آخر الأخبار
الرئيسية » إقتصاد و صناعة » فرنسا: الدين العام يتجاوز عتبة الـ 3 تريليون يورو.. وديون مُتفاقمة واحتجاجات مُستمرّة وشُكوكٌ اقتصادية تلوح في الأفق.. هل تُواجه البلاد الانهيار؟

فرنسا: الدين العام يتجاوز عتبة الـ 3 تريليون يورو.. وديون مُتفاقمة واحتجاجات مُستمرّة وشُكوكٌ اقتصادية تلوح في الأفق.. هل تُواجه البلاد الانهيار؟

هل سبق لك أن تساءلت عن دور فرنسا في الاقتصاد العالمي وتأثيرها التجاري العالمي؟ هل تعتقد أنها تلعب دورًا مهمًا في تشكيل السياسات الاقتصادية العالمية؟ إذا كنت تتساءل عن ذلك، فأنت بالتأكيد لست وحدك. فرنسا، بلد يحظى بتاريخ ثري وثقافة فريدة، يشغل مكانة بارزة في الشأن العالمي، ولاسيما في المجال الاقتصادي.

هل فرنسا تمتلك القوة الاقتصادية لتحقيق التفوق العالمي؟ هل تعتبر فرنسا واحدة من أكبر اللاعبين في ساحة العولمة الاقتصادية؟ وكيف تتعامل فرنسا مع التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة؟ سؤالٌ يثير الجدل ويستحق التحليل العميق.

فرنسا، بوصفها إحدى الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي وعضواً في مجموعة السبع الكبرى، تتمتع بموقع استراتيجي هام في الساحة الاقتصادية العالمية، حيث تُعد فرنسا من أكبر الاقتصادات في العالم، مع اقتصاد قوي ومتنوع، و تعتبر صناعة السيارات والطيران والصناعات الدفاعية والزراعة من بين أهم قطاعاتها الاقتصادية، إلا أنه يُشير البعض إلى أن هناك تحديات اقتصادية تواجهها فرنسا، مثل التضخم المرتفع والبطالة المستمرة وعجز الميزانية.

بالإضافة إلى ذلك، تثار التساؤلات حول علاقة فرنسا التجارية مع بقية العالم. هل تعتبر فرنسا دولة مفتوحة اقتصاديًا وتؤيد التجارة الحرة؟ أم أن لديها سياسات حمائية تحد من التجارة الدولية؟ يشكل الاقتصاد الفرنسي قضية جدلية، حيث تظهر توجهات متناقضة فيما يتعلق بالتجارة العالمية والعولمة الاقتصادية.

 

الاقتصاد الفرنسي منذ بداية عام 2023

وفقًا للبيانات الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية، فإن الناتج المحلي الإجمالي لفرنسا قد شهد ارتفاعًا بنسبة 0.2% في الربع الأول من عام 2023، وذلك بعد استقراره في الربع الأخير من العام الماضي. يُعزى هذا التحسن جزئيًا إلى انتعاش استهلاك الأسر، الذي استقر بعد أن انخفض بنسبة 1% في الربع السابق.

وقد ساهمت البيانات التجارية الإيجابية في هذا النمو، إذ انخفضت الواردات بنسبة 0.6% بعد أن ارتفعت بنسبة 0.1% في الربع السابق، بينما ارتفعت الصادرات بنسبة 1.1% مقارنة بنمو قدره 0.9% في الربع السابق.

ومع ذلك، فإن هذه الأرقام لا تزال تثير تساؤلات حول الوضع الاقتصادي في فرنسا. هل هذا الارتفاع الطفيف في الناتج المحلي الإجمالي يشير إلى تعافٍ حقيقي للاقتصاد أم أنه مجرد ركود مؤقت؟ يظل وضع البلاد الاقتصادي متأزمًا، مع زيادة الدين العام الذي تجاوز لأول مرة عتبة الـ 3 تريليون يورو، واستمرار حدوث احتجاجات في الشوارع وارتفاع معدلات البطالة.

وكانت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد اند بورز” (أس أند بي) قررت الإبقاء على تصنيف فرنسا بدرجة “إيه إيه” دون تغيير. ويرجع هذا القرار إلى الحجج التي قدمتها الحكومة الفرنسية، تشير إلى تخفيضات في العجز المالي والإصلاحات الأخيرة لنظام التقاعد المطلوبة.

