الرئيسية » عربي و دولي » تونس | تكتّل حزبي بوجه الرئيس: سعيّد يطلق مسار تغيير النظام

تونس | تكتّل حزبي بوجه الرئيس: سعيّد يطلق مسار تغيير النظام

 أمينة الزياني  السبت 25 أيلول 2021

جاءت الأوامر الرئاسية الأخيرة التي أصدرها قيس سعيد لتُوجّه ضربة إضافية للأحزاب، التي لم تجد بدّاً من تناسي خلافاتها مؤقّتاً، ومحاولة تشكيل جبهة موحّدة بوجه الرئيس. وفيما يبدو الأخير غير آبه باتّساع دائرة الرافضين لإجراءاته لتشمل حتى القوى التي حافظت سابقاً على مسافة من المناهضين له، فهو يستعدّ للمضيّ في إجراء استفتاء على النظام السياسي والقانوني الانتخابي الجديدَين، واللذين ستتولّى صياغتهما، حصراً، لجنة من تشكيله وبرئاستهتونس | لم يبدُ من الهيّن، على الطيف السياسي التونسي، أن يتقبّل الأوامر الرئاسية الأخيرة التي أصدرها الرئيس قيس سعيد مساء الـ22 من أيلول، بل كان لتلك الأوامر وقْع الزلزال السياسي الذي أسال البيانات الرافضة والدعوات إلى التظاهر والاحتجاج، مقابل ترحاب شعبي واسع. وامتداداً لمشهد ما بعد الـ25 من تموز، ظلّت حركة «النهضة» وحلفاؤها السابقون في الحُكم على الخطّ التصادمي نفسه مع سعيد، فيما ارتأت المنظّمات الوطنية التريّث في إصدار مواقفها، حتى يوم أمس. وبعدما عمد سعيد، في ضربة أولى، إلى إقصاء الأحزاب من دائرة الفعل السياسي، وحشرها في زاوية ردّ الفعل، قرّر، في ضربة ثانية، سحب جميع الامتيازات الممنوحة للنواب، مدغدغاً بذلك مشاعر فئة واسعة من التونسيين الغاضبين من تمتّع هؤلاء بامتيازات مادية واعتبارية، ونفوذ واسع استُخدم في حالات كثيرة للمصالح الشخصية. وكما كان متوقّعاً، لم يعلن سعيد، صراحة أو مباشرة، إنهاء العمل بدستور 27 كانون الثاني 2014 الذي صاغه المجلس الوطني التأسيسي المنتخَب إثر انتفاضة 2011، بل علّق العمل بمواده المتعلّقة بكلّ من السلطات التشريعية والتنفيذية والهيئات الدستورية، وكلّ ما يتعارض مع التدابير الاستثنائية، وأضاف مقتضيات جديدة في حال شغور منصب رئيس الجمهورية، نتيجة وفاة الرئيس أو تعذّر ممارسته أعماله، بحيث يتولّى مهامّه رئيس الحكومة الجديد، ويحلّ وزير العدل مكانهما في حال تعذَّرت على الاثنين ممارسة مهامّهما، وهو ما يستهدف، على ما يبدو، إنهاء أيّ احتمال لقيام رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، على رأس الدولة.

