آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » هولندا ما بعد اليمين: “كاره الإسلام” يهندس حكومته

هولندا ما بعد اليمين: “كاره الإسلام” يهندس حكومته

سعيد محمد

 

لندن | في واحدة من أكبر حلقات التحوّل السياسي التي تشهدها المملكة الهولندية منذ الحرب العالمية الثانية، أصبح لحزب «الحرية» اليميني المتطرّف، بقيادة النائب المعادي للإسلام والمناهض للاتحاد الأوروبي، غيرت فيلدرز، أكبر كتلة في مجلس النواب، بعدما حصل على ربع المقاعد في انتخابات عامّة مبكرة جرت الأسبوع الماضي، فيما تكبّدت كل الأحزاب الأربعة الشريكة في ائتلاف الحكومة الوسطية القائمة، خسائرَ كبيرة. ومع أن فوز «الحرية» الصريح ليس كافياً للحصول على الغالبية، والانفراد بالحكم، إلّا أن معظم السيناريوات تذهب في اتّجاه تولّي فيلدرز رئاسة الوزراء، ولا سيما بعدما أبقت أحزاب الوسط الأبواب مشرّعة أمام صِيَغ تعايش مع الواقع الجديد

عادةً ما تتّسم الانتخابات الهولندية بالملل، حيث تَنتخب كتلة تقارب العشرة ملايين ناخب، مجلس نواب مكوّناً من 150 مقعداً يتنافس عليها مرشّحون بالمئات، ينتمون إلى أكثر من 25 حزباً وتجمُّعاً سياسيّاً، ما يجعل مهمّة أيّ حزب للحصول على الغالبية البسيطة من 76 مقعداً اللازمة للانفراد بالسلطة، أقرب إلى المستحيل، ويدفع في النهاية إلى تشكيل حكومات قائمة على ائتلافات عريضة تحكمها أجندات وسطية معتدلة. لكن المملكة شهدت، الأسبوع الماضي، صدمةً، بعدما انجلت الانتخابات العامّة المبكرة عن تفوّق صريح لـ«الحزب من أجل الحرية» اليميني المتطرّف، بحصوله على 37 مقعداً (بزيادة 20 مقعداً عن الانتخابات السابقة)، ليصبح الكتلة الأكبر في مجلس النواب، والرقم الصعب في معادلة تشكيل الحكومة المقبلة للبلاد، بينما تكبّدت جميع الأحزاب الأربعة المشتركة في الحكومة الحالية خسائر، وتراجَع حجم تأييدها الشعبي، مقارنةً بنتائج الانتخابات السابقة.

ويقود «الحرية»، غيرت فيلدرز، السياسي المثير للجدل، والذي عبّر، فور ظهور النتائج الأولية، عن عزمه تولّي منصب رئاسة الوزراء، واستعداده للتخفيف من غلواء برنامجه الانتخابي – المعادي للإسلام والمهاجرين والاتحاد الأوروبي -، من أجل تسهيل بناء ائتلاف يمكنه الحصول على ثقة البرلمان لتولّي السلطة، علماً أن فيلدرز بحاجة إلى إقناع حزبَين كبيرَين على الأقلّ، بقبول مشاركته السلطة. ويرى مراقبون أن تحقُّق ذلك، سيُحدث تحوّلاً كبيراً في توجّهات الحكومة الهولندية بعد مدة سلفه مارك روته، الليبرالي الوسطي المتناغم مع بيروقراطيّي بروكسل (مقرّ الاتحاد الأوروبي)، والخاضع من دون تحفّظ لرغبات واشنطن، والأكثر اعتدالاً في إدارة ملفّ الهجرة الملتهب. وأشار روته، لدى إعلان النتائج الأوّلية، إلى أنه قد يجد صيغةً ما للتفاهم مع «الحرية»، أو يمحضه دعم حزبه الوسطي، «الحزب الشعبي للحرية والديموقراطية»، الذي حلّ ثالثاً، وحصل على 24 مقعداً، متراجعاً بـ10 مقاعد، عبر منْح حكومة تحالف يمين ووسط يقودها فيلدرز، الثقة، ولكن من خارج الحكومة، ربّما كمحاولة منه للعب دور صمّام أمان، في حال تطرَّف فيلدرز كثيراً في مواقفه. وكان روته الذي شكّل آخر أربع حكومات ائتلافية حكمت البلاد خلال الأعوام الـ13 الأخيرة، قد استقال من منصبه في تموز الماضي، بعد خلافات لم يكن ممكناً جسْرها داخل مجلس الوزراء في شأن سياسات الهجرة واللاجئين، وذلك بعدما وصل عدد طالبي اللجوء، خلال العام الماضي، إلى ما يقارب ربع مليون شخص في بلد لا يتجاوز عدد سكّانه الـ18 مليون نسمة.

