آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » نحو بناء شخصية وطنية سورية!

نحو بناء شخصية وطنية سورية!

د. بسام أبو عبد الله

 

عندما سألت الرئيس بشار الأسد في اللقاء معه يوم 22 شباط الماضي حول موضوع الكم والكيف داخل حزب البعث- أجاب بصراحته المعتادة: أنا مع الكيف، شرط وضع معايير لهذا الكيف! وتابع حديثه المهم بالقول: نريد من برامج الإعداد الحزبي داخل حزب البعث أن تهيئ شخصية وطنية سورية، ولم يقل شخصية بعثية سورية، وقد يسأل البعض ما الفرق بين المصطلحين؟ أوليست الشخصية البعثية السورية هي شخصية وطنية بطبيعة الحال، والجواب: يفترض ذلك! لكن انغماس البعض بالسلطة ومكاسبها، وتكاثر الانتهازيين والوصوليين جعل كثيرين يصفون البعثي بأنه محب للسلطة، ويريد من خلالها تحقيق مكاسب شخصية مع العلم بأن هذا التوصيف ظالم لكثير من كوادر البعث المضحية، ومع ذلك فإن الصفة العامة لدى الناس هي هذه، وتفكيك الذرة أسهل من تفكيك الأحكام المسبقة، كما ينسب هذا القول لأينشتاين!

 

ما أراد الرئيس الأسد إيصاله هو أن برامج الإعداد الحزبي حالياً، ومستقبلاً يجب أن تركز على ما يلي:

 

1- بناء شخصية وطنية سورية، ترى الحقيقة، وتقدم الحلول، والمقترحات لأي مشكلة، وتعترف بها، وتتعاطى بإيجابية معها.

 

2- شخصية فاعلة، وليست منفعلة، تقرأ الواقع بعلمية وموضوعية، ولا تنجر كغيرها وراء الإشاعات والحرب النفسية.

 

3- أن تقبل المشاركة من غير الحزبيين، وتنفتح على كل القوى الوطنية والمجتمعية.

 

4- أن تقرأ تاريخ بلادها المعاصر دون أدلجته، بإيجابياته وسلبياته، لتفهم حاضرها أكثر، وتبني مستقبلها القائم على روحية هذا المشرق المستندة على ثراء العقائد، وغنى الأفكار، والتنوع الاثني، والديني، والمذهبي، والإيمان بأن الأحادية قاتلة، وانتحارية، وعدمية في الوطن الواحد، وفي السياسة، وقيادة المجتمعات والدول.

 

5- أن تقرأ تاريخ حزب البعث كجزء من التاريخ الوطني السوري بسلبياته وإيجابياته، بصراعاته، وخلافاته، بيمينه ويساره، لكن دون العبث في التاريخ، إضافة أو شطباً، أو اختلاقاً، لأن غواية تلك اللعبة ستظهر ضعف الثقة في قدرة الشباب على النظرة الواقعية للتاريخ، فقراءة التاريخ بشكل أيديولوجي تؤدي لخراب النفوس، وخلق أجيال مشوهة، وإبعاد صوت العقل، والبحث العلمي بعيداً جداً.

 

6- أن نُخلص الجيل الشاب من الأحقاد، والتطلع للمستقبل بإيجابية، والقول لهم، وتعليمهم أن الاختلاف بالعقائد والأفكار إغناء وثراء للمجتمع، وأن الحوار لإنضاج الأفكار، والحلول هو الطريق الأسلم والأصلح كما يؤكد الرئيس الأسد بكل لقاءاته مع الفعاليات الاجتماعية والحزبية والسياسية.

 