كذلك، سحبت الإجراءات الجديدة، لفائدة الرئيس، جميع اختصاصات التشريع وسنّ القوانين، بالإضافة إلى اختصاصات تنفيذية يسندها الدستور إلى رئيس الحكومة. ولم يستثنِ سعيد، من التحوير، إلّا توطئة الدستور وباب المبادئ العام الناصّة على قيم الجمهورية ووحدة الدولة وباب الحقوق والحرّيات، الأمر الذي يعني أن البلاد تسير بربع دستور ومرسوم رئاسي ذي مرتبة «ما فوق دستورية». وفي ما بدا محاولة لطمأنة المجتمع المدني ومنظّمات حقوق الإنسان، نصّ المرسوم الرئاسي الأخير على أن جميع النصوص التي ستصدر في الفترة المقبلة في إطار الصلاحيات الواسعة التي أسندها سعيد إلى نفسه، ستهدف حصراً إلى التأسيس «لنظام ديمقراطي حقيقي يكون فيه الشعب بالفعل صاحب السيادة ومصدر السلطات، ويمارسها بواسطة نواب منتخبين أو عبر الاستفتاء، ويقوم على أساس الفصل بين السلطات والتوازن الفعلي بينها، ويكرّس دولة القانون ويضمن الحريات العامة والفردية وتحقيق أهداف الثورة». هكذا، تنتقل البلاد، مجدّداً، إلى مرحلة التأسيس، فيما يتمّ تدريجياً محو ملامح كلّ المنظومة الدستورية والقانونية التي تسيّدت تونس عقداً من الزمن. على أن التأسيس، هذه المرّة، سيكون حكراً على الرئيس واللجنة التي سيعيّنها لصياغة الفصول الجديدة وعرضها على الاستفتاء، خلافاً لما شهدته سنوات المجلس الوطني التأسيسي، حيث تولّت صياغةَ الدستور أغلبيةٌ برلمانية حزبية (النهضة وحلفاؤها)، ولم تعمد إلى تعديله إلّا بعد تصاعد موجة الاغتيالات السياسية والتي دفعت إلى حوار وطني، أنتج تعديلات طالت المبادئ العامة والحقوق والحريات. وإذ يستعدّ سعيد لإجراء استفتاء على النظام السياسي الجديد والقانون الانتخابي، فالمنتظَر منه ليس انتخابات تشريعية، وإنّما اقتراع محلّي يفرز مجالس جهوية، ينبثق منها مجلس نيابي باختصاصات تشريعية ضيّقة وتقنية.

غرقت البلاد خلال اليومين الماضيين في سيل من التأويلات الدستورية للأوامر الرئاسية الأخيرة


