آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » النصّ الأدبيّ والأخطاء اللغويّة

النصّ الأدبيّ والأخطاء اللغويّة

كتب:غسان كامل ونوس
لا يخفى على المشتغلين في الكتابة، والمهجوسين بالإبداع، مدى المعاناة التي ترافق الفصول العديدة، التي يمرّ بها النصّ الأدبيّ؛ ابتداء من وميض الفكرة، إلى تجسيدها على الورق أو الحاسوب، إلى مراجعتها مرّات ربّما؛ وصولاً إلى الشكل الذي يحصل على قناعة كاتبها بجدارته في الخروج إلى النور، عبر نوافذ– وربّما كوّى- يطلّ منها على المتلقّين؛ حيث تبدأ معها مراحل انتظار الصدى قبولاً أو رفضاً، تقريظاً أو قدحاً، وقبل ذلك ومعه وبعده الاهتمام المطلوب..
ولا شكّ في أنّ الشكل، الذي سيظهر عليها النصّ من مسؤوليّة الكاتب أوّلاً وأخيراً، لكنّ  مسؤوليّة كبرى تتحمّلها النافذة، التي توافق على أن يطلّ عبرها؛ سواء أكانت سمعيّة أو بصريّة أو تدوينيّة..
وإذا كانت الأذواق وإمكانيّات التحليل، تختلف فيما بين القرّاء، فتتباين؛ قد تتباين الرؤية إلى النصّ، أو يتفاوت التقويم بين المتلقّين.. وهذا مجال واسع ومفتوح على مختلف الحالات والآراء والتعليقات.. يكاد لا يكون فيه الحدّ واضحاً تماماً بين الصواب والخطأ، والمقبول والمنفّر، على مدى الأيّام والعصور..
فإنّ هناك أمراً ليس مجال اختلاف، ولا مثار تشكيك، إلّا من قبل عاجزين أو أصحاب نوايا قاتمة؛ أقصد السلامة اللغويّة التي يجب أن يتحلّى بها النصّ؛ أيّ نصّ؛ حيث إنّ أولى مسلّمات الاشتغال في ما تشكّل اللغة متنه وأجنحته، أن تكون اللغة صحيحة الكتابة والصياغة، قادرة على التعبير عمّا يريد الكاتب أن يبثّه.
وإذا كانت المقدرة اللغويّة، لا تتوقّف على ضبط الكلمات؛ إملاء ونحواً وصرفاً؛ ولا تقتصر وظائف الكلم على المعاني المباشرة؛ بل تطوف إلى آفاق ومديات لا تحدّ- ويختلف هذا الأمر من نصّ إلى آخر حسب الأجناس والموضوعات، فإنّنا لا يمكن تجاهل الأخطاء أو تجاوزها، أو التغاضي عنها.
وليس مطلوباُ من كلّ أديب أن يكون عالم لغة؛ وليت هذا يكون! لكنّ المطلوب أن يكون نصّه خالياً ما أمكن من هذه الأخطاء الشكليّة، التي تعكّر القراءة، وتشوّه الفكرة، وتبقى عالة على المكتوب طوال وجوده بنسخته تلك.
وإذا لم تكن لدى الكاتب القدرة على أن يكون النصّ الذي ينشره على الملأ بلا أخطاء، فلا بأس؛ بل لا بدّ من الاستعانة بمن يجيد هذا الأمر.. مع الاعتراف بأنّ من الممكن لأخطاء أن تتسرّب، أو تفوت على المدقّق، لكنّها تبقى في الحدود الدنيا..
ولا يغيب عن البال أنّ هناك فروقات في مستويات التدقيق، وهناك أخطاء شائعة، وحالات يُختلف عليها؛ قد يوجد من يجيزها، أو يجادل فيها، وآخرون يستنكرونها، وهذا كلّه ممكن، وقليله مقبول.. (مع ضرورة الإشارة السريعة إلى أنّ هناك مدقّقين يحوّلون- من دون قصد- الصواب إلى خطأ!). لكنّ المفاجأة، التي تشوّش القراءة، تكمن في تلك الأخطاء الساذجة، التي يجب ألّا يرتكبها طلّاب في مراحل دراستهم الأولى؛ كما أنّها كثيفة إلى حدّ النفور..
ويفترض ألّا ننسى أنّ هناك من يقلّل من أهمّيّة هذا الأمر من الكتّاب، ويكابر، ويتّهم من يتحدّثون به بالتصيّد والاهتمام بالشكل على حساب المضمون؛ كما أنّ هناك من يعاند في ذلك.. لكنّهم غير قادرين على الإقناع، ولا يمكنهم إلزام من يقرأ لهم بمتابعة التأذّي والتعثّر، وتناول ما لا يهضم؛ وهم لا يستحقّون الاهتمام والاحترام.
ومن الطبيعيّ أن تكون مسؤوليّة الناشر أساسيّة في ذلك؛ كما أسلفنا؛ فليس من مصلحته أن تكون إصداراته معكّرة، غير مستساغة في شكلها؛ ناهيك عن مسؤوليّته عن مضمونها، وأهمّيّة أن يكون الكتاب المنشور من قبله ذا قيمة.. ولا يمكن قبول أيّ تسويغ؛ كأن يكون النشر على حساب الكاتب، وهذا لا يغيّر من موضوع المشكلة والمسؤوليّة عنها شيئاً.