عداء فيلدرز المَرضي للإسلام، نما أيام شبابه، عندما ذهب لقضاء وقت في مستوطنة إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة

 

 

أمّا الشريك الآخر المحتمل لفيلدرز، فهو «حزب العقد الاجتماعي الجديد» (يمين الوسط) الحديث التشكّل (آب الماضي)، والذي حلّ في المرتبة الرابعة، بعدما ظفر بـ20 مقعداً. ويشترك «العقد الاجتماعي الجديد» مع «الحرية» في معاداة النخبة السياسية الليبرالية التي حكمت هولندا في عهد روته، ولكن زعيمه، بيتر أومتزيجت، وهو نائب ديموقراطي مسيحي سابق، أعلن أنه لن يتحالف مع فيلدرز ما لم يتخلَّ الأخير عن رغبته في إرساء سياسات غير دستورية، من مثل حظر القرآن ومنع المساجد. ويتباعد الحزبان أيضاً في نظرتهما إلى العلاقة مع بروكسل، إذ تضمّن برنامج فيلدرز الانتخابي وعداً بإجراء استفتاء على استمرار عضوية هولندا في الاتحاد الأوروبي على نسق «بريكست» البريطاني – وإنْ كان شخصيّاً يفضّل صيغة (النروج) والبقاء في السوق الأوروبية الموحّدة من دون عضويّة كاملة -، فيما يستبعد أومتزيجت واقعية خروج هولندا من التكتّل في أيّ وقت قريب، أو دعم حزبه أيّ جهد في هذا الاتجاه. وفي حال فشلت محاولات ضمّ «العقد الاجتماعي الجديد» إلى ائتلاف يقوده «الحرية»، فإن الخيار الأخير لفيلدرز قد يكون في الانضمام إلى حكومة يسار الوسط مع تحالف «العمال/ الخضر» الذي حصل على المركز الثاني بـ25 مقعداً. لكن ذلك يعني تولّي زعيمه، فرانس تيمرمانس، منصب رئيس الوزراء، فيما يتعيّن على فيلدرز أن يكتفي حينئذٍ بدور الرجل الثاني في الحكومة.

وجرت العادة في الحياة السياسية الهولندية أن تستغرق مفاوضات تشكيل الائتلافات أشهراً طويلة – استمرت 299 يوماً بعد انتخابات 2021 -، ولذلك، فإن روته سيستمرّ في تصريف الأعمال لعدّة أشهر ما لم ينجح فيلدرز في تحقيق مفاجأة أخرى، عبر استقطاب حلفاء بسرعة، وهو أمر لن يكون مستبعداً مع توالي الإشارات التي شرع في إطلاقها حول استعداده لتدوير زوايا برنامجه الانتخابي لإرضاء القوى الأخرى المهتمّة بمشاركته السلطة. وفي معرض تعليقه على نتائج الانتخابات، انتقد فيلدرز النخبة السياسية الليبرالية التي «اعتقدت أن في إمكانها تهميش حزب الحرية سياسياً». وقال إن «التآمر» لإحباط طموحه في تولّي المنصب التنفيذي الأهمّ في البلاد، سيكون بمنزلة «خيانة لأصول الديموقراطية»، وإهانة لأصوات ملايين الناخبين، ولن يقود سوى إلى زيادة عدد أنصار «الحرية»، لأن «الجنيّ قد خرج من القمقم، ولم يَعُد ممكناً إعادته إليه مجدّداً».

