أسفرت القمّة الثلاثية التي جمعت الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى كلّ من رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، في منتجع كامب ديفيد الرئاسي (ميريلاند)، يوم الجمعة الماضي، عن بيان مشترك صوّرته الإدارة الأميركية على أنه “خطوة تاريخية” من شأنها أن تعزّز تحالفات الولايات المتحدة في شرق آسيا، وتُحسّن من موقفها العسكري كما الاقتصادي في عصر جديد من المنافسة الاستراتيجية الدولية والتحدّي الذي أطلقته الحرب في أوكرانيا للنظام العالمي القائم. ويأمل الأميركيون أن يؤسّس البيان الذي أُطلقت عليه رسميّاً تسمية “روحيّة كامب ديفيد”، منصّةً لعلاقات تعاون عسكري واقتصادي وثقافي معمّق بين الدول الثلاث، وحافزاً استراتيجيّاً لتجاوز الخلافات التاريخية ومرارات الاحتلال الياباني لكوريا خلال النصف الأوّل من القرن العشرين، لمصلحة تمكين العمل المشترك، الطويل المدى، في مواجهة الصين وحليفتَيها: كوريا الشمالية وروسيا، في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ.

وتشمل مجالات التعاون العسكري الثلاثي، وفق ما ورد في البيان: الدفاع الصاروخي، والحرب المضادة للغواصات، والاستخبارات، والمراقبة، والاستطلاع، وحرب الألغام البحرية، والأمن السيبراني، والفضاء الخارجي، والخدمات المتبادلة لإجلاء مواطني الدول الثلاث من مواقع الكوارث والحروب، وكذلك الخدمات اللوجستية. وإلى المسائل الأمنية، سيشمل التعاون صيغاً مشتركة لمنع بكين من الحصول على الرقائق الإلكترونية المتطوّرة، وكذلك ضمان أمن الإمدادات الاقتصادية لموادّ استراتيجية الطابع تسيطر على سلاسل توريدها، الصين. كذلك، التزمت الدول الثلاث بالتشاور الفوري في ما بينها خلال الأزمات عبر خط أحمر مباشر بين القادة، وتنسيق استجاباتها لِما سمّته “التهديدات الأمنيّة الإقليمية” التي قد تؤثّر على المصالح المشتركة، وإجراء تدريبات ومناورات عسكرية دوريّة، وبناء آلية لتبادل المعلومات حول إطلاق الصواريخ الباليستية من كوريا الشمالية، والتصدّي لمحاولات التهرّب من العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا وغيرها من الدول.

وفيما بدت الالتزامات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي أشار إليها البيان أقلّ من تحالف ثلاثي رسمي، فإنها تمثّل تقدّماً ملموساً في جهود الولايات المتحدة للدفاع عن هيمنتها في شرق آسيا، في ظلّ العلاقات السلبيّة تاريخياً بين سيول وطوكيو. وتمتلك واشنطن تقليديّاً إطارات لعلاقات ثنائيّة وتواجداً عسكرياً تحت لافتات مختلفة في كل من البلدَين المذكورين، إلى جانب الفيليبين وتايوان وأستراليا والهند وبابوا غينيا الجديدة وجزر سليمان، من دون أن يجمعها إطار واحد على نسق “الناتو”. ويقول خبراء إن التباين السياسي بين طوكيو وسيول طالما مثّل عقبة أمام بناء “ناتو” مصغّر في شرق آسيا يجمع حلفاء الولايات المتحدة، غير أن الأولويات المستجدّة للأخيرة في ما يتعلّق بالرّدع النووي ضدّ كوريا الشمالية، ومواجهة التعملق العسكري والاقتصادي للصين، والتواجد المتزايد لروسيا في المنطقة، دفعتها إلى الاستفادة من لحظة وجود قيادات موالية بشدّة في كل من طوكيو وسيول لبناء نواة لمثل هذا التحالف.

وتبنّى فوميو كيشيدا الذي تولّى المنصب التنفيذي الأعلى في اليابان منذ عام 2021، مقاربةً عسكرية مغايرة لمبدأ “الدفاع عن النفس” الذي فرضه المحتلّ الأميركي على الجيش الياباني بعد استسلام طوكيو، في عام 1945. وأصدرت حكومته، في كانون الأول من العام الماضي، استراتيجيات جديدة للأمن والدفاع تضمّنت تزويد الجيش الياباني بقدرات هجومية ضخمة، ومضاعفة الإنفاق العسكري في الموازنات العامّة، وإرسال معدّات عسكرية للجيش الأوكراني. وهناك مباحثات تجري بالفعل لنشر معدات نووية في القواعد العسكرية الأميركية الـ23 في اليابان، ما من شأنه أن يحوّل البلاد إلى حاملة طائرات نووية ضخمة مقابل شواطئ الصين.