وهناك أخطاء أخرى لا تقلّ أذى، وهي الأخطاء المطبعيّة، التي يسبّبها استسهال النشر، وعدم المراجعة والتدقيق الطباعيّ؛ إضافة إلى التدقيق اللغويّ.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ مثل هذه الأخطاء اللغويّة والطباعيّة، باتت منتشرة، ولافتة؛ سواء في الكتب والمنشورات الورقيّة، أو المنشورات الالكترونيّة؛ حيث صارت لكلّ إمكانيّة أن يكتب، وينشر ما يشاء، وإن كان هذا من حقّه، ولكن من حقّنا عليه أن تكون كتاباته مدقّقة وصحيحة الأداء، ومن مصلحته ومصلحتنا ومصلحة الأجيال والثقافة ذلك؛ إضافة إلى ضرورة أن يكون ما يقوله جادّاً ومهمّاً ومقنعاً ومفيداً؛ إذ إنّ قضيّة نشر الأخطاء وتشويه اللغة، تدخل في مسألة الضرر، الذي يلحق بالناس، ويسيء إلى الحقّ العام، كأيّة قضايا أخرى تخصّ مجموعة من البشر. ومن المناسب أن نقول، أنّنا لم نكن نشهد، في قراءاتنا الأولى منذ عقود، مثل هذه الأخطاء نوعاً وكمّاً؛ على الرغم من أنّ التقنيّات، التي كانت متاحة أقلّ من هذه الأيّام بما لا يقاس.. لكن يبدو أنّ الاهتمام بما ينشر، واحترام النفس والنصوص والقرّاء كان أكبر!
ومن الضروريّ أن نذكّر بموضوع متّصل بهذا الأمر، ولا يقلّ تأثيراً عمّا ذكر من أخطاء؛ فهناك من لا يهتمّ بعلامات الترقيم، أو يستهين بها، أو يتجاهلها؛ وهم كثيرون، ومنهم من يتعمّد ذلك في نصوصه، وهم قلّة، وبعضهم معروف في المشهد الأدبيّ، وهو جزء من أسلوبه أو مشروعه.. ربّما! لكنّ علامات الترقيم تبقى مسألة ضروريّة في توضيح السياق اللغوي والمعنى المقصود، بدلاً من أن يتعب القارئ في تبيّنه.
ولا شكّ في أنّ ما ذكرناه لا يتعلّق بالنصوص الأدبيّة فحسب؛ بل يشمل مختلف النصوص المكتوبة والمنشورة باللغة العربيّة، والموجّهة إلى مختلف الشرائح العمريّة، والمستويات الثقافيّة والعلميّة؛ والأخطر تلك الموجّهة إلى الأطفال، أو من هم في سنيّ دراستهم الأولى، وغنيّ عن القول إنّ الأخطاء اللغوية، أو علامات الترقيم المهملة أو المغلوطة، تربك القارئ؛ وخاصّة من يقراّ على مسامع الناس؛ من دون أن ننسى أنّ هناك أخطاء مسموعة ناجمة عن قراءات خاطئة ممّن لا يجيد القراءة الصحيحة لِما هو صحيح التدوين، تحريكاً أو تسكيناً أو نبرة أو تعبيراً، على المنابر مثلاً، ومنهم من يخطئ في قراءة نصّه! ومنهم- للأسف- من هم في مواقع خاصّة بهذا العمل المقروء كالإذاعات والنصوص المسموعة في قنوات وأشرطة وسواها!
إنّ للنصّ السليم لغويّاً وطباعيّاً، المستساغ صياغة وأداء، دوراً في تعليم الناس اللغة الصحيحة، ويحبّب الناس بالقراءة، ويسهم في تحفيزهم على التثقّف والاكتناز المعرفيّ؛ مهما كان الموضوع المتناول.
حدث منذ سنوات، أن كنت أبحث عن كتاب مهمّ معروف، قرأت عنه، وسمعت الكثير، وحين حصلت على نسخة من إحدى إصداراته الجديدة، خاب أملي في قراءته؛ لكثرة الأخطاء فيه؛ إذ إنّ هناك من يقوم بطباعة ما هو مشهور ومطلوب لمصلحة تسويقيّة، من دون الاهتمام باللغة؛ صياغة أو تشكيلاً أو ترقيماً؛ أمّا إذا ما كان النصّ مترجماً، فإنّ مشكلات الترجمة العديدة تضاف إلى تلك الأخطاء، ولهذا حديث آخر.
(سيرياهوم نيوز-مجلةالشارقة الثقافية26-9-2020)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن مسرحية معركة بدر بين أبي سفيان والنبي .. والمسرح الاسرائيلي الايراني

    نارام سرجون   أنا لاأصدق التاريخ وأعتبر أنه مليء بالطلاسم والألغاز والأكاذيب والتزوير .. ويستحق اي كشف تاريخي ان يجري صاحبه مثل ارخميدس ...