آخر الأخبار
الرئيسية » إدارة وأبحاث ومبادرات » «لكي لا تكون القيادة استبداداً»

«لكي لا تكون القيادة استبداداً»

 

رأي حسين قاسم

 

خالد الحسن (أبو السّعيد) غنيٌّ عن التعريف؛ فهو من أكثر القادة الفلسطينيين ثقافةً وصاحب فكرٍ مُميّز. أسهم في تأسيس «حزب التحرير» الإسلامي، وكان من الرعيل الأول في «فتح» ومنظمة التحرير، واتَّسَمَ بجرأة طرح أفكاره الجدلية وغير الشعبية، وكان ينتهج «الواقعية السياسية» بحسب فهمه لها. مثالاً على هذا، اقترح في عام 1985 تشكيل حكومة منفى لتكون قادرة على التفاوض مع «إسرائيل» والمطالبة بوضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت حماية الأمم المتحدة. وكان يتفق مع ياسر عرفات بشأن أغلب المشاريع السياسية المطروحة، إلّا أنّه كما بدا من كتابه «لكي لا تكون القيادة استبداداً- من حصاد تجربتي» كان على خلاف معه بخصوص إدارته للحركة الوطنيّة وممارساته. وقد يكون نمط القيادة في «فتح» ومنظمة التحرير دفعه أخيراً لمعارضة سياسة «الزعيم»، وبالذّات عندما انتهج مسار أوسلو. انتقد سوء إدارة المفاوضات، واعتبر أن «أوسلو» لا يمكن أن تحقّق الدولة المستقلة وأن تعيد اللاجئين. وظهرت واقعيّته السياسية مخالفة لتلك التي عند القيادة الحاكمة.

 

عمل الحسن على مسودة الكتاب المذكور وهو في المستشفى، وأجاز نشره قبل وفاته بأسبوعين بعد أن كان قد أحجم عن ذلك لفترة طويلة. ويذكر د. سعيد الحسن، في تقديمه لكتاب أبيه، أنّ المسودة الأولى كانت قد أُعِدّت قبل عقدٍ من الزّمن، وأنّ أباه لم يُقْدِم على إصداره «خشيةً من انعكاس ذلك سلباً على مسيرة العمل الوطني الفلسطيني، ومن إساءة للفهم للقصد من ورائه». لذلك، يمكن اعتبار هذا العمل بمثابة وصيّة لمن يبقى بعده. وعلى الرغم من الاختلاف معه في المواقف والمشاريع السياسية التي تبنّاها، إلّا أن الباحث الموضوعي لا يسعه إلّا أن يقدّر العديد من مساهماته الفكرية، وبالذات الكتاب الذي بين يدينا والذي للأسف لم يلْقَ حقه من الانتشار.

ad

 

 

القيادة بنظر أبي السّعيد

يُعرِّفُ خالد الحسن القيادة بأنّها «القدرة على توحيد الجماهير حول هدفٍ أو قضية، ومن ثمّ، هي القدرة على تنظيم وتحريك هذه الجماهير، بما يحرك طاقاتها النضالية لتحقيق الأهداف، التي تجسد مصالحها وآمالها». وفي مكانٍ آخر يقول «القيادة قرار، تتخذه لجلب مصلحة، أو درء مفسدة». كما يعتبر أنّ «القيادة هي في نهاية الأمر اتخاذ القرار الصحيح، في الوقت المناسب، لتحقيق الهدف المطلوب من القرار».

من جهتي، أتبنى تعريفاً أكاديميّاً مختلفاً يقول إن «القيادة هي عملية (process) يقوم بها فرد (القائد) للتأثير في مجموعة أفراد (الحزب ومناصريه) لتحقيق هدفٍ مشترك». أجدُ هذا التعريف أدقّ وأشمل من الذي أورده الحسن. فاعتبار القيادة قدرةً لا يفي بالحاجة لأن القدرة طاقة كامنة وتحتاج إلى مفعّلٍ مناسبٍ في سياق عمليةٍ متكاملة العناصر لتحقيق الأهداف المرسومة. وهذا ما يتناسب، بخلاف تعريفه، إذ يشرح الحسن، في متن الكتاب، عمليّات التخطيط وآلية اتخاذ القرارات والتنفيذ والتنظيم ومواصفات الأفراد المعنيّين بها، وفي المحصلة، التأثير في الواقع لتحقيق الهدف، الذي يشكّل مدى تحقيقه مقياساً لنجاح القيادة أو فشلها.

ad

 

 

القائد بنظر أبي السعيد

«القائد الحقيقي هو الذي يُشرك الناس معه قدر ما يتطلّب الفعل من إشراك، سواء بجهدهم أو بفكرهم أو عقولهم، وهو الذي يمارس ما يتطلّبه موقع القيادة من صلاحيات، دونما مصادرة لصلاحيات مواقع الآخرين» (ص 12). وهو الذي «يعمل من أجل مصلحة الناس وليس مصلحته هو، لتكون مصلحة المجموع هي التي تمثّل مركز تنبُّهِهِ العقلي والمعنوي» (ص 15).

