رغد خضور
“لم تكن لدينا القدرة على شراء المازوت، فكان الحطب خيارنا للتدفئة”، بهذه الكلمات يلخص وائل أحمد تجربة عائلته مع فصل الشتاء، موضحاً أن توافر الحطب بكثرة خلال فصل الصيف أتاح لهم تأمين حاجتهم مسبقاً، ما ساعدهم على توفير جزء من دخلهم لمصاريف أخرى، ويضيف: “الحطب متوفر، ويمكننا جمعه في وقت مبكر، لذلك يبقى خياراً أقل تكلفة مقارنة بالمازوت”.
تجربة وائل لا تختلف كثيراً عن تجارب آلاف الأسر السورية التي وجدت نفسها، خلال السنوات الماضية، أمام خيارات محدودة للتدفئة، في ظل صعوبة الحصول على مادة المازوت وارتفاع تكاليفها،ومع موجات البرد القارس، تحوّل الحطب إلى وسيلة التدفئة الأساسية، إلى جانب استخداماته المنزلية الأخرى، ليصبح خياراً موفراً من وجهة نظر الكثيرين، رغم ما يحمله من آثار بيئية متراكمة.
الحطب في الصدارة رغم توفر المازوت
وعلى الرغم من تحسّن توفر مادة المازوت في الأسواق خلال العام الأخير، وسهولة الحصول عليها مقارنة بالسنوات السابقة، لا يزال الحطب يتصدر خيارات التدفئة لدى شريحة واسعة من المواطنين، إلا أن هذا الاعتماد المستمر لم يأتِ دون ثمن، إذ أسهم في تراجع مساحات واسعة من الغطاء النباتي، وفقدان جزء من التنوع الحيوي، خاصة مع اتساع رقعة التحطيب لتشمل مختلف أنواع الأشجار، سواء الحراجية أم المثمرة.
وفي هذا السياق، يوضح الخبير الزراعي أكرم عفيف أن المشكلة في سوريا لا تكمن في التحطيب بحد ذاته، بل في التحطيب الجائر وغير المنظم، الذي تفاقم بفعل الحاجة المتزايدة إلى التدفئة وغياب البدائل المناسبة، مشيراً إلى أن التحطيب كان جزءاً من ممارسات معروفة تاريخياً، ولا سيما لدى الأسر غير القادرة على شراء المازوت، حتى في الفترات التي شهدت انخفاضاً نسبياً في أسعاره.
وأضاف عفيف، في حديثه لـ”الثورة السورية”، أن غياب التنظيم والرقابة خلال السنوات الماضية فتح الباب أمام استنزاف واسع للغابات، ما أدى إلى فقدان الأشجار الكبيرة وتدهور النظم البيئية، مؤكداً أن استمرار هذا الواقع يشكل تهديداً حقيقياً لما تبقى من الغطاء النباتي.
بدائل غائبة وفرص ضائعة
يؤكد عفيف أن الغابات السورية فقدت جزءاً كبيراً من أشجارها، الأمر الذي يجعل الجهود الحالية تتركز على حماية ما تبقى منها، إلى جانب العمل على إعادة إحياء الغطاء النباتي، وفي هذا الإطار، يشير إلى وجود كميات كبيرة من بقايا المحاصيل الزراعية في مناطق عدة، مثل عيدان البامية والملوخية والذرة، وهي مواد يمكن تحويلها إلى بدائل فعالة للتدفئة لو جرى الاستثمار بها بشكل مبكر.
ويؤكد أن تكلفة هذه البدائل أقل بكثير من تكلفة الحطب، وكان من الممكن أن تسهم في تخفيف الضغط على الغابات وحماية مساحات واسعة منها، مشيراً إلى أن سعر طن الحطب يتراوح حالياً بين 1.2 و1.5 مليون ليرة سورية، ما يشكل عبئاً إضافياً على الأسر ذات الدخل المحدود.
ويرى عفيف أن خفض أسعار المحروقات، وتخصيص كميات كافية لكل أسرة، إلى جانب توفير بدائل عملية للتدفئة، تمثل ركائز أساسية لحماية الغابات، كما يشدد على أهمية اعتماد تقنيات بديلة، مثل آلات الفرم والمكابس التي تنتج كبسولات وقود من المخلفات الزراعية، مع تقديم قروض ميسّرة تسهم في نشر هذه الحلول على نطاق أوسع.
مواجهة التحطيب الجائر
يؤكد الباحث في مركز البحوث العلمية الزراعية في اللاذقية، بشار طوبو، أن مواجهة تراجع الغطاء النباتي تتطلب حزمة متكاملة من الإجراءات التشريعية والإدارية والمجتمعية، مشيراً إلى أن تشديد القوانين الناظمة لقطع الأشجار يأتي في مقدمة هذه الإجراءات، بما يشمل منع أي إجراء حراجي دون ترخيص، وفرض عقوبات رادعة بحق المخالفين.
