آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء »  هل سيتم تشكيل نظام دولي؟

 هل سيتم تشكيل نظام دولي؟

د. عماد فوزي شعيبي 


يبدو ان الأزمة الاوكرانية قد استُبقت في 4 شباط (فبراير) ، بإعلان روسيا والصين  عن مواجهة مشتركة للقطب الغربي الذي يتوهم أنه يستطيع أن يتفرّد وحده، حيث قالا إنهما قطبان شريكان و سيواجهان القطب الأمريكي. و تحرك روسيا في أوكرانيا دليل على ذلك. وتلويح الصين بتايوان رسالة أخرى. ‏لا يمكن أن نفهم بأن بيان الدولتان ‏الا باعتباره رسالة واضحة لجهة ‏القول بأن الوقت قد نفذ والصبر كذلك على حالة عدم التعيين في النظام الدولي و لجهة تحديد نوع النظام العالمي حيث قالا:”يمر العالم اليوم بتغيرات هائلة ، وتدخل البشرية حقبة جديدة من التطور السريع والتحول العميق. وهما (اي الصين وروسيا) يريان ما يحدث من  تطور عمليات وظواهر مثل تعددية الأقطاب، والعولمة الاقتصادية، وظهور مجتمع المعلومات، والتنوع الثقافي، وتحول بنية الحوكمة العالمية والنظام العالمي ؛ وتزايد الترابط والاعتماد المتبادل بين الدول ؛ وظهر اتجاه نحو إعادة توزيع السلطة في العالم ؛ ويظهر المجتمع الدولي طلبًا متزايدًا على القيادة الهادفة إلى التنمية السلمية والتدريجية. في الوقت نفسه ، ومع استمرار الجائحة ، يزداد الوضع الأمني الدولي والإقليمي تعقيدًا ويتزايد عدد التحديات والتهديدات العالمية يومًا بعد يوم. فيما يواصل بعض الفاعلين الذين يمثلون الأقلية على الصعيد الدولي الدعوة إلى اتباع نهج أحادي الجانب لمعالجة القضايا الدولية واللجوء إلى القوة ؛ ويتدخلون في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويتعدون على حقوقهم ومصالحهم المشروعة، ويثيرون التناقضات والخلافات والمواجهة ، ويعيقون بذلك تطور البشرية وتقدمها ، ضد معارضة المجتمع الدولي.لهذا يدعو الجانبان جميع الدول إلى السعي لتحقيق الرفاهية للجميع ، وتحقيقا لهذه الغايات ، وبناء الحوار والثقة المتبادلة ، وتعزيز التفاهم المتبادل، وتأييد القيم الإنسانية العالمية مثل السلام والتنمية والمساواة والعدالة والديمقراطية والحرية، واحترام حقوق الشعوب في تحديد مسارات التنمية لبلدانها بشكل مستقل وسيادة الدول وأمنها ومصالحها الإنمائية ، وحماية الهيكل الدولي الذي تقوده الأمم المتحدة والنظام العالمي القائم على القانون الدولي ، والسعي إلى تعددية قطبية حقيقية مع الأمم المتحدة  على أن يلعب مجلس الأمن دورًا مركزيًا وتنسيقيًا، ويعزز المزيد من العلاقات الدولية الديمقراطية ، ويضمن السلام والاستقرار والتنمية المستدامة في جميع أنحاء العالم”. ‏بهذا البيان يعلن الطرفان الروسي والصيني عن ضرورة قيام عالم متعدد القطبية. ‏

