آخر الأخبار
الرئيسية » تحت المجهر » عن جوهر المشروع الصهيوني: لا مفاجأة بـ«إسرائيل الكبرى»

عن جوهر المشروع الصهيوني: لا مفاجأة بـ«إسرائيل الكبرى»

 

علي حيدر

 

 

حين تحدّث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن «إسرائيل الكبرى»، لم يكن يبتكر مفهوماً جديداً في الأدبيات الصهيونية، إنّما يعطي عنواناً صريحاً لمسار تاريخي رافق نشأة الكيان الصهيوني. فمنذ عام 1948، لم تحدّد إسرائيل حدوداً نهائية لها، مبقيةً على الغموض كخيار إستراتيجي يتيح لها التوسّع وفق المراحل، لا القفزات. وهكذا، فإنّ كلّ مرحلة تأتي استجابةً لمعادلة قوّة جديدة: من التوسّع بعد قرار التقسيم، إلى ضمّ الضفّة الغربية والقدس والجولان وسيناء في عام 1967، إلى اجتياح لبنان عام 1982، وصولاً إلى مشاريع النفوذ الإقليمي التي تتابعت بعد ذلك.

 

وسياسة «التسييل المرحلي» تلك تقوم على تثبيت كل مكسب ليصبح قاعدة لِما بعده، إلّا في حال تمّت مواجهتها بمقاومةٍ أَجبرت العدو على الانسحاب. لكن الحقيقة التي تؤكّدها التجارب التاريخية، هي أنّ إخراج إسرائيل من أي أرض، لا يعني البتّة خروج هذه الأرض من دائرة أطماعها.

 

وعليه، يمكن القول إنّ نتنياهو لم يبتدع فكرة جديدة، بل أعاد صياغة نهج قديم، عنوانه أنّ الأمن يفتح باب الفرصة، والسياسة تشرعن النتائج، فيما متغيّرات الزمن تحوّل المؤقّت إلى دائم. وفي ضوء ذلك، فإنّ تصريحه الأخير عن «إسرائيل الكبرى» لم يكن مغامرةً كلامية، بقدر ما عبّر عن جرأة محسوبة، ومثّل رسالة إلى الداخل والخارج مفادها بأنّ إسرائيل لا ترى ما يردعها عن المجاهرة بطموحاتها الكبرى، وأنّ موازين القوى تسمح لها بقول ما تشاء من دون خشية من أيّ تداعيات على أمنها القومي أو على مسارها المرحلي تجاه غزة ولبنان وسوريا.

 

في جوهر العقل الإسرائيلي، فإنّ هذه المرحلة ليست مجرّد مدّة زمنية، بل هي منهج متكامل، خلاصته فرض وقائع على الأرض ثم شرعنتها بالقانون والديبلوماسية، وتسويقها على أنها «الوضع الطبيعي»، وهذا ما يحصل اليوم. إذ إنّ الضفّة الغربية التي احتُلت عام 1967، ثم غُزيت استيطاناً وتهويداً، وفُتّتت جغرافيّاً، ورُبطت البؤر الاستيطانية فيها بعضها ببعض لضمان السيطرة الأمنية عليها، يجري الحديث الآن عن ضمّ أجزاء واسعة منها، وتهجير الفلسطينيين من القسم المتبقّي.

 

والواقع أنّ تلك المراحل نفسها، من حيث الخطوط العامّة، مرّت بها المناطق الفلسطينية المحتلّة عام 1948، حتى أصبح الحديث عن تحريرها موضع استغراب. والمفهوم نفسه ينسحب على الحرب في غزة أيضاً، التي بلغت مرحلة العمل على تهجير سكانها. أمّا على الحدود الشمالية، فإنّ الضغط تدريجي كجزء من مخطّط داخلي – خارجي لتحقيق ما لم يتحقّق في الحرب، عبر انتزاع تنازلات إستراتيجية من لبنان.

 

الكلام عن «إسرائيل الكبرى» هو برنامج عمل طويل النّفَس، وليس مجرد شعار سياسي

 

 

هكذا، يبدو أنه ليست ثمّة حدود نهائية، بل خرائط نفوذ قابلة للتمدّد والانكماش، لكنها جميعها تتحرّك في اتجاه واحد: التوسّع. مع ذلك، ينطوي مشروع «إسرائيل الكبرى» على هشاشة؛ إذ إنّ كلّ توسّع يراكم عوامل استنزاف ديموغرافي وأمني قد يصعب ضبطها، فيما يواجه كلّ رهان على غطاء دُولي مطلَق، سقوفاً لا يمكن تجاوزها. أمّا كل عملية لا تتوَّج بنتائج إستراتيجية راسخة، تبقى مفتوحة على متغيّرات قد تعيد قلب المعادلة. والمفارقة، أنّ «المرحلية» التي منحت المشروع طول نفَس، يمكن أن تواجه بانكسار مفاجئ إذا ما اصطدمت بتحوّلات أنتجت ردعاً صلباً، أو بمتغيّرات دُولية معاكسة.

 

في المقابل، فإنّ الكلام عن «إسرائيل الكبرى» هو برنامج عمل طويل النفَس، وليس مجرد شعار سياسي، فيما يُقصد بالإفصاح العلني عنه أيضاً تعويد الطرف المقابل على ما كان محرّماً، وتحويل الصدمة إلى واقع. لكن هذا البرنامج هو، في الوقت نفسه، اختبار لمدى قدرة شعوب المنطقة على فرض كلفة حقيقية على العدو؛ إذ لمّا غابت هذه الكلفة، تحوّل الإعلان إلى قوّة إضافية، في حين أنها عندما تحضر، ستجعل التصريح عبئاً على صاحبه.

 

الخلاصة، أنّ «إسرائيل الكبرى» ليست فكرة وُلدت مع نتنياهو، بل هي جوهر مسار الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، ومسار «الدولة» منذ قيامها. لكنّ الجديد أنّ ما كان المسؤولون الرسميون يتجنّبون الإفصاح عنه بشكل صريح، بات يُعلن جهاراً. والامتحان الفعلي لا يكمن في الردّ لفظياً على العدو، بل في كسر الحلقة التاريخية التي تجعل من كل متغيّر فرصة للتوسّع، ومن كل انتقالة مرحلة جديدة في مسار لا يعترف بالحدود. عندها فقط يفقد المشروع زخمه، وتستعيد المنطقة معادلة واضحة: ليس ما يقوله العدو هو الذي يرسم المصائر، بل ما تفرضه الشعوب والدول من كلفة وقيود في حسابات خصمها.

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قراصنة روس يكشفون حصيلة قتلى الجيش الأوكراني

  كشفت وسائل إعلام روسية عن عدد القتلى والمفقودين من الجيش الأوكراني خلال سنوات القتال، وذلك عن طريق مجموعة قرصنة زعمت أنها تمكنت من الحصول ...