آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الانتصار ولعبة صراع الديكة

الانتصار ولعبة صراع الديكة

| د. سليمان الصدي

لوس أنجلوس- أمريكا

 

يُحكى أن أحد ملوك فرنسا بلغه أن حاخاماً يهودياً يقول: إن اليهود سيحكمون العالم. فاستدعاه الملك. وقال له: أنتم مستضعفون في الأرض، ومتفرقون في البلاد، فكيف تحكمون العالم؟ هات برهانك.

أجابه الحاخام: لو سمح لي جلالة الملك، أن أطلب من الوزراء والأمراء في مملكتكم.. أن يحضّروا لمصارعة ديوك، وأنا بدوري سأحضر ديكي.. وسأغلبهم جميعاً.

تعجب الملك من هذه الثقة.. التي يتكلم بها الحاخام اليهودي، لكنه أراد أن يصل معه الى النهاية، وصار متشوقاً.. ليرى كيف سيحكم اليهود العالم.

واستجاب لطلب الحاخام، وأمر جميع الوزراء والأمراء أن يحضّر كل واحد منهم ديكاً قوياً، إلى حلبة مصارعة الديوك لتتصارع الديكة، ويتثبت من كلام الحاخام وادعائه.

بعد ثلاثة أيام انعقدت الحلبة، وجاء الوزراء والأمراء بديوكهم، وجاء الحاخام اليهودي – بدوره – مصحوباً بديك هزيل، ضعيف، وأدخله الحلبة مع باقي الديوك، وبدأت المصارعة بين الديوك الأقوياء، الا انَّ ديك الحاخام اختبأ، وظل بعيداً عن الصراع؛ تاركاً الديوك القوية يصارع بعضها بعضاً، حتى تغلب ديك واحد على جميع الديوك الأخرى الموجودة في الحلبة.

وقف ذلك الديك منتصراً، متبختراً على أرض الحلبة، وقد أنهك الصراع جسمه، والدماء تتقطّر منه. فجأة.. خرج ديك الحاخام اليهودي – الهزيل الضعيف – واقترب من الديك المنتصر المنهك؛ فقفز على رأسه، ونقره نقرة قوية أدت إلى مقتله.

 

انتصر ديك الحاخام الهزيل، ووقف اليهودي أمام الملك قائلاً له: أرأيت كيف سنحكم العالم؟

وما أشد الشبه بين واقعنا في بعض الدول العربية، نسمح للضعف أن يستبد بنا فيقوى الضعيف علينا، فلم نتعلم من تجارب الماضي، ومن الحروب الأليمة التي حلت بنا، لقد جيّش بعض دول الخارج فئات من الشعب، وجعلتهم يقاتلون إخوتهم، وحوّلوا الصراع إلى صراع سني شيعيّ؛ ليحرفوا مسار الصراع مع الكيان الصهيوني.

إن ثمة داعشية عالمية وإرهاباً حوّل الصراع من الهنود الحمر إلى الهنود السمر، فليست المسألة فيما عرف بثورات الربيع العربي مشكلة شيعة وسنة، وليست قضية إرهاب ينبغي مكافحته.

لقد اختلق عدوّنا مشكلة بين السمر، وفرّقهم إلى صفّين، ويجب علينا في هذه المرحلة وقبل أن ننتقد، أو نصنف، أو نقيّم المواقف أن نستعيد كرامة فقدناها منذ أن هُزمنا في فلسطين، يجب أن يستعيد العرب كرامتهم، وأن يكفوا عن التباغض، فقد رأينا دولنا العربية تتساقط واحدة تلو أخرى، منها من انبطح، ومنها من دُمّر، ومنها من تغلغلت فيه الفتن الطائفية.

أصبحنا في أسفل سلم الدول المتقدمة علمياً وتكنولوجياً، ولا يزال البعض يختلف في أحقية الخليفة عمر رضي الله عنه، أو علي كرم الله وجهه بالخلافة.

وقد وعت سورية هذه اللعبة الجديدة، وصراع الديكة، فحددت مسارها، ومشت بثقة إلى هدفها على الرغم من حرب كونية شنت ضدها.