كما يلفت طوبو إلى أهمية مراقبة سلاسل توريد الأخشاب للحد من التجارة غير القانونية، وتحسين الإدارة الحراجية عبر وضع خطط مستدامة لإدارة الغابات، وتعزيز الشفافية في منح التراخيص، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال.
وفي الجانب المعيشي، يشدد على أن توفير بدائل للطاقة المنزلية، مثل الغاز والطاقة الشمسية والوقود الحيوي، يشكل خطوة حاسمة لتقليل اعتماد السكان على الحطب كمصدر رئيسي للتدفئة، مؤكداً أن التوعية المجتمعية لا تقل أهمية عن الإجراءات القانونية، إذ يسهم رفع الوعي بمخاطر التحطيب على التربة والتنوع الحيوي والمناخ في تعزيز حماية الغابات، إلى جانب دعم المجتمعات الريفية اقتصادياً لتخفيف الضغط على الموارد الحراجية.
أكثر من 2200 ضبط حراجي
في المقابل، تعمل وزارة الزراعة على حماية الحراج والغابات في سوريا، تنفيذاً لأحكام قانون الحراج رقم /39/ لعام 2023، بحسب ما أوضحه مدير الحراج مجد سليمان، مضيفاً أن القانون يحدد الإجراءات اللازمة لمنح الرخص، والمحافظة على التغطية الحراجية، ومعاقبة المخالفين، إضافة إلى تنظيم إدارة الحراج الخاصة وقطع الأشجار وفقاً لأحكامه وتعليماته التنفيذية.
ويشير إلى أنه في حال جرت عمليات قطع داخل الحراج الخاصة أو الأراضي الزراعية أو أحراج الدولة دون موافقة الوزارة، يتم تنظيم ضبوط حراجية بحق المخالفين من قبل أفراد الضابطة الحراجية، وإحالتها إلى الجهات المختصة.
ولفت سليمان إلى أن عدد الضبوط الحراجية المتعلقة بالتحطيب والقطع غير النظامي ضمن أحراج الدولة والحراج الخاصة والأراضي الزراعية بلغ هذا العام نحو 2239 ضبطاً، منوهاً بعدم وجود تقديرات رسمية لمساحة الغابات المتضررة، نظراً لأن هذه التعديات تتم على مساحات متفرقة ومحدودة.
وللحد من ظاهرة التحطيب غير النظامي، أوضح سليمان أن الوزارة تعمل على زيادة عدد حراس المواقع وأفراد الضابطة الحراجية، إضافة إلى بيع المواطنين ما نسبته 80بالمئة من الأحطاب الناتجة عن أعمال تربية وتنمية الغابات بأسعار رمزية، ما يسهم في تخفيف عمليات الاحتطاب غير القانونية، كما أشار إلى إصدار عدد من القرارات التي تسهّل حصول المواطنين على موافقات ورخص القطع.
وفي ما يتعلق بالأسعار، أكد أن سعر طن الأحطاب الحراجية حُدد بموجب القرار رقم /1/ لعام 2025 عند 700 ألف ليرة سورية للطن الواحد، أو ما يعادلها بالدولار الأميركي، بناءً على دراسة لأسعار الأحطاب الرائجة في الأسواق المحلية ضمن المحافظات المنتجة.
وفي إطار تأهيل الغابات وإعادة التحريج، أوضح سليمان أن زيادة رقعة الحراج وتطويرها، ودعم سياسة التحريج تشكل أحد أهداف الرؤية الوطنية للحراج، ولفت إلى أن الوزارة بذلت جهوداً كبيرة في أعمال التحريج وتأمين مستلزماته وإنتاج الغراس الحراجية بمواصفات فنية جيدة وملائمة بيئياً لمواقع التحريج.
وأشار إلى أن ذلك يتم من خلال إعادة تأهيل مساحات الغابات المتضررة المدرجة ضمن الخطط السنوية، إضافة إلى إطلاق حملة وطنية للتجشير بالتزامن مع عيد الشجر، بمشاركة جهات حكومية وأهلية وشعبية واتحادات ونقابات ومنظمات ومدارس وجامعات عامة وخاصة، بهدف توجيه جهود المجتمع المحلي في المسار الفني الصحيح لزراعة الأنواع المناسبة للمواقع الحراجية، مع تسجيل نسب إنجاز مرتفعة في خطط التحريج الاصطناعي خلال السنوات الماضية.
في ختام هذا المشهد، تبدو الغابات السورية أمام اختبار متجدد مع كل شتاء، إذ يتقاطع البعد المعيشي القاسي مع هشاشة الواقع البيئي، وبين حاجة الأسر إلى التدفئة وغياب البدائل المستدامة، يستمر التحطيب كحل اضطراري يفرض نفسه على حساب الغطاء النباتي، ومع دخول فصل البرد، تبقى حماية ما تبقى من الغابات مرهونة بتوازن دقيق بين تأمين احتياجات المواطنين، وتفعيل التشريعات، وتسريع العمل على بدائل عملية تحدّ من استنزاف هذا المورد الطبيعي.
أخبار سوريا الوطن١-الثورة
syriahomenews أخبار سورية الوطن