يعتبر الحسن أنّ من أهم مهام القائد، هي المساهمة المميّزة في اتخاذ القرارات الصائبة وفق المبادئ والأهداف المتفق عليها. وتظهر صوابية القرار، توقيتاً وتنفيذاً وأداءً، من خلال النتائج المُحقّقة في الواقع. فالقائد الحقيقي يستمد شرعيته من صوابية قراراته ويُحافظ عليها بالمحافظة على صوابية القرارات في كل مرحلة من المراحل. أمّا «حين يتكرّر التمسّك بالخطأ، ويتكرّر عدم العودة عنه، ويصبح ذلك نمطَ سلوك، فإن الحركة أو الحزب، يتجه نحو الانحدار السريع» (ص 30) وبالتالي يفقد القائد مبرّر وجوده في موقعه.

ad

 

يضيف الحسن أن «القائد هو الذي لا يرى أن القيادة هي مجرد الوصول إلى موقع السلطة والاحتكار التدريجي لها» (ص 12)، وأنّه «لا يجوز للقائد العاقل، أن يكون عقله المتفوّق (إن كان متفوّقاً)، مدخلاً للعربدة والديكتاتورية والاستبداد الرزين أو الأرعن، أو للإحساس بالعظمة والتفوّق، اللذان يدفعان به إلى الاعتقاد بأنه وحده كلّ شيء، وإلى إلغاء كل شيء حوله» (ص11).

 

ما الذي يجعل القيادة مستبدّة؟

يظهر الاستبداد عندما «يكون القائد العام كلّ شيء، وأن تكون الهيئة القيادية غطاءً له»، وعندما «يتساهل زملاء القائد في القيادة تجاه تفرُّده واستبداده». ومن مؤشّرات النزعة الاستبدادية أن يعمل القائد «على احتكار المعلومات لنفسه، باعتبارها مصدر قوة، فيمنعها عن مؤسسة اتخاذ القرار، ويمرّر منها ما يساعده فقط، على أخذ موافقة المؤسسة، على اتخاذ القرار الذي يريده هو، فتتخذه القيادة المضللة اتخاذاً شكلياً، بينما يكون هو الذي اتخذه فعليّاً، قبل صدوره وإقراره» (ص18).

ad

 

ومن شروط الاستبداد وجود البطانة السيئة والاستزلام. والاستزلام، بنظر الحسن، نوع من العبودية، وهو يرى أن القائد الذي يستزلم الآخرين مصابٌ بلوثة العبودية فيقول إن «شيوع الاستزلام في التنظيم، هو شيوعٌ للعبودية على مستوى القيادة، وما دونها، وهذا يعني حُكماً: الفشل، لأن المُستعبدين لا يقودون أحراراً» (ص 76). ويضيف، أنّ القائد الذي «يبحث عن الولاء، لشخصه وذاته، ليقرّب من يواليه، ويبعد غيره، بما يؤدي أن لا يبقى حول مثل هذا القائد، إلا السفهاء، والمنافقين، والانتهازيين، والسطحيين، فيفشل ولو كان ذكيّاً» (ص 33).

 

وصية الحسن

«إن خلاصة تجربتي تجعلني أرى، أن منْعَ تواجد الاستبداد والتفرّد… وأن مواجهته عندما يوجد، هو المفتاح لاستمرارية النضال كمّاً ونوعاً، والبعد به عن شيخوخة القيادة. وإذا كان قانون الحب والتكافل، قد ربط ووثّق العلاقات النضالية الشخصية، بين أعضاء حركة الفتح، فإن منهجية الاستبداد والتفرّد، تعطّل هذا القانون، وتدفع بالحركة إلى التراجع. وهذا لعمري أكبر استهتار وجحود يُمارس تجاه آلاف شهداء أمتنا، وتجاه أهلنا الفلسطينيين، وأبناء حركة الفتح الرائدة المعطاءة».

ad

 

 

خاتمة

آثر الحسن عدم ذكر أيٍّ من الأسماء القيادية، ولا أعتقد أنه كان بحاجة إلى ذلك، لأن الوصف الذي قدّمه كان دقيقاً للغاية بحيث يُمكِن لأي قارئٍ ملمٍّ بالوضع الفلسطيني أن يضع الرسم التشبيهي الدّقيق للقائد المقصود.

يبدو أن مرض الاستبداد كان خُلُقِيّاً، إذ يقول سعيد الحسن في مقدمة الكتاب: «لقد استشرت أمراض القيادة في فتح سريعاً، فمن جهة كانت هناك سريّة شبه المطلقة ومن جهة أخرى علنية مفرطة من دون ضوابط والانفلاش ممّا دفع أبو يوسف النجّار إلى التفكير جديّاً وقبل أسابيع من استشهاده في الانسحاب من الحركة».

وإذا كان أبو يوسف قد استشهد عام 1973، وإذا كانت هذه الأمراض موجودة في طفولة الثورة، فلا غرابة في أن يصبح اليوم هذا الورم السرطاني خارج السيطرة.

ad

 

وأخيراً، لا بد من أن أتساءل لماذا لم يأتِ الحسن على ذكر المصادر المالية لمنظمة التحرير للفصائل، التي كانت راضية عن طريقة التحكّم بالمالية وإدارتها؟ فالمال هو من أهم أدوات السيطرة والاستبداد. أمّا التساؤل الآخر فهو: مع كل هذا الفكر المستنير والفهم العميق لحال القيادة الفلسطينية، أين كان أعضاء القيادة الآخرون بمن فيهم صاحب هذا الفكر الذي وضع شرطاً لتمكّن المستبد من استبداده يتجسّد في تساهل أعضاء القيادة تجاه استبداده؟

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

واقع العمل الوظيفي الحكومي وتحديد هوية الوظيفة العامة في ختام أعمال ملتقى قانون الخدمة العامة

ناقش المشاركون في الملتقى الحواري الموسع لقانون الخدمة العامة بختام أعماله اليوم ربط سلالم الأجور بالمسلك الوظيفي للعاملين في الدولة، وفتح سقف الأجور، وإعادة النظر ...