الرئيسية » ثقافة وفن » هل انتهى زمن الأدب الساخر؟

هل انتهى زمن الأدب الساخر؟

 سهير زغبور:

كما أن فن الكوميديا يعد من أصعب الفنون.. لأنه يتطلب جهداً مضاعفاً وذكاء حاداً..
كذلك نقول عن الأدب الساخر.. لأنه من السهل أن نجعل الآخر يبكي.. لكن إضحاكه أمر صعب جداً..
مع الحذر من السقوط في هاوية الابتذال أو السخف أو الانحدار بالأدب عن هدفه القيمي.
والأدب الساخر كما يرى أرسطو ((يتلون ألواناً.. منه ما هو هزل.. ومنه ما هو تهكم
ومنه ما هو فكاهة.
مع الانتباه إلى أنه أدب قائم بحد ذاته..
له أهدافه السامية.. كالتخفيف من أعباء الحياة التي تنغص على الناس وقتهم…
لذا فإن هذا النوع من الأدب ولغته وصعوبته في إيجاد توازن بين الضحك وبين الهدف الأبعد..
هذا الأدب الذي لا يقتصر في جغرافيته على حدود معينة.. إنما يتجاوزها إلى العالمية التي واكبته منذ نشأته الأولى.. لتبرز معه أسماء وأعمال على درجة كبيرة من الأهمية.. ومنها (دون كيشوت) (لسرفاتنس)
ليستمر هذا الضخ في العصر الحديث
إبداعات لاحدود لها.. كأعمال المسرحي الإيرلندي(جورج برناردشو) الذي فاز بجائزة نوبل للآداب ١٩٢٥
والكاتب الفرنسي (موليير) صاحب مسرحية (البخيل)..
ومن طرائف برناردشو الذي كان قبيح الشكل جداً أنه نشأ بينه وبين راقصة رائعة الجمال.. علاقة وثيقة..
فقالت له يوماً: يعتبرك الناس يابرناردشو من أذكى البشر.. وأنا من أجمل النساء.. فلو تزوجنا لجاء أولادنا أجمل الأولاد وأذكاهم..
ابتسم برناردشو وقال: لكنني أخشى أن يأتي أولادنا على شاكلة أبيهم وعلى ذكاء أمهم…)
أما أدبنا العربي فكان له الباع الطويل في هذا النوع من الآدب..
ومن القديم جداً.. ولعل أشهر من كتب الأدب الساخر هو (الجاحظ) خاصة في كتابه (البخلاء) الذي يعد موسوعة أدبية بحق..
تطرق فيه إلى مسائل متنوعة تركت إرثاً حقيقياً في هذا المجال.
ومن طرائفه في البخلاء (أن أحدهم نزل ضيفاً عند صديق له من البخلاء.. وما إن وصل الضيف حتى نادى البخيل ابنه وقال له: ياولد عندنا ضيف عزيز فاذهب واشترِ لنا نصف كيلو غرام من أحسن اللحم..
ذهب الولد وبعد مدة عاد ولم يشترِ شيئاً..
فساله أبوه: أين اللحم؟ فقال الولد:
ذهبت إلى الجزار .. فقال: سأعطيك لحماً كأنه الزبد..
فقلت لنفسي: إن كان كذلك فلم لا أشتري الزبد بدلاً من اللحم؟!
فذهبت إلى بائع الزبد…
فقال سأعطيك زبداً كأنه الدبس
فذهبت إلى بائع الدبس.. وقلت له أعطني أحسن ما عندك من الدبس
فقال لي سأعطيك دبساً كأنه الماء الصافي..
فقلت لنفسي: الماء الصافي عندنا في البيت.. فعدت دون أن أشتري شيئاً..
قال الأب يا لك من صبي ذكي جداً.. ولكن فاتك شيء.. لقد استهلكت حذاءك في الجري من دكان إلى آخر..
فقال الابن: لا يا أبي .. لقد لبست حذاء الضيف).

وبكل تاكيد لم ينحصر الأدب الساخر على الجاحظ فقط بل كان لأسماء كثيرة حضور مهم في هذا المجال…
ولو تقدمنا بالزمن حتى العصر الحديث لوجدناه حاضراً بقوة على يد أصحاب أقلام هامة كإبراهيم عبد القادر المازني .. وعبد السلام العجيلي .. وخطيب بدلة.. وغيرهم من الأدباء الأفذاذ.
إذن وبعد هذه اللمحة السريعة عن الأدب الساخر يمكننا أن نختصر القول بأنه أدب قائم بحد ذاته.. وإن قام على الإضحاك .. فإن أهدافه أبعد من مجرد الضحك.. فما وراء الابتسامة بعد إنساني روحي مجتمعي …
يقول الدكتور (عادل فريجات)
في كتابه (بحوث ورؤى في النقد والأدب)
وهكذا يبدو أن أدب السخرية أدب عالمي لا يختص به شعب دون آخر ..
يكرس التفكير السليم والسلوك القويم.. كما يمتاز بوظيفة نفسية أخرى تتمثل بكسر حد الجدية المفرطة والتجهم الكريه.. فالحياة بلا نكتة يصعب أن تعاش.

سيرياهوم نيوز 6 -الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

المبدع الحقيقي..شاهد وناقد ومؤرخ وليس بوقاً لأحد..!

    سمير حماد   عندما يتخلى المبدع عن دوره كشاهد وناقد لما يجري على الساحة الاجتماعية والسياسية والثقافية , يتحوّل الى نمر من ورق ...