آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » أبو  نُوَاس

أبو  نُوَاس

إن  كان  أبو نواس  قد  جاهر  بعض  الأحيان  بالمجون  فذلك  لأنّ  الشاعر   صدى   مجتمعه

 

إنّ   ما  عُرف  عن  أبي  نُوَاس  من علم،   وفقه،  وسَعَة  اطّلاع  في  معرفة  الشريعة،  و الدين ،  و أصول  اللغة   والشعر  ،  وفهم   عميق   لأسرار  الحياة ،

والجرأة   في  الخروج على السائد   والمألوف في العادات   والتقاليد   والمفاهيم القديمة ،   كلّ  هذه  الأمور  جعلته  مميّزاً ،  وشخصيّة  نادرة   ،

 

والده  هانئ  ،   رأى  جلّنار  التي   صارت   زوجته   على  شطّ  نهرٍ     من  قرى  الأهواز   تعمل الصوف  وتنسج  الجوارب  وتصنع  الخيزران  فعشقها  وتزوجها   وكان  الشاعر  أبو  نواس   الولد  البكر  لهما  ،

وعندما  أصبح  الشاعر   في الثلاثين  من  عمره  قصد  بادية  بني  أسد  لمدّة سنة  لاستكمال  علومه ،  وكانت  هذه  القبيلة  تذهب  مذهب  الشيعة ،   ثمّ  عاد  إلى  بغداد  ليرتبط  بأسرةٍ وأولادٍ   عزّ  عليه  أن  يفارقهم  ،   وهو   القائل   يخاطب  أسرته  عندما  قرّر  التوجّه  إلى   مصر  :

 

تقول التي عن بيتها خفّ مركبي   عزيزٌ علينا أن نراكَ تسيرُ

 

ذريني   أُكَثِّرُ  حاسديكِ   برحلةٍ    إلى بلدٍ  فيه الخصيبُ أميرُ

 

قال  في  شأن  المال   عنده    :

 

فإن  دنّسَ  المالُ  عرضَ  ذي  شرفٍ       فإنّ عِرضي  يُصانُ  بالمال

 

سُئِلَ   الأصمعيّ  مَنْ  أشعر  أهل  زمانك  ؟    قال  :  أبو  نُوَاس

 

وقال عنه  المكيّ  :  ما زالت المعاني مدفونة في الأرض حتّى جاء أبو نواس واستخرجها

 

وقال عنه محمّد بن عمر  :  حسد الشعراء جميعاً أبا نواس   لميل  الناس إليه  وشهوتهم  لمعاشرته  ،   ولبعد  صيته  وظرف  لسانه   ،

 

وإن كان جاهر بالمجون ، إنّما  أراد  أن  يعبّر  عن  مجتمعه  ،    ويعكسه  بصدق  الفنّان  ،   كان  دمثاً ،   لطيفاً  ،   ظريفاً  ،   حلو  المعشر ،  نديماً   للخلفاء  والوزراء  ،   وسميراً  لهم   ،    قال  ليحيى  بن خالد  البرمكيّ     :

 

إنّي أنا الرجلُ الحكيمُ بطبعه      ويزيد  في  علمي  حكاية  مَنْ  حكا

 

أتتبّعُ الظرفاءَ أكتبُ  عنهمُ         كيما أحدّثَ مَنْ أحبُّ فيضحكا

 

كان متبرّماً  بالأعراب    ،   كشف عن  حياتهم  في  سخرية  وتهكّم   ،   وهم  الذين  قال  فيهم   ربّ   العالمين    في   سورة   التوبة   الآية     97   :    الأعرابُ   أشدُّ   كفراً   ونفاقاً

 

قال  فيهم    :

 

بلادٌ   نبتُها   عُشَرٌ  و طَلْحٌ    وأكثر صيدها  ضَبُعٌ  و ذيبُ

 

ولا تأخذ عن الأعراب لهواً    ولا عيشاً فعيشهمُ  جديبُ

 