تلك بعض المعالم الرئيسة التي استخلصتها من كلام الرئيس الأسد، ولكن ما لفت نظري أيضاً أنه خلال اللقاء مع مجموعة من الفنانين السوريين، وصنّاع الدراما أدخلهم الرئيس الأسد إلى مكتب الرئيس السوري الأسبق هاشم الأتاسي، ومكتب الرئيس الراحل حافظ الأسد، وكانت تلك لفتة ليست عفوية، بل هدفها الربط بين الماضي والحاضر، والتعبير عن الاستمرارية بينهما، وقد قال لي الفنان عباس النوري وهو أحد المشاركين في هذا اللقاء: إن هذه الزيارة تركت لديه إعجاباً كبيراً بها، وإن الرئيس الأسد كان فخوراً بالحفاظ على مكتب الرئيس الأتاسي، كما مكتب الرئيس حافظ الأسد، وفي هذه اللفتة رسالة للفنانين، وصنّاع الدراما باعتبارهم من صنّاع الرأي العام بأن تاريخ سورية الوطني هو استمرارية من جيل إلى آخر، وهذه الاستمرارية تعني التمسك بالثوابت الوطنية، والاستقلال، ورفض الهيمنة التي قاتلت أجيال من السوريين من أجلها، وفيها أيضاً قصة العروبة الحضارية، والانتماء والعمق التاريخيين، والتي لا ترى تناقضاً أبداً بين الاعتزاز بالوطنية، وبين الانتماء للعروبة التي هي هوية ثقافية- حضارية ساهم بها مئات الشخصيات السياسية، والثقافية، والدينية، والفنية، ذلك أن تاريخ هذه البلاد فيه من التنوع، والتلاقح ما يعطي دروساً للغرب بأكمله في معنى الديمقراطية، والعيش المشترك، وحقوق الإنسان، والحريات، والتي يريد الغرب أن يعلمنا إياها من خلال اختراع كيان فاشي- نازي، طارئ يشبه فرانكشتاين الذي سيأكل مخترعيه ويدمرهم بسبب وحشيته، ونازيته.

 

الاعتداد بالنفس، وبتاريخ الأجداد، هو جزء مهم من بناء الشخصية الوطنية السورية، إذ إن كثيراً من أبناء جيلنا الشاب من البعثيين وغيرهم من القوى الوطنية الأخرى لا تعرف عن تاريخ بلادها شيئاً، وهو أمر يحتاج إلى لجان علمية متخصصة، تعمل على كتابة تاريخ سورية المعاصر، والشخصيات المؤثرة فيه سلباً أو إيجاباً، والحقيقة أن هناك محاولة مهمة جرت عام 2006 في كتاب «رواية اسمها سورية»، والذي تناول مئة شخصية أسهمت في تشكيل وعي السوريين في القرن العشرين، حرره وأشرف عليه الصديق الأديب نبيل صالح، مع مجموعة من الباحثين السوريين، الذين شاركوا في إعداد هذا الكتاب، وللأسف فإن بعضاً من هؤلاء خرج من هذا التوصيف للشخصية الوطنية السورية ليصبح شخصية تعمل لأجندات أخرى، ومع ذلك فإن هذه التجربة تستحق أن نعيدها، ونكمل هذا العمل الوطني المهم، من أجل أن تقرأ أجيال الشباب تاريخ بلادها بسلبياته وإيجابياته، لأن الماضي لا يفيدنا إلا في هذا الجانب من أجل النهوض والارتقاء نحو المستقبل، وليس العودة للوراء، وجعل أحداث الماضي تقودنا للخراب، والتفرقة، والكراهية.

 

الشخصية الوطنية السورية التي يريد الرئيس الأسد من البعثيين وغيرهم العمل عليها هي تلك الشخصية المنفتحة، البعيدة عن الغلو والتطرف، القادرة على الحوار وخدمة أبناء شعبها، والمدركة لحجم التحديات الفكرية والسياسية، والمؤمنة بقضاياها الوطنية والقومية، شخصية مقاومة لا تبني مستقبلها على الأحقاد، وإنما على التقدم نحو الأمام مرتكزة على إرثها الحضاري العريق، وهنا قد تكون أبيات الشعر التي قالها الشاعر العربي بشار بن برد معبرة أكثر:

 

إذا كنت في كل الأمور مُعاتباً

 

صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه!

 

فعِش واحداً أو صِلْ أخاك فإنه

 

مقارفُ ذنب مرة ومجانبه

 

إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى

 

ظمئت، وأي الناس تصفو مشاربه!

 

قد يبدو لي هذا الكلام مهماً الآن بعد 14 عاماً من العدوان على بلدنا، وبعد أن حسمت الكتلة الوازنة من الوطنيين السوريين وجيشها البطل المعركة مع أتباع التفرقة والتعصب والتطرف والعمالة.

 

كاتب سوري

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الإنتهاء من جميع أعمال إعاده تأهيل المرجل الرابع في شركة مصفاة بانياس 

بإشراف ومتابعه من قبل السيد وزير النفط ومدير عام شركة مصفاه بانياس ام الإنتهاء اليوم من جميع أعمال إعاده تأهيل المرجل الرابع في الشركه والبدء ...