سهيلة إسماعيل:
يُحسب لمدينة حمص خلوها من المتسولين قبل الحرب الشرسة على سورية، فلم نكن نرى متسولاً في شوارعها. لكنَّ اللافت في هذه الأيام انتشار المتسولين من الرجال والنساء والأطفال. مع الأخذ بعين الاعتبار أن المحتاج الحقيقي لتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة في الظروف المعيشية الصعبة الحالية لا يتسول ولا يطلب صدقة أو أي شيء آخر من أحد، ولا يمكن أن يكون جميع المتسولين محتاجين لأن أغلب الفقراء “إن لم يكن جميعهم” يتمتعون بعزة نفس لا نجدها عند سواهم، ولا ننسى دور المجتمع المحلي والجمعيات الخيرية وعلى رأسها جمعية البر والخدمات الاجتماعية بالإضافة إلى دور الجهات الرسمية في الحدّ أو قمع ظاهرة التسول.
واليوم ومع عودة ظاهرة التسول يحقُّ لنا أن نتساءل عن دور تلك الجهات وأسباب العودة اللافتة للظاهرة؟
*أساليب متعددة..
“رهام” طالبة في جامعة البعث وتقطن في ريف حمص الغربي قالت: إنها كثيراً ما تصادف امرأة أو رجلاً يطلبان منها مبلغاً مالياً بذريعة انقطاعهما في المدينة ويريدان العودة إلى مناطقهما ولا يملكان المال، أي يطلبان أجرة السيارة وهما غير صادقيْن بدليل تواجدهما في الأماكن ذاتها ولأكثر من مرة.
بينما قالت “هدى” وهي موظفة في إحدى دوائر الدولة: إنها تلتقي بأشخاص يحملون طفلاً أو يجرون عربة وفيها طفل أو شخص مريض ويريدون جمع مبلغ مالي كثمن دواء له.
وعبر “محمد .أ” عن استيائه لأنه يصادف عند ذهابه إلى دوامه أشخاصاً يطلبون مبالغ مالية وبطريقة لا تخلو من التملق والإلحاح، وتساءل عن سر انتشار الظاهرة الكبير في مدينة حمص وفي أماكن محددة .
وفي نفق جامعة البعث المقابل للباب الرئيسي للجامعة قال عدد من الطلاب: إنهم يتضايقون من الأطفال الذين يعترضون طريقهم للحصول على مبالغ مالية ومظهرهم يوحي بأنهم يعيشون في بيئة غير طبيعية وتساءل الطلاب الذين التقيناهم عن دور الجهات المعنية في إيجاد حل للظاهرة؟ .
*أماكن محددة..
كما أسلفنا في المقدمة، يختار المتسولون أماكن فيها حركة كثيفة كمحطتي الانطلاق الشمالية والجنوبية أو قرب الجامعة وعند مراكز الحوالات المالية أو في الحدائق العامة وقرب محال بيع الخضار ضمن الأحياء الشعبية. فقد أفاد “ملهم” وهو يأتي كل فترة إلى شركة صرافة لاستلام حوالة مالية من قريب له خارج البلد أنه يلتقي بالأشخاص ذاتهم كل مرّة، وأعدادهم ليست قليلة وهم يسيؤون للمدينة. مضيفاً أن أغلبهم قادرون على ممارسة أي عمل لتأمين حاجاتهم، لكن يبدو أنهم وجدوا في التسول عملاً مريحاً ومربحاً في الوقت ذاته.
*وباء يصيب المجتمع..
اعتبرت المستشارة القضائية “غادة اليوسف” أن ظاهرة التسول وباء يصيب المجتمع وأعادت سببها إلى نتيجة طبيعية للحرب وقلة الموارد وسبل العيش وقد اتخذ عدة مظاهر في الوقت الحاضر، معتبرة أنها تدل على وجود خلل في النظم الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع والقضاء يعتبرها جنحة. مضيفة أنها خلال مدة عملها في محكمة الأحداث كانت الجهات المعنية في حمص تلاحقهم ويصلون إلى المحكمة وأغلبهم أحداث ثم يتم إخلاء سبيلهم وتسليمهم لأهلهم وأولياء أمورهم ليكتبوا تعهداً لعدم العودة إلى التسول مرة أخرى لأن التسول يفتح الباب لآفات أخرى وأفعال مخلة بالآداب والأخلاق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الظاهرة عالمية فهناك مدن كبرى لا تخلو من المتسولين لكنها في مجتمعنا ازدادت كثيراً وأصبحت لافتة للنظر.
*لسنا وحدنا المسؤولين..
وفي اتصال هاتفي مع مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل في حمص “سمر المصطفى” وعند سؤالها عن الإجراءات المتخذة من قبل المديرية لقمع ظاهرة التسول قالت: إن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليست وحدها المسؤولة عن قمع ظاهرة التسول ومكافحتها وإنما هناك وزارات أخرى معنية بالموضوع كوزارة الداخلية ووزارة الإدارة المحلية والبيئة، وهناك تعميم بهذا الخصوص ونحن في المديرية نفوم بجولتين في فترة الصباح وجولة مسائية مع وجود ممثل عن الجهات التابعة للوزارات المعنية، بالإضافة إلى مسؤولية المجتمع المحلي سواء كان مختار الحي أو لجان أحياء
والجمعيات الخيرية وغيرها. وعندما يتم القبض على متسولين نعرضهم على القضاء المختص لينظر في أمرهم، وفي أغلب الأحيان يتم إخلاء سبيلهم وتسليمهم لأهاليهم . وأضافت المصطفى أن الإجراءات القانونية غير رادعة للمتسولين لأنهم اتخذوا التسول عادة ولدينا أمثلة كثيرة. فمنذ فترة حاولنا معالجة حالة لرجل يتسول هو وأولاده فقمنا بوضعهم في أحد مراكز الإيواء لكنهم خرجوا بعد عشرة أيام، وبعد ذلك أمّنا لهم منزلاً في حي باباعمر وقدمنا لهم ما يلزم من أثاث ومتطلبات يومية بالتعاون مع فرع منظمة الهلال الأحمر لكنهم تركوا المنزل وعادوا لممارسة التسول.
سيرياهوم نيوز 6 الثورة