تشير الوكالة إلى أن قرارها يستند بشكل رئيسي إلى استراتيجية تعزيز الميزانية الحكومية، وتشير إلى نقاط إيجابية أخرى بجانب إصلاح نظام التقاعد، مثل خطة لإنهاء المساعدات في مجال الطاقة مع تراجع أسعار الوقود.

تعتبر درجة “إيه إيه” واحدة من أعلى فئات التصنيف وتعكس القدرة القوية على سداد الديون. وفي أوروبا، تحتل ألمانيا وهولندا مكانة الصدارة بتصنيف “إيه إيه إيه”، والذي فقدته فرنسا في عام 2012.

تستخدم وكالة “أس أند بي” نظامًا يتألف من عشرين درجة تصنيف، حيث يعتبر تصنيف “إيه إيه إيه” هو الأفضل، بينما يعتبر تصنيف “دي” يعني تخلفًا عن سداد الديون.

يتضح من هذا القرار أن فرنسا تحقق بعض التحسينات في الجوانب المالية والاقتصادية، ولكن مازالت هناك حاجة إلى المزيد من الجهود لتعزيز الاستقرار المالي وتحقيق نمو مستدام في المستقبل.

ووفقاً للبيانات الأخيرة  أيضًا أن فرنسا تواجه تحديات اقتصادية جديدة، حيث تُعدُّ الأعلى مديونيةً بين الدول ذات التصنيف “إيه إيه”. إذ يبلغ دينها العام نحو ثلاثة آلاف مليار يورو، مما يجعل الوضع الاقتصادي في حالة حرجة.

على الرغم من الجهود الحكومية للتصدي للتحديات المالية، إلا أن العجز العام ما زال يشكل قلقاً كبيراً. بعد أن بلغ 4.7 بالمئة في عام 2022، من المتوقع أن يرتفع العجز إلى 4.9 بالمئة هذا العام، ومن ثم يتراجع تدريجياً اعتباراً من عام 2024. ومع ذلك، يبدو أن هذه التقديرات لم ترضِ الوكالة الائتمانية “ستاندرد آند بورز”، حيث تعتبر توقعاتها أكثر تشاؤماً بشأن العجز في السنوات القادمة.

إلى جانب ذلك، تتوقع الوكالة أن يكون معدل النمو الاقتصادي أقل مما كانت تتوقعه الحكومة الفرنسية. حيث تتوقع “أس أند بي” أن يرتفع النمو بنسبة 1.2 بالمئة في المتوسط بين عامي 2023 و2026، بينما كانت التوقعات السابقة تشير إلى 1.5 بالمئة.

تبدو المخاوف الحكومية من خفض تصنيف الائتمان للدولة وارتفاع أسعار الفائدة هي الأسباب الرئيسية وراء هذه التقديرات الحذرة. فالاقتراض يمثل تحدياً بالغ الأهمية لفرنسا، وهو يتطلب توفير ضمانات إضافية لجذب المستثمرين. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن الأسواق لا تزال متفائلة .

 

 

 

التضخم في فرنسا

تأتي أحدث البيانات بشأن التضخم في فرنسا بمفاجأة إيجابية، حيث تشير إلى تباطؤ النمو في معدل التضخم إلى أدنى مستوى خلال 12 شهراً. في مايو، سجل مؤشر أسعار المستهلكين تباطؤاً معتبراً إلى 5.1 بالمئة، بالمقارنة مع 5.9 بالمئة في أبريل. هذا الرقم جاء دون توقعات المحللين التي تشير إلى تباطؤ أقل إلى 5.7 بالمئة.

على الصعيد الشهري، سجل مؤشر التضخم قراءة سالبة بنسبة 0.1 بالمئة في شهر مايو، مخالفاً التوقعات التي أشارت إلى ارتفاع بنسبة 0.3 بالمئة. يعكس هذا التباطؤ في التضخم تراجع زيادات أسعار الطاقة والغذاء.

