الرئيسية » يومياً ... 100% » هل زادت الحكومة الرواتب والأجور أم خفّضتها بنسبة 100 %.. ؟!!

هل زادت الحكومة الرواتب والأجور أم خفّضتها بنسبة 100 %.. ؟!!

 

| علي عبود

 

من الملفت أن يرى أحد المحللين الإقتصاديين أن “الزيادة على الرواتب والأجور تأتي بهدف رفع القدرة الشرائية في ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار في الأسواق، فعلى الرغم من عدم وصول نسبة الزيادة لطموحات أصحاب الدخل المحدود إلّا أن هذه الزيادة بنسبتها المتميزة تشكل تحولاً إيجابياً في المسار الاقتصادي..“!!

لم يكشف لنا هذا “المحلل“، وهناك كثر من أمثاله، لماذا هذه الزيادة متميزة، وكم ستشتري من مواد وسلع جديدة أكثر مما كان يشتريه الراتب السابق؟

من السذاجة المفرطة وصف الزيادة “الورقية“ بنسبة 100 % انها “تُشكل تحولا إيجابيا في المسار الاقتصادي“، والسؤال: أين هذا التحول في المسار الاقتصادي؟

ويبدو أن الكثير من المحللين لايقرؤون لأساتذة الاقتصاد وخاصة لمن تتلمذوا على أيديهم كأستاذ السياسات المالية والنقدية في جامعة دمشق الدكتور إلياس نجمة، فهو من ابرز من يقرأ الوضع الاقتصادي، ويدق دائما جرس الإنذار من النتائج الكارثية للقرارات الحكومية اللامدروسة، وقالها مباشرة للحكومة “إنّ اللجوء لإرضاء الناس برفع الرواتب للتغطية على قضية رفع الدعم اسلوب بدائي , فالقضية ليست نقدية فقط بل اقتصادية واجتماعية وآثار رفع الدعم واسقاطاتها متنوعة وخطيرة وفقا للفئات الاجتماعية المتنوعة وخصوصا الدعم المتصل بوظائف الدولة الأساسية التي استقرعليها النظام العام والفقه المالي الحكومي منذ عشرات السنين والمتصلة بالتعليم والصحة والأمن والعدل“.

واختصر الدكتور نجمة انعكاس القرارات الحكومية الأخيرة التي “زلزلت“ حياة ملايين السوريين بالقول: في ظل ما يعاني منه الناس من ضغوط معيشة .. هم بحاجة لمن يأخذ قرارات “تريحهم ” لاتزيدهم فقراً“!

قلناها سابقا ونكررها مجددا: الزيادة الفعلية تزيد القدرة الشرائية للعاملين بأجر حتى لو كانت نسبتها لاتتجاوز 10 %، أما الزيادة الوهمية فإنها تُخفض القدرة الشرائية ولو كانت نسبتها الف بالمائة!!

حسنا، لنسأل بالعقل والوقائع الملموسة: هل زادت الحكومة فعلا الرواتب والأجور بنسبة 100%؟

لن نقارن القدرة الشرائية للرواتب والأجور بمثيلتها في عام 2011 حيث كان الحد الأدنى للأجور لاتقل قدرته الشرائية عن 208 دولارات، بل سنقارنها برواتب وأجور عام 2021، أي في العام الذي لم يكن دخل ملايين الأسر يكفيها لتأمين مادون الحد الأدنى من مستلزمات عيشها الكريم.

بعد تعديل سعر الصرف بتاريخ 15/4/2021 من 1256 ليرة إلى 2512 ليرة انخفضت القدرة الشرائية لراتب الحد الأدنى للأجور إلى 37 دولارا، وإلى 52 دولارا لمن بلغ السقف!

وبغض النظر عن القرارات الحكومية اللاحقة بتخفيض الأجور، فإن المنطق الاقتصادي يقول إن الزيادة بنسبة 100 % على الرواتب والأجور تعني حكما ان راتب الحد الأدنى وكان يساوي 37 دولارا بالسعر الرسمي بتاريخ مباشرة الحكومة الحالية لمهامها يجب أن يرتفع إلى 74 دولارا، وأن يرتفع راتب من بلغ السقف إلى 104 دولارات، فهل هذا ماحققته الزيادة الأخيرة فعلا؟

الغضب الشعبي من الإرتفاع الجنوني للأسعار، بعد القرارات الأخيرة لزيادة أسعار المحروقات يؤكد إن القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر إنخفضت بمستويات لايمكن وصفها سوى بالكارثية!

وبما إن “المياه تُكذّب الغطاس“ كما يُقال، فإن الأرقام أيضا تكشف فيما إذا كانت الزيادة على الرواتب بنسبة 100 % فعلية أم وهمية؟

حسب التعديل الأخير لسعر الصرف الجديد الصادر عن المصرف المركزي بتاريخ 24/7/2023 وهو 8542 ليرة فإن القدرة الشرائية للحد الأدنى للراتب بعد الزيادة وهو 187260 ليرة تساوي أقل من 22 دولارا ،مقابل قدرة شرائية لسقف العامل من الدرجة الأولى وهو 312940 ليرة تساوي 36.6 دولارا فقط

ماذا نستنتج، بل ماترجمة الحكومة للمعزوفة التي تكررها في اجتماعات مجلس الوزراء: شغلنا الشاغل تحسين الأوضاع المعيشية للموطنين؟

نعم، بعد زيادة “دسمة“ بنسبة 100% وصفها أحد المحللين السذج وما أكثرهم هذه الأيام بـ “المتميزة تشكل تحولاً إيجابياً في المسار الاقتصادي“ فإن الحكومة قامت منذ مباشرتها لمهامها بتخفيض القدرة الشرائية للحد الأدنى للأجور من 37 دولار إلى 22 دولار، وتحفيض القدرة الشرائية لمن بلغ السقف من 52 دولار إلى 36.6 دولارا، أي أن الحكومة خفّضت راتب الحد الأدنى بنسبة تجاوزت 40,5 %، وخفّضت راتب من بلغ السقف بنسبة تجاوزت 29.6 %!!

وإذا أضفنا إلى هذا التخفيض قرارات رفع الدعم عن المحروقات بنسب غير مسبوقة، فإن ارتفاع أسعار جميع السلع والمواد يعني أن التخفيض الفعلي كارثي مقارنة بعام 2021 حيث كانت الأجور أعلى والأسعار أرخص، ويتجاوز 100%!

 

الخلاصة: كتبنا قبل شهرين عدة زوايا إحداها بعنوان “عن أيّ زيادة تتحدثون“، وأخرى بعنوان “لازيادة على الرواتب والأجور“ حللنا في الإثنتين بالأرقام والوقائع أن مامن حكومة منذ عام 1986 أقرت زيادة فعلية على الرواتب والأجور، وإذا لم يشعر ملايين السوريين بثقل الأعباء المعيشية ماقبل عام 2011 فلأن سعر الصرف كان مستقرا ولم يتجاوز 48 ليرة أمام الدولار، ولكن انقلبت حياة الناس بل “تزلزلت“ بفعل التعديلات المستمرة على سعر الصرف وخاصة في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

(سيرياهوم نيوز ٣-خاص)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بمناسبة يوم الكتاب العالمي : الكتابة في زمن الموت حياة

  سمير حماد لمن نكتب ولماذا ؟ سؤال مربك باعتراف كافة المهتمين بالكتابة , لكنهم يكادون يجمعون على انهم يكتبون في هذه الفترة الحرجة من ...