حساب تحديد سقوف إنفاق الأندية، عبر طرح ديونها ونفقاتها غير الرياضية من إيراداتها.