وتعتبر هذه البيانات إيجابية للحكومة الفرنسية، حيث يعاني التضخم المرتفع من تأثير سلبي على الاقتصاد والمستهلكين. وبالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه الأرقام تحدياً للاقتصاديين والمستثمرين الذين يتابعون عن كثب تطورات التضخم ويستخدمونها في تقييم سياسات البنوك المركزية وتوجهات الأسواق المالية.

يعتبر مؤشر أسعار المستهلكين المنسق (HICP) مؤشراً مهماً لقياس التضخم في فرنسا ومنطقة اليورو بأكملها، حيث يعكس أسعار المنتجات والخدمات التي يستهلكها المستهلكون. ويُعتبر التباطؤ في معدل التضخم هذا تطوراً إيجابياً قد يساهم في تحسن الاستقرار الاقتصادي والثقة في الأسواق المالية.

 

 

البطالة في فرنسا

 

في الربع الأول من العام، استقر معدل البطالة في فرنسا عند 7.1 بالمئة، وهو أدنى مستوى له في البلاد منذ 40 عامًا، وفقًا للمعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية. عدد العاطلين عن العمل بلغ 2.2 مليون شخص، وانخفض بشكل طفيف خلال الربع الأول بمقدار سبعة آلاف شخص فقط.

وتعتبر هذه الأرقام إيجابية وتعكس الجهود المبذولة لتحقيق هدف التوظيف الكامل في فرنسا، حيث يتم الاقتراب من معدل البطالة المستهدف الذي يقترب من خمسة في المئة.

وفيما يتعلق بالشباب في الفئة العمرية من 15 إلى 24 عامًا، انخفض معدل البطالة بشكل طفيف جدًا بنسبة 0.2 نقطة، ووصل إلى 16.6 في المئة.

أما بالنسبة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 49 عامًا، فقد استقر معدل البطالة تقريبًا (-0.1 نقطة) عند 6.4 في المئة.

وشهدت فئة الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 50 عامًا أو أكثر زيادة طفيفة (+0.2 نقطة) في معدل البطالة، حيث وصلت إلى 5.2 في المئة، ولكنها لا تزال أقل من مستواها في نفس الفترة من العام السابق (-0.3 نقطة).

تعتبر هذه الأرقام إشارة إيجابية لسوق العمل الفرنسية وتعزز الاستقرار الاقتصادي والثقة في الاقتصاد الوطني.

أمثلة على بعض العلاقات التجارية لفرنسا مع بعض الدول العربية:

ـ قطر وفرنسا

منذ عام 2014 وحتى عام 2021، استمر حجم التجارة الثنائية بين قطر وفرنسا في تجاوز مليار دولار سنويًا، حيث وصل إلى حوالي 1.7 مليار دولار في عام 2021. وتشير بيانات بنك فرنسا إلى أن إجمالي الاستثمارات الفرنسية المباشرة في قطر قد زادت بشكل مستمر منذ عام 2008، حيث بلغت 1.16 مليار دولار في عام 2021. ويوجد في قطر أكثر من 120 شركة فرنسية وأكثر من 80 وكالة فرنشايز مسجلة حتى الآن.

تتمتع قطر بحضور قوي في فرنسا من خلال استثماراتها في مجموعة متنوعة من القطاعات مثل العقارات والتجزئة والنقل والتمويل والرياضة والسلع الترفيهية. تشمل هذه الاستثمارات القطاع الخاص الفرنسي بشكل واسع، بدءًا من الشركات الكبرى وصولاً إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم ذات الطابع الابتكاري.

هذا التعاون الثنائي بين قطر وفرنسا في مجالات الاستثمار والتجارة يعكس العلاقات القوية بين البلدين والتزامهما بتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري المتبادل.

ـ فرنسا والسعودية

تزايدت العلاقات التجارية والاستثمارية بين فرنسا والمملكة العربية السعودية بشكل ملحوظ. يوجد أكثر من 110 شركات فرنسية في المملكة، وتم منح 360 ترخيصًا لشركات فرنسية مملوكة بالكامل أو مشاريع مشتركة فرنسية تعمل في المملكة، وهذا يعكس زيادة تواجدها بنسبة 43٪ منذ عام 2020.

حقق حجم التجارة بين البلدين إجمالاً 12 مليار دولار في عام 2022، مسجلاً نموًا بنسبة 47٪ مقارنة بعام 2021.