وكان فيلدرز (60 عاماً) الذي أسّس حزب «الحرية»، في عام 2006، ظلّ دائماً على هامش العملية السياسية في هولندا، مكتفياً بدور مهرّج لليمين المتطرّف، يقفز إلى عناوين الصحف الصفراء عبر هجماته الفظّة على الإسلام والمهاجرين وبروكسل. كما أدين، في عام 2016، بتهمة التمييز ضدّ الهولنديين من أصل مغربي، بعدما قاد هتافاً في تجمّع حاشد يدعو إلى تقليل عددهم في البلاد. لكن قلّما أخذه أحد على محمل الجدّ، وكثيراً ما عومل كمادّة للسخرية، ولا سيما خارج هولندا. ومع ذلك، فإن حزبه ظلّ لِما يقرب من عقد ونصف عقد عنصراً أساسياً في البرلمان الهولندي، وحافظ على تماسكه، بخلاف عدد من الحركات اليمينية الشعبوية الأخرى التي كانت قصيرة العمر. وينحدر فيلدرز، الكاثوليكي، من جنوب هولندا، وقد انتُخب نائباً في عام 1998 عن حزب روته، قبل أن يستقيل منه بسبب قرار الحزب دعم مشروع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. ويقول الخبراء إن عداء فيلدرز المَرضي للإسلام نما أيام شبابه، عندما ذهب لقضاء وقت في مستوطنة إسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ومذّاك، عاد ليقول إن قيم المجتمعات الإسلامية غير متسامحة ولا تتّفق مع القيم الغربية والهولندية، ليتمحور خطابه السياسي تدريجياً حول الدعوة إلى حظر القرآن ومنع المساجد وإغلاق باب الهجرة من البلدان الإسلامية. كما وصف الإسلام بأنه «أيديولوجيا شمولية» لا تسمح بالاختلاف، مدّعياً أن «من يتحرّرون منه يتعرّضون للقتل». وقد أدّت آراؤه المتطرّفة تلك إلى تهديده بالقتل، ما حدا بالسلطات الهولندية إلى توفير حرّاس شخصيين ومسكن آمن له.

ويتذرّع فيلدرز، في عدئاه للمهاجرين، بأن “موارد المملكة” لا تحتمل هذا العدد الكبير منهم. كما يشير دائماً إلى انتظار المواطنين الهولنديين الأصليين لعقود أحياناً من أجل الحصول على سكن اجتماعي، بينما يتمتّع طالبو اللجوء الأجانب بالأولوية. وقد كانت لفيلدرز في السابق ميول مؤيّدة لموسكو التي زارها في عام 2018، ولكنه دان الغزو الروسي لأوكرانيا. وتخشى مصادر متقاطعة في بروكسل وعواصم أوروبية أخرى، من أنّ حكومة يقودها «الحرية» قد تتحفّظ على استمرار دعم أوكرانيا بلا حساب، وتقوّي شوكة المشاغبين ضدّ كييف في الاتحاد الأوروبي – إلى جوار هنغاريا وسلوفاكيا -، ولا سيما أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي ستؤول تالياً إلى حكومة أمستردام، التي من المرجّح أن يتربّع على رأسها فيلدرز.

 

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

بوتين يدشّن ولايته الخامسة: استنفار نووي في وجه الغرب

خضر خروبي   للوهلة الأولى، بدت التوجيهات الصادرة عن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عشية تنصيبه لولاية رئاسية خامسة، بـ»زيادة استعداد القوات النووية (الصاروخية والجوية والبحرية) ...