ومنذ أن عادت سورية إلى مقعدها في الجامعة العربية ترافقت هذه العودة مع أسئلة كثيرة مدارها هل ترافقت عودة سورية بتنازلات للمعارضة أو للخارج؟

قبل أن نقدم رؤيتنا وجوابنا عن هذا السؤال يجب أن نعود بالذاكرة إلى الخطاب الأول الذي ألقاه السيد الرئيس في آذار عام 2011 بعد ما عرف بجمعة الكرامة وقصة فتيان درعا واندلاع المظاهرات المنظمة وما تلاها من أحداث حتى باتت الحرب التي شهدتها سورية من أسوأ حروب القرن الحادي والعشرين، وأكثرها دماراً وانقساماً دولياً حاداً، وغدا بقاء السيد الرئيس انتصاراً لعنوان محور المقاومة ومن يمثله.

انتظر الجميع ما سيقوله السيد الرئيس وصار ما يقوله محور اهتمام محلي وعربي ودولي وعالمي، وغدا واضحاً أنّ ما يحصل ليس إلا تجديداً للرياح الأطلسية ويشبه ما حدث في العراق من قبل، فجاء الخطاب مخالفاً أفق التوقعات وما انتظره المعارضون، فقد وصف ما حدث في سورية بالمؤامرة الكبرى تمتد خيوطها من دول بعيدة وقريبة، وتعتمد في توقيتها وشكلها على ما يحدث في بعض الدول العربية.

ويعني ذلك أن السيد الرئيس ظهر واثقاً من أن شعبه معه، وأن المعارضة تدار من الخارج، وأنه يساند الشعوب المنتفضة تجاه سياسة بلدانها لأنه رأى في ذلك تصحيحاً للمسار تجاه قضية فلسطين، فما تشهده بعض الدول العربية سيؤدي إلى تغيير المسار تجاه القضية الفلسطينية.

لم يضعف السيد الرئيس حتى حين قرر الرئيس الأمريكي السابق أوباما قصف دمشق، والقصر الرئاسي، وظل ثابتاً في مكانه يشد من عزيمة موظفيه ويطمئن عليهم، وحين سقط جزء كبير من الجغرافيا السورية في يد قوى الإرهاب ظل متماسك الأعصاب، واثقاً من عودة سورية قوية متماسكة موحدة.

وجاء خطابه الأخير في القمة العربية ليثبت أنه لم يتغير، ولن يتغير، فقد ذهب إلى السعودية منتقداً استخدام مصطلح عروبة الأحضان؛ لأن الأحضان عابرة والانتماء دائم، وسورية قلب العروبة وفي قلبها.

كان على يقين أنّه مهما فعل، وتحدث، فإن الحرب على سورية ستستمر؛ لأن الأمر لا يتعلق بمعارضة وسلطة، بل بدور سورية المحوري.

وقد تحدث في تصريح أخير في آذار الماضي لقناة روسيا اليوم عن المصطلحات الراقية التي يحشوها الغرب بمفهومات تتناقض مع ماهيتها كمصطلح الحرية والديمقراطية، فقد شوّه الغرب هذه المصطلحات.

وفي الحرب الكونية التي شنت على سورية كان يدرك أن روسيا ستقف إلى جانبه، وتبين لاحقاً أن ما يحصل في أوكرانيا جاء نتيجة فشل التجربة في سورية.

كانت ثقته بنفسه كبيرة، وبحلفائه ودورهم، وتعتقد بعض السياسات العربية أنها ستحصل على تنازلات مقابل عودة سورية إلى الجامعة العربية وهي تنازلات لم تتمكن من الحصول عليها عسكرياً من قبل، وتعتقد أن تقاربها مع سورية سيدفعها إلى فك الارتباط بإيران، وهنالك بعض الدول العربية التي لا تهتم بما يجري في سورية، بل تشكو من ثقل وطأة حكم الإخوان المسلمين عليها.

إن الواقعية السياسية تقول إن السيد الرئيس يتصرف من موقع المنتصر؛ لأنه مع محوره سيتصرفون من موقع التعددية القطبية التي ستلغي أحادية القطب، فمن يظن أنه سيقدم تنازلات لم يقدّمها في الحرب واهم لا محالة.

(سيرياهوم نيوز3-خاص)

 

 

x

‎قد يُعجبك أيضاً

السعودية والقضية الفلسطينية والحرب على غزة

  رأي مضاوي الرشيد   يكثر اللغط عند الحديث عن الموقف السعودي من الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام. وهذا ليس بالأمر ...