دافع  نيكلسون  عن  أبي نواس  ،   وقال  :   لم  يكن شعوبيّاً ،  كان والده عربيّاً  يمانيّاً  حارب في صفوف الجيش الأمويّ  بقيادة مروان بن محمّد آخر خلفاء بني أميّة

 

كان الشاعر   أبو  نواس   أبيّاً   عزيز    النفس     ،    فلم  يمدح  أحداً  من الخلفاء  والوزراء ،   ولو  شاء  لمدح المأمون  ولكنّه  لم  يفعل  لسموّ  نفسه   ،   وهو  الذي يقول   :

 

لقد زادني تيهاً على الناس أنّني      أرانيَ أغناهم،وإن كنتُ ذا فقرِ

 

فواللّه  لا  يُبدي  لساني  لَجاجَةً       إلى أحدٍ   حتّى أُغَيَّبَ في القبرِ

 

زادت موجة المجون في القرن الرابع الهجريّ  ،   فكانت  تعبيراً  عن المرارة  و  خيبة أمل الشعراء  نتيجة  اختلال القيم  في ذلك العصر

وهذا  ابو نواس   يصوّر  معاناته  وآلامه  يرمز  فيها  من خلال الصوم  إلى كتم الأسرار      ؛

 

منع الصوم العُقارا    و زوى  اللهوَ، فغارا

 

نشربُ الليلَ  إلى  الصبح صغاراً و  كبارا

 

ونغنّي  ما  اشتهيناه   من   الشعر  جهارا

 

اسقني حتّى تراني أحسبُ الديكَ حِمارا

 

قد نجد في كثير من خمريّات أبي نواس  بعداً  روحيّاً   وفكريّاً  وفنيّاً   عميق  الصلة  بحالات  روحيّة  نادرة   المثال    ،   فيقول    :

 

و لمّا   شربناها   و دبّ   دبيبُها     إلى موطن الأسرار قلتُ لها قفي

 

مخافةَ أن يسطو عليَّ شعاعُها    فيطلِعَ ندماني على سرّي الخفي

 

ورد في كتاب المناقب،  كما ذكر محسن الأمين ،   أنّ  أبا نواس كان متشيّعاً  ،   وهو  القائل     :

 

متمسّكاً     بمحمّدٍ    و  بآله    إنّ  الموفَّقَ  مَنْ بهم  يستعصِمُ

 

ثمّ الشفاعةُ من نبيّكَ أحمدٍ     ثمّ  الحمايةُ  من  عليٍّ  أعلمُ

 

كان العفو والتسامح  من  أخلاق  أبي نواس  ،    وها هو  يقول  ردّاً  على  النظام  شيخ  المعتزلة    :

 

فقل  لمن  يدّعي في العلم فلسفةً   حَفِظْتَ شيئاً وغابتْ عنكَ  أشياءُ

 

لا تحظر العفوَ إن كنت امرأً حَرِجاً     فإنّ حظركهُ  في الدين  إزراءُ

 

لطالما ارتدّ  إلى نفسه  يتلمّس  فيها  ما  فقده  في  مجتمعه  من  صدق   و عفويّة  ،   وها  هو  أبو نواس المطعون  بخيانة  الناس  وحسدهم     يقول     :

 

يا    نواسيُّ      توقَّرْ          و تجمَّلْ   وتصبَّرْ

 

ساءَكَ  الدهرُ  بشيءٍ        و بما  سرَّكَ   أكثرْ

 

(سيرياهوم نيوز1-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الدراما السورية خلّدت الشهداء ورصدت بطولاتهم … من «إخوة التراب» إلى «تاج» توثيق درامي لمسيرة النضال والبطولة

  | وائل العدس   ليس هناك كلمات يمكن لها أن تصف الشهيد، ولكن قد تتجرأ بعض العبارات لتحاول وصفه، فهو شمعة تحترق ليحيا الآخرون، ...