آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » حملة إسرائيلية – يمينية على «ابن الثورة» | لولا دا سيلفا يهزّ صمت العالم: أوقفوا الإبادة

حملة إسرائيلية – يمينية على «ابن الثورة» | لولا دا سيلفا يهزّ صمت العالم: أوقفوا الإبادة

علي فرحات

 

قالها الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، من دون النظر إلى المقارنات العبثية بين موقف رجل يحكم دولة خلف الأطلسي، ومواقف آخرين ينتمون إلى العرق والدين نفسه. إذ لم يأبه ابن «الحضارة الخلّاقة» لتبعات المجاهرة بالحقيقة، وهو الأَولى بأن يصمت بعدما صمتت منظومة الحضارة الغربية بدولها ومؤسساتها القضائية والإنسانية. غير أنه رفض الانضمام إلى سجلّ السفّاحين والمنافقين، رافعاً الصوت من دون أن يهاب عقوبات أو انقلابات. وتلك شجاعة ابن السيدة أوريديسي، التي زرعت في طفلها اليتيم ثورة عميقة لا تخمدها ضرورات الحُكم ولا حسابات السياسة.لم يكن توقيت الرئيس البرازيلي في توصيف ما يحدث في غزة صدفةً؛ فالزعيم العمّالي يَعرف تماماً حقيقة الصراع الفلسطيني – الصهيوني، وهو الذي كان سبّاقاً إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفتْح سفارة لها في برازيليا، إلا أن «لولا» الذي وصل إلى سدّة الحكم للمرّة الثالثة منهكاً بعد سنوات من الاضطهاد والسجن، كان يطمح إلى فترة رئاسية ناعمة على مستوى العلاقات الدولية، على قاعدة « تدوير الزوايا» للاستفادة من كل فرصة لتخليص البلاد من حافة الانهيار جرّاء السياسات المتهوّرة لسلفه، جايير بولسنارو، الذي أدخل البرازيل في نفق مظلم، ليس آخره محاولة الانقلاب الفاشلة بداية العام الماضي.

لكن الاعتداء الإسرائيلي المتمادي على غزة قطع الطريق أمام «استراتيجية المواقف» للولا دا سيلفا؛ فالرجل الذي دان عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر الماضي، استناداً إلى نظرية التوازن، عاد ليتحدّث عن أن العملية الفلسطينية لم تأتِ من فراغ، بالنظر إلى أن الحكومة الصهيونية المتطرّفة توغِل في دم الأبرياء وتقطع أيّ آمال للفلسطينيين في العيش بسلام ضمن دولة مستقلّة. وعلى الرغم من الحملات الإعلامية والسياسية العنيفة وتهديد عدد من التيارات السياسية البرازيلية، بالانتقال إلى صفوف المعارضة في حال إصرار دا سيلفا على موقفه «التصعيدي» تجاه إسرائيل، إلا أن الزعيم اليساري قرّر قطع سياسة المحاباة، ووصف العدوان على غزة بالإبادة الجماعية الشبيهة بإبادة النازية لليهود، وأصرّ على موقفه، ما ينقل البرازيل إلى محور المواجهة للحرب الأميركية – الإسرائيلية بشكل علني وحاسم.

خطاب دا سيلفا أثناء مشاركته في قمّة «الاتحاد الأفريقي» في أديس أبابا، نزل كالصاعقة على إسرائيل، كونه تخطّى كل مواقف الإدانة العربية والدولية، فيما كان انتقاء العبارات مدوّياً في الشكل والمضمون. فهو تحدث عن مجزرة لا شبيه لها في التاريخ، متعجّباً من تحمّل الضمير العالمي تصرّفات جيش كامل التجهيز، وهو يحارب الأطفال والشيوخ ويمنع عنهم المساعدات، واصفاً إحجام الدول عن دعم الفلسطينيين، بـ»المخجل والمؤسف». لكن دا سيلفا لم يكتفِ بإطلاق المواقف فحسب، بل ذهب إلى الإعلان عن نيّة بلاده الاعتراف رسميّاً بفلسطين كدولة كاملة العضوية والسيادة في الأمم المتحدة.