تُعد المملكة العربية السعودية وجهة رئيسية للاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في المنطقة، حيث بلغ إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الفرنسي في المملكة ما يقرب من 6 مليارات دولار.

خلال الملتقى الاقتصادي بين باريس والرياض، تم توقيع 24 مذكرة تفاهم بقيمة إجمالية تبلغ نحو 2.9 مليار دولار، مما يدل على التزايد الكبير في التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

 

 

فرنسا تتخطى عتبة 3 تريليون يورو في الدين العام لأول مرة

أظهرت بيانات المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية “إنسي” أن الدين العام في فرنسا تجاوز لأول مرة عتبة 3 تريليون يورو في الربع الأول من العام، وبلغ 112.5% من إجمالي الناتج المحلي، مقارنة بـ 111.8% في نهاية عام 2022. تم تسجيل زيادة في الدين العام الفرنسي بقيمة 63.4 مليار يورو ليصل إجمالي الدين إلى 3013.4 مليار يورو في نهاية مارس.

تعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع دين الدولة بمقدار 48.6 مليار يورو في الأشهر الثلاثة الأولى من العام، بينما ارتفع دين هيئات الضمان الاجتماعي بـ 17.4 مليار يورو. ومن الجانب الآخر، انخفضت ديون هيئات الإدارة المركزية بمقدار 2.8 مليار يورو، في حين استقرت ديون الإدارات العامة المحلية إلى حد ما.

تحددت معاهدة “ماستريخت” الأوروبية في عام 1992 حدًا للدين العام للدول عند 60% من إجمالي الناتج المحلي، وتجاوزت فرنسا هذا الحد في نهاية عام 2002 ولم تنزل دونه منذ ذلك الحين. ومع ذلك، تم تعليق تطبيق هذا القيد بسبب أزمة “كوفيد-19” والتوترات الاقتصادية العالمية، ومن المقرر أن يتم إعادة تفعيل القيدان في عام 2024.

وفي إطار جهود الحكومة للتخفيف من الدين العام والعجز، تم تقديم مسار طموح في شهر أبريل يهدف إلى خفض الديون إلى 108.3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2027 والعجز إلى 2.7%، مقارنة بـ 4.7% في عام 2022 وتوقعات بلوغ 4.9% في عام 2023.

وفي النهاية في ظل الاحتجاجات التي تشهدها فرنسا ، أصبح الاقتصاد الفرنسي محط تركيز واهتمام كبيرين. يُعد الدين العام الذي تجاوز لأول مرة عتبة الـ 3 تريليون يورو مصدر قلق للكثيرين، فضلاً عن التأثيرات السلبية التي ترتبط بالاحتجاجات آلان.

وتواجه فرنسا تحديات اقتصادية كبيرة، ومن أهمها تعافي الاقتصاد بعد أزمة “كوفيد-19” التي أثرت بشدة على الاقتصاد العالمي. تتطلع الحكومة إلى تنفيذ سياسات اقتصادية جديدة ومبتكرة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين الوضع المالي.

تعكس الاحتجاجات الجارية في فرنسا توترات اقتصادية واجتماعية عميقة. يطالب المحتجون بإصلاحات جذرية في النظام الاقتصادي والاجتماعي، وتوفير فرص عمل أفضل، وتقليص الفجوة بين الطبقات الاقتصادية. إن سماع أصوات المحتجين يجعل الحكومة والمسؤولين يدركون أهمية التصدي لهذه التحديات بجدية واحترام تطلعات المجتمع.

من الضروري أن تعمل الحكومة الفرنسية بشكل دؤوب على تنفيذ إصلاحات هيكلية وتعزيز الاستثمارات وتحفيز الابتكار. على المستوى الدولي، يمكن أن تكون التعاون مع الدول الأخرى فرصة لتعزيز التجارة وتحقيق التقدم الاقتصادي.

 

 

سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خبير اقتصادي يقترح الانتقال من برامج الدعم المتفرقة إلى الاستراتيجية الوطنية للدعم التي تشكل الطريقة المثلى

هل تجدي نفعاً سياسات وبرامج الدعم المتبعة حالياً في ظل عدم الاستقرار الذي يعاني منه الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ارتفاع معدل التضخم بنسب كبيرة، كما ...