آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » مضمار الأسئلة

مضمار الأسئلة

بقلم:غسان كامل ونوس
تواجهك في مساراتك الأدبيّة- وحياتك العامّة- أسئلة قديمة، تتجدّد؛ وهي في معظمها طبيعيّة ومنطقيّة، وربّما بدهيّة.. لكنّك ربّما لم تفكّر في بعضها، وقد لا تنتظره؛ لأنّ خطواتك الأولى في هذه الدروب الشائقة الشائكة، لم تكن مدروسة، ولا مبرمجة؛ وهي اعتمدت على المتيسّر، والمتوافر، والممكن الوصول إليه برغبة وسعي ولهفة؛ ابتداء من النصوص الأدبيّة في المناهج الدراسيّة، وما يُتداول في أحيازك الضيّقة، من حكايا وسير و”تغريبة” و”ليالٍ من ألف ليلة”، وكتب أخرى؛ قبل أن تأتي على ما في المكتبة العامّة في المدينة الأقرب في مرحلة ثانويّة، وتتابع ما في “بعض الدوريّات” المنوّعة والمتخصّصة، وتراسلها بعدئذ؛ إضافة إلى برامج إذاعيّة معنيّة.. كلّ ذلك، قبل أن صرت تشارك في نشاطات منبريّة؛ فهل كان لخياراتك دور رئيس في هذا؟! لقد كنت تستمع إلى أفكار عابرة، ونصائح عامّة، وآراء سريعة من قريب- وهم قلّة: أساتذة لغة، وآخرون سبقوك في هذا المسار- أو بعيد؛ ممّن تنظر إليهم نجوماً، تنفعل، وأنت تقرأ لهم، وتضطرب وأنت تتقرّى نصائحهم؛ مكتوبة أو مسموعة؛ فكيف يمكن أن تصل إلى أبراجهم! فماذا تقول الآن- وربّما صار ينظر إليك من بعض؛ كما كنت تنظر إلى أولئك، وكلامك مسموع، ربّما، ويفترض أن يكون محسوباً- لدى من يسألك عن “وصفة” أدبيّة جاهزة لمن يريد أن يصبح أديباً؟!
أنت لم تقرأ -في البداية- لأديب بعينه، ولم تتعمّق في جنس أدبيّ بذاته، ولا في موضوعات محدّدة، ولم تختر الكتب العربيّة أو المترجمة.. لقد قرأت ما صادفت من منشورات، وفي أيّ مجال أو ميدان أو شكل.. واهتممت بما وراء الأدب، أو معه؛ متواشجاً، أو متقاطعاً، أو مترافقاً، من أساطير وعلوم حيويّة أو كونيّة؛ واهتممت بما حولك من فصول حياة، وقلقت، وتلهّفت، وتساءلت؛ فهل كان هذا التنوّع- المتاح- سرّاً من أسرار ما وصلت إليه؟! وهل يمكن إرضاء السائلين- أو أوليائهم- بذلك؟! وهل يجدي معهم ما كان لك؟! وقد صار المتاح أكثر، وتضاعفت الإصدارات مرّات، وتكاثفت المكتشفات، وتنوّعت المصادر، حتّى صارت بين اليدين، تحت وقع الأصابع، في أجهزة صغيرة، في أيّ وقت، بعدما كان الكتاب الأثير الحامل أنفاس العابرين ولمساتهم، وأصداء انفعالاتهم، ينام على حضنك، من الألفة والرغبة والشغف..
القلق والتوق والشغف… هل يمكن تحديدها، أو وصفها، أو النصح بها؟! أم تأتي مع الشخص المسكون بالأدب، المهجوس بالأسئلة، التي لا جواب مشبعاً لها؟!
أليست اللغة سلاح المقبل على هذا الميدان، أو قارب المبحر، أو راحلة المغامر؟!
ومن دونها، ليُتّخذ مسار آخر، له أدواته وأحيازه الأخرى في الثقافة المعوّل عليها، أكثر من سواها، في محاولة الإجابة عن أسئلة لا تنتهي؛ بل تتوالد، مع كلّ مرحلة، أو محطّة، أو نتاج.
فهل الشخص الذي يختار؟! أم هناك نزوع ودوافع وظروف وبيئة؟! وقد زادت المغريات، والمتطلّبات، والأضواء في مجالات أخرى؟!
وهل يكفي كلّ هذا لتصبح أديباً ذا صوت خاصّ؟!
أراك تجيب على الأسئلة بأسئلة؛ هذا ما اعتدت على ممارسته، حتّى في كثير من نصوصك المكتوبة في أكثر من شكل؛ هل هو تهرّب، أو عجز، أم محاولة إشغال أو إشراك للسائل أو للمتلقّي، أو توريط له في هذه المغامرة الماتعة؟! برغم الأخطار والعثرات، التي لا تعدّ، وقد يكون الإهمال والإقصاء العام والخاصّ أقساها!