يدرك دا سيلفا جيداً أن هذا الموقف قد يكون مكلفاً على المستويَين الداخلي والخارجي

 

على أن الموقف البرازيلي لم يثر جنون الإسرائيليين فحسب، بل أحرج معظم الدول المتواطئة على الفلسطينيين، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و»الجامعة العربية». وفي ردّ الفعل الإسرائيلي الأوّلي، دان رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تصريحات دا سيلفا، معتبراً أنها «مهينة ومخجلة»، وأنها «شيطنت الدولة اليهودية»، واصفاً أيضاً نيّة البرازيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، بأنه «مكافأة للإرهاب». بدوره، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، استدعاء السفير البرازيلي في تل أبيب، فريدريكو ماير، وتحويل اللقاء من وزارة الخارجية إلى متحف «الهولوكوست» في القدس، في إشارة استفزازية إلى الرئيس البرازيلي، فيما قال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية إن «بلاده» لن تسامح أو تنسى كلام دا سيلفا، واصفاً الأخير بأنه «شخص غير مرغوب فيه حتى يعتذر». كما وصف الاتحاد البرازيلي – الإسرائيلي، والذي يُعدّ من أقوى اللوبيات في البرازيل، تصريحات الرئيس البرازيلي بأنها «تشويه ضارّ للواقع»، على اعتبار أنها «تسيء إلى ذكرى ضحايا المحرقة وأحفادهم». وقوبل ردّ الفعل الإسرائيلي العنيف، بيان أصدرته وزارة الخارجية البرازيلية، لفتت فيه إلى أن الحكومة البرازيلية دانت هجمات السابع من أكتوبر، لكن «لا يمكن الصمت أمام الممارسات الإسرائيلية التي خرقت القانون الدولي»، مضيفاً أن برازيليا تنتظر «تعامل إسرائيل مع سفيرها لاتّخاذ الموقف المناسب». وبالفعل، استدعى الرئيس البرازيلي، أمس، سفيره لدى إسرائيل، للتشاور، فيما قالت «القناة 13» العبرية، إن البرازيل طردت السفير الإسرائيلي لديها.

على الصعيد الداخلي، يقود اليمين المتطرّف حملةً عنيفة وصفها محامي الرئيس السابق، بولسونارو، بـ»الحرب المقدّسة» التي ستتكاتف فيها القوى المعارضة داخل البرلمان لمحاسبة دا سيلفا، فيما أعلنت النائبة اليمينية المتطرّفة، بيا كيسيس، الأحد، أنها ستتقدّم بطلب لعزل الرئيس العمّالي، بحجّة تعريض البرازيل لخطر الحرب. كما شملت أصوات الإدانة بعض نواب التحالف الحكومي، وعلى رأسهم النائبة تاباتا أمارال، التي رفضت المقارنة بين ما تفعله إسرائيل والمحرقة النازية، معتبرة أن هناك حاجة إلى وقف إطلاق النار، لكن التعابير التي استخدمت لا تراعي هذه الأهداف. من جهته، غرد النائب إدواردو بولسنارو (نجل الرئيس السابق جايير بولسنارو) بالعبرية، تضامناً مع إسرائيل واستنكاراً لما قاله دا سيلفا. كذلك، استغلّ «الحزب الليبرالي»، مواقف الرئيس البرازيلي، للدفاع عن الرئيس السابق الذي يواجه تهماً قضائية خطيرة، إذ بدأ بحالة تعبئة عامة طاولت وسائل التواصل الاجتماعي والمؤسسات الدينية، وخصوصاً الإنجيلية منها، كونها تروّج لنظريات عقائدية تربط انتصار إسرائيل بظهور السيد المسيح. وكان لافتاً أيضاً حضور القاضي في «المحكمة العليا»، أندري مندوسا، في قداس إنجيلي، حيث انتقد بشدّة تصريحات الرئيس البرازيلي، في ظاهرة غير مألوفة على مستوى القضاء المحلّي.

يدرك دا سيلفا جيداً أن هذا الموقف قد يكون مكلفاً على المستويَين الداخلي والخارجي، لكنه بات مقتنعاً بأن النفاق السياسي للغرب لم يَعد يخدم «السلام العالمي»، وأن الوقوف في وجه الإبادة الإسرائيلية يشكّل حماية للأمن القومي والاقتصادي البرازيلي، الذي يتأثّر بشكل مباشر جرّاء هذه الحرب الوحشية، وأن سجل البرازيل الحديث في حقوق الإنسان والدفاع عن المقهورين بات لا يَحتمل توصيفاً أقلّ ممّا قيل؛ فالرئيس الذي أقسم على حماية الدستور، ملزمٌ باحترامه. لذلك، فإن هذا الموقف يأتي ضمن حفظ مصالح البلاد واحترام قيمها الأخلاقية، من دون الأخذ في الحسبان الارتدادات الداخلية التي قد تحاول إعاقة مشروع الرئيس التنموي، الذي بات يحوز تأييد أغلبية شعبية ويؤسّس لمرحلة سياسية متينة لا تهزّها العواصف السياسية ولا الحروب الدينية.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

غزة وحراك الجامعات الامريكية: الشعوب تتحد وتنهض لوأد العالم الانجلو ساكسوني.

  ميخائيل عوض تطورت تشكيلات الوحدات الاجتماعية للبشرية ارتقاء من الجماعات البدائية في المشاعيات الى العائلات والقبائل والشعوب وتحققت في عقود اممية حقبتين حضاريتين ارتقت ...