لم تُجانب صحيفة “الديلي تلغراف” اليمينيّة الحقيقة عندما قالت في افتتاحيّتها يوم أمس إن بريطانيا تُواجه “أزمةً وجوديّة” بعد انهِيار الخدمات الصحيّة، وارتفاع غلاء المعيشة، وتوسّع دائرة الإضرابات العُمّاليّة في مُختلف القِطاعات، فكُلّ شيءٍ يرتفع هذه الأيّام فيها، الأسعار، التضخّم، الطّاقة، والشّيء الوحيد الذي ينخفض تقريبًا هو درجات الحرارة بفِعل الصّقيع ممّا يُضيف أعباءً إضافيّةً على المُواطن البريطاني، وخاصّةً الفُقراء.
بريطانيا العُظمى لم تعد عُظمى، وتتحوّل بسُرعةٍ لكيّ تُصبح دولةً عاديّةً جدًّا، وربّما إلى ما هو أسوأ من ذلك، خاصّةً إذا قرّرت اسكتلندا الانفِصال، والانضِمام إلى الاتّحاد الأوروبي، لأنّ التوجّهات الانفصاليّة تتصاعد مع تصاعد الأزمات الاقتصاديّة والمعيشيّة.
الإحصاءات الرسميّة البريطانيّة تؤكّد أن بولندا التي كان مِئات الآلاف من أبنائها يُهاجرون إلى بريطانيا بحثًا عن لُقمة العيش، ستتجاوز بريطانيا من حيث نصيب الفرد من النّاتج المحلّي الإجمالي في غُضون 12 عامًا، وإن كان بعض الدّول مِثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ستُواجه المِحنَة نفسها.
الاقتِصاد البريطاني الذي كان مضرب المثَل في قُوّته خاصّةً في زمن السيّدة مارغريت تاتشر ينزلق بشَكلٍ مُتسارع إلى الرّكود، والجنيه الإسترليني يفقد الكثير من قُوّته وعرشه أمام الدولار والعُملات الأُخرى ومُعدّلات البِطالة في ارتفاعٍ ومعها مُعدّلات الفقر بالتّالي، ويكفي الإشارة إلى أحدث الدّراسات التي أشارت إلى أن مُتوسّط عدد المتاجر التي أوصدت أبوابها بشَكلٍ نهائيّ عام 2022 بلغ 47 متجرًا يوميًّا، ناهِيك عن عددِ الشّركات التي أعلنت إفلاسها.
سببان رئيسيّان أوصَلا بريطانيا إلى هذا الوضع الاقتصادي المُزري:
-
الأوّل: انسِحابها من الاتّحاد الأوروبي، أيّ “البريكست”، وسُقوط نسبة من مُواطنيها في مِصيَدة الخِداع لبعض العُنصريين اليمينيين الانعِزاليين الذين روّجوا لهذا الانسِحاب باعتباره أكثر فائدةً للبِلاد وأهلها، وتكريسًا لهُويّتها القوميّة الاستقلاليّة.
-
الثاني: الحرب الأوكرانيّة التي كانت حُكومة المُحافظين الحاكمة من أكبر المُروّجين لها، والمُتورّطين فيها، بعد الولايات المتحدة الأمريكيّة، وإذا تطوّرت هذه الحرب إلى حربٍ عالميّة فإنّ نصيب لندن من القنابل النوويّة والصّواريخ الباليستيّة سيكون الأكبر حسب تهديدات الجِنرالات الروس.