- ليا القزي
- الجمعة 19 شباط 2021
في أقل من 24 ساعة، ارتفع سعر صرف الدولار بنحو 600 ليرة ليتراوح أمس بين 9200 و9500 ليرة للدولار. السبب الرئيسي هو عدم تلبية الصرّافين الطلب الكبير الناتج عن حاجات الاستهلاك ولا سيّما المحروقات، بالإضافة إلى «هجمة» المصارف على تجميع الدولار. النتيجة تبقى واحدة: كلّ ارتفاع في سعر الصرف، هو «مُصيبة» تحلّ على الناس «العاديين»، لأنّ انهيار الليرة يليه ارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية، تمتنع أو لا تفلح الرقابة الرسمية في لجمها، ما يؤدي إلى تقلّص قدرة الناس على تأمين احتياجاتهم الرئيسية
خطوة الصرّافين هي التي فجّرت فتيل أمس، من دون أن تأتي من خارج السياق، فالأسباب الموضوعية جاهزة. خطاب رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري في 14 شباط، وحفلة الردود بينه وبين فريق رئاسة الجمهورية، أعطت مؤشّراً سلبياً لـ«السوق» بأنّ الحكومة لن تتشكّل في المدى القريب، ما يعني عدم إيجاد حلول لكلّ المشكلات المطروحة على الطاولة، وأهمّها دعم استيراد المواد الأساسية وإعادة ضخّ العملة الصعبة في البلد. هذا في السبب السياسي المُباشر الذي لا يُمكن القفز فوقه. أما على صعيد آخر، فالارتفاع في أسعار النفط عالمياً، تُرجم في الغلاء الأسبوعي لأسعار البنزين والمازوت. وبحسب الاتفاق مع مصرف لبنان، يجب على المستوردين تأمين 15% من قيمة المحروقات بالدولار على أن يُغطّي «المركزي» المبلغ الباقي. مثلاً، إذا كان مستورد محروقات يشتري من الصرّافين 100 ألف دولار لتأمين الـ15%، فرض عليه غلاء أسعار المحروقات عالمياً، زيادة كمية الدولارات التي يشتريها من السوق، ما «يعني زيادة السعر ربطاً بزيادة الطلب».
مصارف تقوم بعمليات مُضاربة في «السوق السوداء» لتكوين حسابات بالدولار
إلى هذين السببين، يُضاف سبب أساسي يتعلّق بعمليات المُضاربة التي تقوم بها المصارف التجارية في «السوق السوداء». أصحاب المصارف وكبار المُساهمين بها اختاروا حماية أرباحهم الخاصة – التي جنوها من عمل المصارف في الاقتصاد المحلّي واستفادتها من المال العام كما المال الخاص – وعوض استخدامها لـ«إنقاذ» مصارفهم، قرّروا شراء الدولارات من الصرّافين، غير آبهين بأنّ ذلك سيؤدّي إلى المزيد من الانهيار في سعر صرف الليرة. راهنت المصارف خلال الأسابيع الماضية على أن الحاكم رياض سلامة سيّمدّد مُهلة إعادة تكوين حساباتها لدى مصارف المراسلة في الخارج، وضخّ الدولارات فيها بما لا يقلّ عن 3% من مجموع العملات الأجنبية المودعة في المصارف اللبنانية. المُهلة تنتهي بعد تسعة أيام (في 28 شباط)، و«المركزي» لم يُصدر بعد أي إشارة، أكانت سلبية أم إيجابية، بشأن القرار الذي سيتخذه، رغم الضغوط التي تمارسها البنوك لأجل تمديد المهلة. أمام حالة «عدم اليقين»، لجأت مصارف إلى «شفط الدولارات من السوق وحجز شراء مئات آلاف الدولارات، هذا فضلاً عن قبولها بيع شيكات بأقل من 30% من قيمتها»، يقول صرّافون. ولن تتوقّف المصارف عن الاستحواذ على كميات كبيرة من الدولارات قبل تأمين الـ3% المطلوبة، إلا إذا نجحت ضغوطها على مصرف لبنان، الذي يُفترض أن يحسم الجدل في اجتماع المجلس المركزي الأسبوع المقبل.
حتى ذلك الحين، وإلى أن تكون شركات الصيرفة قد فتحت أبوابها، لا تُظهر السلطة النقدية (مصرف لبنان)، أي نية للقيام بأي خطوة من شأنها خفض وتيرة انهيار سعر الصرف. انهيار بدأ في صيف 2019، وسيزداد حدّة كلما تفاقمت الأزمة التي يمكن أن ينقلها إلى مستويات عالية قرار بإلغاء دعم استيراد السلع الأساسية.