هيثم يحيى محمد
يعاني سكان الكثير من قرى منطقة صافيتا في محافظة طرطوس من قلة مياه الشرب لدرجة العطش في فترات عديدة.. ومع استمرار هذاالواقع يتساءل الكثير من أهالي المنطقة عن سبب عدم الاستفادة منمياه نبع الغمقة المجاور لمدينة صافيتا من جهة الشمال والتي تتدفق مياهه بغزارة كبيرة في فصل الشتاء وتستمر حتى الربيع ثم تتوقف عن التدفق لتبقى تحت النبع في الأسفل.
ولمعرفة كل التفاصيل الجيولوجية المتعلقة بهذا النبع التقينا الدكتور الجيولوجي سعيد ابراهيم من جامعة طرطوس حيث قال بداية ان نبع الغمقة يبدو ظاهرياً نبعاً موسمياً تتدفق نافورته بعد هطول المياه الغزيرة في فصل الشتاء وقد يستمر ذلك حتى فصل الربيع، في حين يجف في فصلي الصيف والخريف. لكن لكي نفهم واقع هذا النبع علينا معرفة البنية الداخلية له،حيث نشاهد على السطح مجموعة من المظاهر في منطقة وجود هذاالنبع منها حفرة النافورة ونبع الصغير و نبع الشمالي، ومغارة المتومة،وبير الروزنة وهذه المظاهر السطحية يربط بينها تحت الأرض نفق جوفي يمتد من تحت بير الروزنة في الشرق، وحتى حفرة النافورة ونبع الشمالي في الغرب، ماراً تحت مغارة المتومة في الوسط. هذا النفق هو الذي يغذي نافورة نبع الفمقة بالمياه القادمة من الشرق، والتي تتدفق في البداية من مغارة جوفية موجودة تحت بير الروزنة على عمق حوالي 20 متر.
ويضيف ابراهيم :الشيء المهم والذي يغيب عن الجميع هو أنه بعد جفاف نبع الغمقة خلال (أو في نهاية) فصل الربيع تبقى المياه بشكل بركة ساكنة تملأ هذه المغارة الجوفية الموجودة تحت بير الروزنة، ولقد حاولت في العام ۲۰۱۷ باستخدام بيل مخصص للغطس تحت الماء التدقيق داخل هذه المياه في أسفل المغارة فتبين أن هناك تجويفاً عميقاً وواسعاً جداً لا يمكن مشاهدة قعره أو أطرافه.
ويؤكد ابراهيم إن وجود هذه المياه الساكنة على هذا العمق لم يلفت انتباه أحد، وخاصة أن القلائل ينزلون لهذا العمق ويشاهدون هذاالمنظر ولكن ما حقيقة هذه المياه الساكنة، وهل يمكن الاستفادة منها.
ويجيب على هذا السؤال بالقول: لكي نفهم ذلك علينا العودة لبعض الوقائع المشابهة والموجودة خارج سوريا. ففي شبه جزيرة يوكوتان في المكسيك توجد حفر دائرية مملوءة بالمياه الساكنة تعرف محلياً باسم(سينوتي)، قدر عددها بحوالي ٦٠0٠ حفرة، وهي موجودة على سطح الأرض أو على أعماق تصل إلى عشرات الأمتار تحت السطح. ولقد تبين أن هذه الحفر المائية متصلة مع بعضها بشبكة أنفاق تحت سطحية ممتدة لمسافات كبيرة يصل مجموع أطوالها إلى ٦٠٠ كيلومتر، وهي تنتهي تحت سطح مياه البحر في خليج المكسيك. ولقداستخدمت حضارة المايا هذه الحفر في الحصول على المياه.
ويتابع الدكتور سعيد ابراهيم :إن ما نشاهده من مياه ساكنة تحت نبع الغمقة هو في الحقيقة حفرة سينوتي مشابهة لما هو موجود في المكسيك، وهي متصلة مع نفق جوفي في الأسفل ينقل المياه القادمة من الشرق (من مناطق جبل النبي صالح) إلى الغرب حيث يصل إلى البحر. وهو يقترب من سطح الأرض ونتعامل معه بشكل واقعي في منطقتين هما مغارة الشماميس حيث تضخ المياه بواسطة مشروع الشماميس، ونبع الغمقة الذي يتدفق في فصل الشتاء بشكل نافورة مضغوطة بقوة لأنه يمثل فضال يقوم بتصريف المياه الفائضة عن طاقة النفق الجوفي في الأسفل. أما في فصل الصيف فتتناقص كمية المياه المتحركة داخل النفق ليتسع لها ولا تفيض عن طاقة تصريفه وبالتالي يتوقف نبع الغمقة عن التدفق. أي يمكن تشبيه فتحة المغارة تحت بير الروزنة بنافذة تتصل مع مستوى أعمق تتحرك خلاله المياه الجوفية. ولقد نشرت تفاصيل هذا الموضوع في بحث محكم في مجلة بحوث جامعة البعث، سلسلة الآداب والعلوم الانسانية (كوني أعمل حاليا في قسم الجغرافيا بجامعة طرطوس)، المجلد 45، العدد 5، لعام 2023 م. يمكن لمن يود تحميل البحث والاطلاع على تفاصيله.
ورداً على سؤاله فيما اذا تم استخدام المياه الموجودة تحت بير الروزنة من قبل الانسان سابقاً اجاب ابراهيم بالقول:
نعم، قامت الحضارات القديمة في المنطقة (فينيقيون أو رومان) بالاستفادة من هذه المياه، فحفرة بير الروزنة محفورة في الصخر من قبل الانسان، وتم بناء قنطرة فوق البئر الواسع في المكان وترك طاقة صغيرة في سقف القنطرة تسمى روزنة. وتم سحب المياه من المغارة في الأسفل بتقنية معينة، ونشاهد حتى اليوم آثار الحبال في الصخور على أحد جوانب المغارة في الأسفل والتي تدل على حركة الحبال لرفع المياه من الأسفل، وهناك جرن محفور في الصخر لجمع المياه بداخله.
وعند سؤال الدكتور إبراهيم: هل سبق وحاول لفت انتباه السلطات المحلية والجهات المختصة لوجود هذه المياه أجاب :نعم حاولنا أنا والمهندس الجيولوجي باسل الخطيب أكثر من مرة خلال الأعوام 2018 و 2019 إيصال هذه الفكرة إلى محافظة طرطوس، ولكن لم نوفق في تلك المحاولات. كما قام محسن ونوس أثناء عضويته لمجلس المحافظة بإيصال الفكرة لمجلس المحافظة دون جدوى.
وختم الدكتور ابراهيم بالقول:آمل من محافظ طرطوس الحالي أن يسمع صوتنا هذه المرة، ويوجه المؤسسات المعنية بضرورة إجراء تجربة ضخ لهذه المياه للتأكد من غزارتها، وتحديد إمكانية الاستفادة منها في حل أزمة المياه الشديدة التي تعاني منها التجمعات السكانية القريبة من نبع الغمقة.
المهندس محمد محرز مدير الموارد المائية بطرطوس اكد حرصه الشديد على استكمال الدراسات المتكاملة عن هذا النبع وصولاً لاتخاذ الاجراءات والقرارات المناسبة بخصوص امكانية استثماره بالتوازي مع حمايته من خطوط الصرف الصحي التي تصب عنده ووعد بتزويدنا بنتائج الدراسات التي ستقوم بها المديرية اضافة لعمليات الضخ المطلوبة بعد تأمين متطلبات العمل اللازمة
(موقع سيرياهوم نيوز1-الوطن)