ويبدو أن إرهاصات ‏قيامه قد بدأت مع أوكرانيا وربما تنتهي مع  تايوان!  ‏ولكن هل فعلا سينتهي الموقف إلى تشكيل نظام متعدد الأقطاب أم أنه سيبقى وفقا التصور الأمريكي نظامًا يجمع أقطابًا ذات سيادة ما وفوضى، ‏ويبقى بحالة عدم تعيين! ‏تبقى مشكلة هوية  العالم الديمقراطية على المستوى السياسي موضع خلاف كما كانت بعد الحرب العالمية الثانيةفينهي  الطرفان حواراً ‏عالميا نشأ مع  الحرب الباردة ‏حول هويات الدول وخاصة موضوع الديمقراطية ليعتبر أن “الديمقراطية هي قيمة إنسانية عالمية ولكنهما يلاحظان الاختلافات الضرورية في تنفيذها: إذ لا يوجد نموذج واحد يناسب الجميع لتوجيه البلدان في إرساء الديمقراطية. حيث يمكن للأمة أن تختار مثل هذه الأشكال والأساليب لتطبيق الديمقراطية التي تناسب دولتها الخاصة ، على أساس نظامها الاجتماعي والسياسي وخلفيتها التاريخية وتقاليدها وخصائصها الثقافية الفريدة. والأمر متروك فقط لشعب البلد ليقرر ما إذا كانت دولته ديمقراطية”.‏ويرفض الطرفان في نفس البيان محاولات للولايات المتحدة ودول معينة لفرض “معاييرها الديمقراطية” الخاصة بها على بلدان أخرى ، من أجل احتكار الحق في تقييم مستوى الامتثال للمعايير الديمقراطية ، ورسم خطوط فاصلة على أساس الأيديولوجية ، بما في ذلك عن طريق إنشاء كتل حصرية وتحالفات مصالح، تثبت أنها ليست سوى انتهاك للديمقراطية وتتعارض مع روح الديمقراطية وقيمها الحقيقية. ويتابع: إن محاولات الهيمنة هذه تشكل تهديدات خطيرة للسلام والاستقرار العالميين والإقليميين وتقوض استقرار النظام العالمي”. ‏يبقى في هذه الحالة الخلاف ذا طابع أيديولوجي ‏على ما يتم ترويجه للديمقراطية التي تداعب الافئدة، ‏فيما تنتهك الدول الديمقراطية نفسها القواعد التي تتحدث بها عندما يحين موعد المصالح! ‏حتى ليبدو ‏ ‏أن هذا الشعار ‏يرفع للاستخدام الإعلامي ولد الجمهور من البسطاء لتبقى السياسة سياسة مصالح. ‏وتبقى يحكمها مبدأ البراغماتية السياسية!‏ويبدو أن الطرفين الروسي والصيني يريدان من حيث المبدأ!! العودة إلى ويستفاليا 1648 حيث مبدأ السيادة الذي تم تجاوزها في فلسفة السياسة الأمريكية منذ عقدين ونيف ‏وتم (ابتكار) مفهوم التدخل الإنساني بديلًا من مفهوم ‏الذي الذي لم يتورع الذين طرحوه منذ عدة قرون ‏على انتهاكه ‏بقانون الحرب الذي يشرعن القوة ‏ويرسم لها قانونا للسلوك!!! ‏وفي هذا المجال يقولان:ويعيد الطرفان التأكيد على دعمهما المتبادل القوي لحماية مصالحهما الأساسية ، وسيادة الدولة وسلامة أراضيها، ويعارضان تدخل القوى الخارجية في شؤونهما الداخلية. ‏بمعنى آخر أن عودة إلى مبدأ السيادة ‏التي أقرت في ويستفاليا 1648 هي المآل ‏الذي ينشده الطرفان مما بعد أوكرانيا.  إنها باختصار معركة لمحاولة طي صفحة مابعد الحداثة (اي الفوضى العارمة والتدخل في شؤون الدول وتغيير الأنظمة). ‏ولكن هل يمكن العودة فعلا إلى الوراء أم إن عالم الغد سيكون مختلفًا وليس لدينا حتى الآن تصور واضح عنه.  ‏خصوصا عندما يقول إنهما يستشعران  بقلق بالغ التحديات الأمنية الدولية الخطيرة ويعتقدان أن مصير جميع الدول مترابط. ‏ففكرة الترابط لا تنسجم فعليا مع عالم متعدد الأقطاب؛ الموسع ذهنيًا عن عالم ثنائي القطبية! ‏ولهذا فإننا لا نرى العالم القادم متعدد الأقطاب بقدر ما نراه عالمًا ‏تعاونياً تنافسيًا بآن. ‏فيما تؤثر الولايات المتحدة الأمريكية على أن يكون عالما يجمع بعض السيادة والكثير من الفوضى! 
‏الصين وروسيا يريان حجم التداخل ليقولا: ما من دولة تستطيع ولا ينبغي لها أن تضمن أمنها بمعزل عن أمن بقية العالم وعلى حساب أمن الدول الأخرى. ‏وهذا ما يؤكد على وجهة نظرنا السابقة. 


و يرى الطرفان أنه ينبغي للمجتمع الدولي أن يشارك بنشاط في الحوكمة العالمية لضمان الأمن الشامل والشامل وغير القابل للتجزئة والدائم. ‏وكل هذا يختلف عن التصور النمطية عن القطبية نفسهاولهذا يستتبعان التصور بالقول: يقف الجانبان ضد تشكيل هياكل كتلة مغلقة ومعسكرات متعارضة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ويظلان يقظين للغاية بشأن التأثير السلبي لاستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ على السلام والاستقرار في المنطقة. ‏وفي هذا رسالة واضحة إلى أن منظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية وعلى رأسها الناتو يجب أن تتوقف وتنتهي. ‏لا نستطيع القول بأن هذا الطموح الصيني الروسي لإعادة مبدأ السيادة أو العودة عقارب الساعة ‏إلى مرحلة الحداثة هي من الأمور المنطقية على المستوى التاريخي والواقعي. ‏الواقع أن هنالك تداخل دوليا كبيرا في الاقتصاد. فالاقتصاد شبه مُعولم ‏وهنالك مصالح متداخلة بين الشرق والغرب، ‏فعلى سبيل المثال أن الناتج القومي الصيني هو 18 تريليون دولار بينما يبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين و الولايات المتحدة والغرب نحو واحد تريليون دولار، ‏في حين يبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وروسيا 140 مليار دولار. ‏أي أن هنالك تداخلًا كبيراً بين أوروبا وأمريكا والصين. ‏ولهذا فإن أحدا لا يستطيع أن ينفرد  بالنظام الدولي، ‏ومن الطبيعي أن يكون النظام الدولي عالماً تعاونيًا،  اكثر منه عالماً ‏متعدد الأقطاب بحالة صراعية، ‏وحكمًا لا يمكن أن يكون احادي القطبية. ‏ ‏ما نخشاه فعلا أن تستمر الحالة التي تجمع الفوضى العارمة والصراعات مع سيادات بعض الدول لعقود.

(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب7-3-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أبعاد ونتائج محتملة لانتفاضة الجامعات الأميركيّة

  رأي أسعد أبو خليل   لم أرَ اللوبي الإسرائيلي في حالة الهلع والذعر التي هو فيها هذه الأيّام. قد تكون أفدح كارثة لحقته منذ ...