آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » مزمارُ الحيِّ، و جدليّةُ الإِطراب

مزمارُ الحيِّ، و جدليّةُ الإِطراب

بقلم: ميرفت أحمد علي

عنَّ على بالي ـ أنا العبدة الفقيرة لله ـ أن أشحذَ ذهني و أجنِّدَ قلمي ـــ في مرحلةٍ ولَّتْ من عمري ــ لتصيُّدِ الأجودِ و الأنفسِ و الأكنزِ من إصداراتِ المبدعينَ السوريين؛ فلطالما أَطربني شَدْوُهم على غيرِ فننٍ من أفنانِ الإبداع، و ذلكَ الجوى و الشجنُ اللذانِ تفيضُ بهما جوارحُهم، و يسيلُ مِن أنَوَاتِهم كشهدِ العسلِ المصفَّى في أبهى مساكبِ الشِّعر ، و أعتقِ خابياتِ النثرِ بفنونهِ المُتمايزةِ، الحداثيةِ و الكلاسيكيةِ، و المطعَّمةِ بهذا و بذاك؟ و في الزمنِ (العنَّانِ) إيَّاه، استقطعتُ وقتاً غيرَ قصير، و بذلتُ جهداً غيرَ يسير لدراسةِ بعضِ الإصداراتِ لمبدعينَ راسخي القلمِ و اللقبِ، و لآخرينَ في طوْرِ البحثِ عن موطئِ حرفٍ بينَ الزَّحامِ المستعرِ، و في أجواءٍ تنافسيةٍ محتدمةٍ شهدتْ بعضَ تَعالٍ و استخفافٍ، بل تحييدٍ للجيلِ الصاعدِ، و أعني بها فترةَ التسعينات. يومَها كتبتُ مقالاً في رواية خلَّابة، لكاتبةٍ على قدْرٍ منَ النَّجابة. و لدى استطلاعِ رأيها الكريم، قالتْ بغيظٍ كظيم: أشكركِ يا أختاه، لكنَّ زوجي يغار، أترينَ منَ الصواب أن يُطلِّقني بسببِ مقالةٍ كلُّها مدح، و ما بها من قَدح؟. أجبتُ معتذرةً: لا أَرتضيها لكِ و حقّ معزَّتكِ، و لكن قُضيَ الأمر. و لن أثقلَ كاهلكِ بمذمَّة جديدة مِن زوجٍ غيُّور على امرأةٍ في العقدِ السادس! و أصدرَ شاعرٌ ميمون، ديواناً من فصيلةِ المقفَّى الموزون. امتازَ بترفِ الصورة، و بحُسنِ تمثُّلِ الأسطورة، فكتبتُ مقالاً مديداً، و رأياً حَسِبتهُ رشيداً، فاستحسنَ أخونا المقالةَ الرائقةَ البهيَّة، و لم يستحسنِ البِطانةَ و النيَّة؛ فدعاني إلى مغازلةٍ صريحة، و إلى طلبِ ودِّهِ بطريقةٍ مُريحة، تكفيني مشقَّةَ الكتابةِ و اعتصارِ الذهن، و تُسكنني في صمصامِ قلبهِ دونَما إِذن. غادرتُ أخانا المأفون، و أنا أردِّد: (الجُنون فُنون)، و شرُّ البليَّةِ النرجسيّون الواهِمون. و فازتْ قاصَّةٌ فتيَّة، بجائزةٍ محليّةٍ سَنِيَّة، فأهملتْها الأقلام، و تخطَّاها الإعلام، و كتبتُ فيها ما لا أُعابُ عليه و لا أُلام؛ فحظيتُ بتقريعٍ نظيف، مِن والدِها المَصونِ العفيف، و قد حمَّلَ مقالي ما لا يحتملُ من عواقبَ كأداء، ستُبقي كريمَته ـ لبعضِ الوقتِ ـ عانسةً عزباء، إلى أن (يقضيَ اللهُ أمراً كانَ مفعولا)، و يصنعَ بها ما يشاء! فانصرفتُ عن الفتاةِ و أبيها بغيرِ أسف، إلا على سُلطانِ الوقتْ، الذي بدَّدْتُهُ بالبَغضِ و بالمقتْ! تلكَ حالُ حارتِنا و حيِّنا، و عامريهِ و شاغليهِ و آهليهِ ليسَ من زمنٍ موغلٍ في النأيِ، بل مِن وقتٍ قريب؛ فما عادَ طبَّالُ الحارةِ و زمَّارُها، و لا مُطربوها و لا راقصوها و لا مهرِّجوها و لا مَجانينُها و لا عقلاؤُها و لا قدِّيسوها و لا شياطينُها الرجيمة، و لا ملائكتُها الرحيمة، و لا مُبدعوها بقادرينَ على بثِّ الروحِ في الخواءِ الصنميِّ المُستفحلِ لدينا، و في تبديدِ البلادةِ السائدةِ تجاهَ الآخرِ، المتشابهِ، ابنِ الجِلدَةِ، و العُروةِ الوُثقى، و القرابةِ منَ الدرجةِ الأولى: درجةِ الجنسيَّةِ، و الهويَّةِ الإبداعيةِ و الوطنيةِ معاً. و إذا وفدَ غريبُ الدار، أَشرعْنا له عتَباتِ الديار، و صفَّيْنا النوايا، و أَذَعنا الأسرار، و طُربْنا لِنعيقهِ و لِنقيقهِ و لِخوارهِ و لِنهيقهِ و حتى لِفحيحه، و لو جاءَنا مِن أربعةِ أقطارِ المعمورةِ، ظنَّاً منَّا بأنَّا وقعْنا أخيراً على كنزِ (علي بابا)، الذي سيفتحُ لنا إلى النجوميةِ و العالميةِ باباً ثمَّ باباً ثمَّ بابا؟ فمَنِ المُذنبُ فيما آلَ إليهِ حالُ طبَّالِ الحارةِ و زمَّارِها؟

(سيرياهوم نيوز28-2-2022)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خلاصة خبرة وزير (سابق)..؟!

  سلمان عيسى يضع وزير سابق يوميا تقريبا، خلاصة خبرته في تفنيد اساليب التجار والمستوردين .. فهو اليوم يحذر من انخفاض اسعار البطاطا المنتجة محليا ...