الرئيسية » كتاب وآراء » هذا «الحجيج» الغربي إلى إسرائيل.. إِلامَ يشير؟

هذا «الحجيج» الغربي إلى إسرائيل.. إِلامَ يشير؟

 

| عبد المنعم علي عيسى

 

من نافل القول إن «القطب الغربي» الذي قرر شهر أيار 1948 فرض «عصا غليظة» مقيمة بين ظهراني المنطقة، كان يرى في هذه الأخيرة السبيل الأقل تكلفة من بقاء جيوشه التي أقامت فيها لفترات تتراوح ما بين 130 سنة في الجزائر و25 سنة في سورية، ويدرك في الآن ذاته أيضاً، بل ويتحسب، أن فرض تلك «العصا» سوف يكون ذي تكاليف يتوقف حجمها على نجاح، أو فشل، المحاولات الرامية إلى انخراط هذه الأخيرة في النسيجين المجتمعي والاقتصادي للمنطقة بعيداً عن نسيجها السياسي الذي غالباً ما كان متناقضاً مع الأولين مما تظهره حال التطبيع الحاصلة ما بين العديد من الأنظمة العربية مع كيان الاحتلال من دون أن يشكل ذلك حالاً من «السلام» مع شعوبها التي بدت رافضة لتلك الحال، الأمر الذي كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مدركة جيداً له، ومدركة أيضاً لحقيقة أن البقاء يرتبط إلى حد بعيد بالمظلة الغربية المباشرة اللازمة لحمايتها عندما يخرج «الرافضون» عن القوالب التي وضعتهم أنظمتهم فيها.

 

في غضون الأسبوع الثاني من عملية «طوفان الأقصى» أضحت الأراضي الفلسطينية المحتلة «محجة» للغرب الذي ما انفكت زيارات أقطابه لها ترسل مؤشرات عديدة في اتجاهات شتى بعد أن افتتح الرئيس الأميركي جو بايدن «موسم الحج» يوم الأربعاء الماضي في زيارة كانت تهدف للقول إن المعركة باتت الآن بقيادة أميركية، ليلحق الباقون بالأخير بدءاً برئيس الوزراء البريطاني ثم مروراَ بالمستشار الألماني ووصولاً إلى الرئيس الفرنسي الذي تشكل زيارته نسفاً لمواقف أسلافه التي لطالما عبّروا من خلالها عن مواقف مؤيدة، بشكل ما، لحقوق الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من أن هؤلاء كانوا على امتداد الصراع العربي- الإسرائيلي في خندق الدعم والإسناد لتل أبيب في كل الجولات التي شهدها هذا الأخير، إلا أن الجديد في الأمر هو أن الولايات المتحدة تبدي للمرة الأولى استعداداً للمشاركة المباشرة في الحرب، والمؤكد هو أن الغرب كله سوف يلحق بذلك الموقف الأميركي، والسؤال الأبرز هنا هو: لماذا أظهر الغرب بقضه وقضيضه كل هذا الاستعداد آنف الذكر؟

 

من المؤكد هو أن عملية «طوفان الأقصى» التي بدأت في الـ 7 من تشرين أول الجاري، كانت قد أحدثت زلزالاً داخل كيان الاحتلال ومن الصعب الآن معرفة إلى متى سوف تستمر هزاته الارتدادية، وأخطر ما فيها أنها كشفت عن خلل بنيوي ذي أبعاد عميقة لكن من الصعب أيضاً تحديد «القيعان» التي وصل إليها، ولربما ستكشف الأحداث مع انطلاق العملية البرية بعضاً منها أو هي تعطي صورة كاشفة عن أعماقها، لكن ذلك كله وإن كان مبرراً لانغماس الغرب برمته، ومن رأسه إلى أخمص قدميه، في الدفاع عن «مخفره» الذي أبدى حالاً من الترنح، لكنه في الآن ذاته يشير إلى مدلولات أخرى لا تقل أهمية عن هذا الفعل الأخير.

 

باتت الولايات المتحدة القطب الغربي تشعر بانحسار النفوذ الغربي في العالم والمنطقة، والمؤكد هو أن ذلك الشعور كان قد تولد صيف العام 2006 عندما أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية في حينها، كوندليزا رايس، عن بدء المخاض الذي يجب أن يفضي إلى «شرق أوسط جديد»، لكن ذلك الشرق لم يولد، وما جرى هو أن العالم كان قد شهد تحولات كانت في مجملها تشير إلى أن الولايات المتحدة لم تعد في وضع يسمح لها بإصدار «شهادات الميلاد»، التي تحدد المواصفات لهذه المنطقة أو ذلك الإقليم، ومن تلك التحولات تنامي الدورين الصيني والروسي كمنافسين استراتيجيين للدور الأميركي، الأمر الذي يفسر تركيز هذا الأخير على أوروبا الشرقية وشرق آسيا بوصفهما ساحتين حاكمتين للصراع مع المنافسين الصيني والروسي، وهذا قابله خفوت للتركيز على الشرق الأوسط بعدما اطمأنت واشنطن، أو هكذا توهمت، إلى أن الأخير واقع تماماً تحت الهيمنة الإسرائيلية خصوصاً بعد «الموجة الثالثة» من موجات التطبيع العربي التي كانت ذات تأثيرات أكبر من سابقتيها، وبما لا يقاس، على الرغم من أن الأوليتين كانتا قد طالتا بالدرجة الأولى دول الطوق ناهيك عن أن واحدة منها كانت مع جزء من الشعب الفلسطيني وليس كله كما تكشف، وخصوصاً أيضاً بعدما كان الظن أن إثارة الفوضى في سورية ولبنان وتجويع شعبيهما إضافة إلى حصار إيران من شأنها أن تسدل الستار تماماً على من تبقى خارج مظلة الهيمنة الإسرائيلية على امتداد المنطقة.

 

من المؤكد الآن أن هذا الدعم غير المسبوق، الذي قدمه الغرب لإسرائيل في غضون الأسبوعين الماضيين يصب في إطار المحاولة لمنع انحسار النفوذ الغربي في المنطقة والعالم، حيث الساحات في مثل صراعات كهذه تصبح شديدة الترابط، وانفراط واحدة منها فعل كفيل بتضعضع واحدة أخرى أو أكثر، ولربما استشرف الغرب مخططاً بعيد المدى لاستئصال شأفته من المنطقة في ظل انخراطه في صراعين كبيرين أولاهما على الجبهة الأوكرانية مع روسيا وثانيهما في المحيط الهادي وشرق آسيا مع الصين، وما يرجح هذا التقدير الأخير هو تقدم الغرب، من أقصاه إلى أقصاه، لحمل الراية في صراع ضد حركة قوامها لا يتعدى العشرة آلاف مقاتل، صحيح أن الأخيرة تمتلك عمقاً استراتيجياً كبيراً تمثله أمة بحالها، لكن الصحيح أيضاً هو أن مقدرات تلك الأمة مقيدة بسلاسل تبدأ ولا تنتهي.

 

سيرياهوم نيوز1-الوطن

x

‎قد يُعجبك أيضاً

اميركا تملأ الفراغ بـ… الفراغ

  نبيه البرجي   الى أي مدى يمكن الأخذ بالقول الروسي “ما حدث بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، دليل على أن أميركا تُحتضر في الشرق ...