آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » هل على الموسيقي العربي إرضاء الغير؟

هل على الموسيقي العربي إرضاء الغير؟

علي الأحمد:

هناك حالة مرضية شائعة، لدى جيل المتعلمين والمشتغلين بالشأن الموسيقي، وهي حالة استثنائية من دون أدنى شك، لا نجدها إلا في موسيقانا العربية، وهي عقدة الآخر الغربي، التي تلازمه منذ أن يبدأ التعلم الموسيقي، وتستمر معه وتلازمه كظله أينما حل وارتحل، هذه العقدة المرضية الموروثة، تؤكد على ديمومة وتأبيد الحالة التي تحدث عنها المفكر العربي “ابن خلدون” عن ولع المغلوب بتقليد الغالب، حتى وإن كان هذا التقليد هنا بشكل فج وسطحي، وأحياناً مبتذل ومنحط، وخاصة حين يتعلق الأمر بمنتوج شركات الإنتاج الفني، التي يمتلك أصحابها بدورهم، كل شيء، إلا العلم والمعرفة والانتماء الى عالم هذا الفن الأصيل النبيل.
لكن بالرغم من تعميم هذه الحالة السلبية، في نظرة هذا الموسيقي أو ذاك، إلى هذا الآخر المغاير، فإنه بالمقابل، ثمة فرسان حقيقيون، يعملون خلف المشهد السائد، بعيداً عن أضوائه وبريق شاشاته المسطحة، التي تسطّح العقول والذائقة، بما تقدمه من فن معلب تُصرف وتهدر عليه الملايين، لكنه مع الأسف لا يقدم شيئاً ذي قيمة جمالية وذوقية للمتلقي العربي المسكين، الذي تلاحقه منتوجات هذه الشركات وأحابيلها، أينما حل، هؤلاء الفرسان الشباب، يكتبون بالرغم من الظروف المعيشية الصعبة وانفضاض هذه الشركات عنهم، موسيقى عربية حقيقية من لحم ودم، تنتمي إلى تربة وطين هذا الفن وتعبر بكل صدق وإخلاص، عن القضايا الجوهرية للوطن والإنسان، من دون ادّعاء أو تصّنع، لكنها مع الأسف، لا تجد طريقها أيضاً، إلى المحطات الفضائية العربية العتيدة، التي تقذف هذه الشركات آلاف الأطنان من هذه النفايات الفنية، التي بدأت بالفعل ومنذ نهاية القرن الماضي، بتلويث وتخريب الذائقة الجمالية لهذا الفن الأصيل، الذي نراه في ألفيته الثالثة، ينحرف عن مساره الإبداعي، بهمة هؤلاء “المبدعين” الذين يتاجرون بالفن، وتفريغه من مضامينه الروحية والوجدانية، ليصبح فناً معولماً بامتياز، يتبنى اللون الواحد الوحيد المتاح، بصبغته التجارية البحتة، عبر تكريس الصورة كحامل وحيد للأغنية العربية، وهي هنا في أغلبها، الصورة الحسية، التي تُعلي الغرائز المنحطة، لجيل فقد لغته وهويته وانتماءه، كما يحكي وينبئ عنه الواقع العربي المأزوم على أكثر من صعيد.
وبالعودة إلى السؤال المهّم، الذي افتتحنا به هذا المقال، نقول، إن إرضاء الغير هنا، يعني بشكل أو بآخر، السير على منواله والرقص على سلاسله، وبالتالي التصاغر والدونية في حضرته، كائناً ما كان، بما يُلغي خصوصية وتفرد هذا الفن الموسيقي الأصيل، نحو مزيد من التبعية والاتباع، وبالتالي نضوب معين الإبداع لدى الموسيقي العربي، وانطفاء جذوة العطاء لديه، الذي عليه كما هو شأن موسيقيي العالم، من اجتراح وكتابة أعمال موسيقية انطلاقاً من هويته وميراثه الروحي، تمتلك كل العوامل الابداعية، لكي تصبح موسيقى عالمية بالمعنى الثقافي الكلاسيكي، وليس بالمعني الثقافي الضيق الذي تؤمن به منظومة العولمة وما بعدها، كما نرى في سير عملية الإنتاج والنشر والإعلام السائدة، من منطلق فوقي مهيمن، يلغي خصوبة وعناصر الإبداع في الهويات الموسيقية الوطنية، وهذا ما اشتغل عليه كثيراً، مبدعو عصر النهضة بدايات ومنتصف القرن الماضي، حين كتبوا موسيقى عربية ذات توق عالمي، عبر عملية تجديد عقلانية، انطلاقاً من ميراثها وخزينها الإبداعي الناجز، ولذلك بقيت موسيقاهم نابضة بالجمال والإبداع الأصيل، تتناقلها الأجيال عبر العصور، بكل محبة وتقدير، ليس لأنها باتت قديمة من منطلق الحنين إلى ذلك الماضي التليد، بل لأنها تمتلك كل العناصر الإبداعية الجمالية، التي من المفروض والبديهي، أن يحملها ويتبناها هذا الفن في كل الأزمنة والعصور.
يقول الباحث القدير “كفاح فاخوري” في حوار منشور :”.. يجب إعداد شبابنا لشهادة عربية تكون جواز مرورهم إلى العالم، وبهذه الطريقة لا يقفون على أبوابه مستجدين ليمّن عليهم بشهادة أشبه ما تكون بالدكتوراه حلقة ثالثة خاصة بالعالم الثالث.
يجب أن نزيل من أذهان شبابنا عقدة النقص حيال موسيقاهم وتراثهم، فليتعلموا الموسيقى الغربية ولكن إلى جانب موسيقاهم الشرقية، المهم أن نقدم هذه الموسيقى التي تعكس هويتنا، وعندها سنفرض على الغرب احترامها لأنه يحترم حضارته، يجب أن نكون صارمين في ما نطلبه من أنفسنا فلا نسمح بعد اليوم بوجود دجالين ينقلون إلى الغرب موسيقى زاعمين أنها موسيقانا أو أناس يقصدونه مرتزقين باسمها.
يجب أن نتوقف عن “تصغير” موسيقانا ثم نتباكى إذا استخف الخارج بها.

سيرياهوم نيوز 6 – الثورة

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قصة زواج نزار قباني من زوجته الثانية بلقيس

    متابعة:محمد عزوز   يقول نزار قباني: بلقيس هي كنز عظيم عثرت عليه مصادفه, حيث كنت أقدم أمسية شعرية في بغداد عام 1962م ويضيف:قصتنا ...