وبينما غرقت البلاد، خلال اليومين الماضيين، في سيل من التأويلات الدستورية للأوامر الرئاسية الأخيرة، لم تأتِ بيانات الأحزاب بجديد، إذ صبّت جلّها في الرفض المطلق لقرارات سعيد، باعتبارها «انقلاباً سافراً على الشرعية والديمقراطية، يدفع بالبلاد إلى منطقة مخاطر عالية»، و«تأبيداً للوضع الاستثنائي يستدعي وقفة حازمة من الحساسيات الوطنية في إطار نضال سلمي»، وفق ما قرأت فيها «النهضة»، في بيان لمكتبها التنفيذي. ويَعتبر رئيس اللجنة السياسية المُكلَّفة من قِبَل الحركة بالحوار حول أزمة التدابير الاستثنائية، محمد القوماني، في حديث إلى «الأخبار» أنه «أمام المخاطر المتعاظمة التي دخلتها البلاد بعد الأمر الرئاسي الأخير، خاصة مع تعليق الدستور وفرض نظام مؤقّت لتنظيم السلطات ذي طابع رئاسوي، بدا لزاماً على الأطراف السياسية التشاور». ويرى أنه «بعد مضيّ الرئيس في ما يسمّيه الإصلاحات بصفة أحادية، و(تبنّيه) خطاب الكراهية والعنف، أضحى سعيد تهديداً جدّياً لمؤسسات الدولة، ومتحاملاً على جميع السلطات». ونتيجة لذلك، تطرح «النهضة»، وفق مُحدّث «الأخبار»، أن «تؤجّل القوى السياسية والمنظّمات خلافاتها وتقييماتها للعشرية الماضية، والتي سيحين في وقت لاحق تقديمها وتحميل المسؤولية للأطراف المتسبّبة في ما آل إليه الوضع في البلاد، وتصرف كلّ اهتمامها للتصدّي للإجراءات الرئاسية». ويلفت القوماني إلى أن «النهضة تجري مشاورات مع مختلف الأطراف لبحث الصيغ النضالية المناسبة للحوار»، مضيفاً أن حزبه «لم يَدعُ إلى تحرّكات في الشارع إلى غاية اللحظة، ولكنه يحتفظ بهذا الحق». وكانت «النهضة» صبّت جهودها، في المرحلة السابقة، على محاولة إيجاد تفاهمات وحلول مرنة تعيد الحوار والمؤسّسات إلى سالف عملها، ولكن سعيد أغلق هذا الباب بتعليقه الدستور مساء الأربعاء.
بالتوازي مع ذلك، بدأت ملامح الجبهات والتكتّلات السياسية المناهِضة لسعيد بالتشكّل، لتجمَع من افترقوا لسنين وبلغوا حدّ تخوين بعضهم البعض، ومن ذلك قيام «الجبهة الديموقراطية» على أنقاض الأحزاب المنشقّة عن «المؤتمر من أجل الجمهورية»، أحد أذرع «الترويكا» الحاكمة إثر انتخابات 2011، والذي كان نصيبه من الحكُم رئاسة الجمهورية، عبر ذهابها لصالح الحقوقي منصف المرزوقي آنذاك، قبل أن يفقد منذ 2014 مقاعده البرلمانية، ويخسر أيضاً الانتخابات الرئاسية في الموعدين اللاحقين. وأعلنت «الجبهة الديموقراطية» أن «هذا التجمّع يهدف للتصدّي لانقلاب سعيد»، داعية إلى «عزل الرئيس وتمرّد المؤسستين العسكرية والأمنية عليه ورفض أوامره»، مؤكدة تأييدها التظاهرات والتحركات الاحتجاجية ضدّه، وعزمها الدفع نحو «الإطاحة بقصر قرطاج ومحاكمة مهندسي الانقلاب ومقترفيه»، وفق ما ورد في بيان صادر عنها. أمّا أحزاب الوسط الاجتماعي، والتي دارت سابقاً في فلك الرئيس حليفةً تارة ومحافِظة على مسافة منه تارةً أخرى، فقد ذهبت بدورها إلى رفض الأمر الرئاسي الأخير، وتجريد سعيد من شرعيّته بخروجه عن الدستور. ووقّع كلّ من «التيار الديموقراطي» و«التكتل» و«آفاق» و«الجمهوري» على بيان مشترك، للمرّة الثانية منذ 25 تموز الماضي، يهدف إلى تشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدّى للانقلاب على الدستور. وتقف «حركة الشعب» كحزب وحيد يدافع عن الرئيس وخياراته، معتبراً الأمر الرئاسي متماهياً مع متطلّبات المرحلة التي اقتضى استشراء الفساد السياسي فيها في جميع مفاصل الدولة، قطْعاً مع منظومة العشرية الماضية وإنهاءً لحالة العبث السياسي. وما بين الفريقَين، وقف «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي أخذ على الأوامر الرئاسية الجديدة «خلوّها من أيّ إجراءات للتنفيذ أو تسقيف زمني للحالة الاستثنائية»، معلِناً رفضه احتكار رئيس الجمهورية تعديل الدستور، والذي يجب أن يكون «نتاج حوار واسع»، مشدداً على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة بصلاحيات كاملة «قادرة على مجابهة التعقيدات الحالية».
وفيما من المرتقب أن يعلن سعيد خلال الأيام المقبلة الحكومة الجديدة ورئيسها، لتنطلق الأخيرة في عملها حال أداء أعضائها اليمين الدستورية، يبدو أنها ستخطو فوق أرض شائكة من الصراعات المحلية، في انتظار التحاق الفاعلين الدوليين بدائرة ردّ الفعل على إجراءات سعيد الأخيرة، وما سيكون لذلك من انعكاسات على مشروع إقراض تونس، لناحية إمكانية استخدام الدعم كوسيلة ضغط على بلد يعيش أزمة اقتصادية مستفحلة.

(سيرياهوم نيوز-الاخبار)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فجأة وفي ذروة الأحداث الجسام.. شراكة استراتيجية مصرية كاملة مع الاتحاد الأوروبي.. لماذا الآن؟ وماذا وراءها؟ كلام “ساكت” عن “غزة” فهل من علاقة بمخطط الإبادة والتهجير؟

بين عشية وضحاها تم الإعلان عن شراكة استراتيجية مصرية كاملة مع الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي تقبله البعض بقبول حسن، واستغربه وأوجس منه خيفة قوم ...