وبماذا تجيب عن أسئلة أخرى؟! بصرف النظر عمّا وراءها؛ وقد تعوّدتَ أن تأخذ الأمور على حسن نيّة وبراءة طويّة! ومن الطبيعيّ أنّ بعض الأسئلة، يبدو الجواب عليه بيّناً في فصول حياتك المتقلّبة، وفي ما كتبت، وأعلنت، ومارست؛ – هل لديك ما يُخجل؟!- وقد يحتاج بعض آخر إلى تجميع ملامح، وتحفيز أطياف، واسترجاع شزرات، قد لا يستطيع السائل، أو لا يجرؤ على القيام بذلك، أو لا يودّ القيام به. وبعض الأجوبة يحتاج إلى أسئلة أخرى، ويتطلّب مراجعة ذاتيّة، ومساءلة النفس؛ ربّما كان عليك أن تبادر إلى طرحها من نفسك ولنفسك، لكنّك ربّما تهرّبت منها، أو لم تجرؤ أيضاً! وهناك أسئلة يمكن أن ترى فيها استفزازاً أو انتهاكاً أو اتّهاماً أو اعتداء؛ لا عليك وحدك؛ بل على العاملين في الوسط الثقافيّ إيّاه، وإذا كانت لا تخصّك وحدك، فإنّها لا تتجاوزك، ولا تعفيك من الإجابة، أو الاستعداد لها، أو التفكير فيها..
هل المشكلة في أنّك تتلقّى أسئلة؟!
وحين لا يسألك أحد، ألا تقنط؟! فهل هذا يعني أنْ ليس لك مكان، أو حيّز، أو حضور، أو مرتسم، او منعكس، أو صدى؟! هل يشير عدم سؤالك، أنْ أليس لديك ما يستحقّ السؤال عنه أو فيه، أنْ أليست لديك إمكانيّات؛ لتوضح أو تشرح، أو تعلّل، أو تحلّل، أو تستنتج؟!
وهل هذا دقيق؟! أم أنّ في الأمر- أحياناً- غايات قاتمة؟!
 وحين تُسأل، تنسى أن تفرح، أو تغبط؛ فتنشغل بالسؤال والجواب والحالة، وقد تَشرد أو تأمل، أو تتأمّل..
إنّ لديك أشرعتك، وقرون استشعارك، ومَسابرك، وأبسطتك الطائرة، التي قد ترى نفسك من خلالها متميّزاً..
ولديك أحلامك، وأوهامك، وشطحاتك، وتجاوزاتك، التي تهرب بها، أو تداري نفسك، أو تشاغلها..
لديك أحاسيسك وتأمّلاتك، وعواطفك..
لكن أليس للآخرين مثل ما لديك؟!
أليس لديهم مجالاتهم واهتماماتهم، ودروبهم المتشعّبة، وتوجّهاتهم المتنوّعة، ودوافعهم الملحّة، وانفعالاتهم المهمّة؟!
أليسوا معنيّين مثلك بالإجابة عن الأسئلة المصيريّة؟!
أليس فيهم من يعاني مثلك، ويسائل، ويحاجج، ويراجح، ويفاضل؟!
ولا سيّما في محطّات ومفارق وطوارئ…
ألا يعزّيك هذا؟! فلستَ الوحيد في الحلبة! ألا يواسيك أنّ الأسئلة تواجهك أنت مع البشريّة كلّها؟! وتحتّم عليكم فرض عين- حتّى لو كان فرض كفاية- الانشغال بالبحث عن المسوّغ والمصير والمآل؟!
وليست القضيّة في ما تتعرّض له من أسئلة، فحسب؛ فماذا عن الأسئلة التي لم تفارقك، ولا تنوس أو تتلاشى؛ فتستزيد منها في مختلف السموت والمتون والفضاءات..
إنّ كثيراً من الأسئلة تراودك، تهدهدها توقاً ومشاغلة ومواربة، وأسئلة أخرى تلحّ عليك، مواكبة ومسابقة، وأخرى تنتظرك على أيّ مفترق، أو مفازة، أو في ثنيّات المضمار، آن تتعب أعصابك، أو يحوم الشكّ، أو يرقص الآل.. فتهجس بالغاية أو بالجدوى!
كنت تقول، وتقول مجدّداً: مهمّ أن تُطرح الأسئلة، وأهمّيّة المرء بالأسئلة التي يطرحها، أكثر منه بالإجابات التي ينتظر!
 لكنّ بعض الناس أعيته الأسئلة؛ كما أعيتك، ويريد أملاً أو كوّة، في نفق أو إشارة، أو ملمح.. وقد لا ينتظر، لا يستطيع، وليس لديه وقت، أو عمر، أو نفَس، أو احتمال…
 القلق يتضاعف، والخطر يتفاقم، والأسئلة تتقارس..
لكنّ الرغبة ما تزال، والشغف في توفّزه…
   وما تزال الرحلة في حيويّتها؛ فهل من خلاص؟!
(سيرياهوم نيوز-الاسبوع الادبي20-3-2021)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

محمد عبده يكشف عن تجربته في مواجهة سرطان البروستاتا وتحسن حالته الصحية

المطرب السعودي الشهير محمد عبده يروي تجربته الشخصية في مواجهة مرض سرطان البروستاتا، حيث كشف عن خضوعه لبرنامج علاج مكثف أدى إلى تحسن كبير في ...