تتحدَّث بعض الأوساط السياسية عن احتمالات أن يتّفق إردوغان مع الأميركيين حول مستقبل شرق الفرات ووحدات حماية الشعب الكردية هناك، إذا اقتنع بأنّ القوات الأميركية لن تنسحب من المنطقة.
تحدَّثت المعلومات، الأسبوع الماضي، عن اتفاق قيل إنَّ شركة “Delta Crescent Energy LLc” الأميركية قد وقَّعت عليه مع مظلوم عبدي كوباني، القائد العام لقوات قسد، والمحسوب على الإدارة الذاتية الكردية شرق الفرات.
وينصّ الاتفاق على أن تقوم الشركة المذكورة بإنشاء مصفاتين لتكرير النفط في مناطق قسد، مع العمل على صيانة الحقول والآبار، وإعادتها إلى إنتاجها الطبيعي. وقالت وسائل إعلام مختلفة إنَّ الشركة وقسد اتفقتا على بدء العمل في المناطق الآمنة في الحسكة، والتريّث في العمل في دير الزور، بسبب المخاوف الأمنية من انتشار خلايا داعش في المنطقة.
وأشارت المعلومات إلى أنَّ قيادة قسد اعتبرت الخطوة الأميركية بمثابة اعتراف سياسي بالإدارة الذاتية، من خلال التعاقد معها من دون العودة إلى الحكومة السورية، مع ضمانات أميركية بعدم الانسحاب من سوريا على المدى القريب والمتوسط، واستمرار واشنطن في تطبيق قانون قيصر وفرض العقوبات الجائرة على دمشق.
وأثار الإعلان الأميركي ردود فعل مختلفة، أبرزها بيان الخارجية السورية، التي اعتبرت الاتفاق “اعتداء صارخاً على السيادة السورية”، وقالت الوزارة في بيانها: “على ميليشيات قسد المأجورة أن تدرك أن الاحتلال الأميركي إلى زوال من دون أيّ شك”.
وجاء بيان الخارجية التركية مفاجئاً للجميع، لأنّه كان متطابقاً في جمله وعباراته مع بيان الخارجية السورية، إذ اعتبرت أنقرة الاتفاق “موقفاً أميركياً لتمويل الإرهاب”، ورأت “أنه غير مقبول، وليس له أيّ أساس شرعي دولي، وهو يمسّ سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.
واعتبرت الأوساط الإعلاميّة والدبلوماسيّة البيان إثباتاً واضحاً على تناقض المواقف التركية تجاه سوريا ذات الأولوية الرئيسية في مجمل حسابات أنقرة الخاصة بالمنطقة، مع استمرار التواجد العسكري التركي في الشمال السوري من دون موافقة دمشق، التي ترى في ذلك “احتلالاً وانتهاكاً لسيادتها”.
وقد اعترضت أنقرة عشرات المرات على التواجد الأميركي العسكري شرق الفرات، إلا أنَّها عادت واتفقت مع واشنطن للسماح للجيش التركي والفصائل الموالية له بدخول المنطقة الممتدة من رأس العين إلى تل أبيض، وذلك في 9 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في الذكرى السنوية الحادية والعشرين لخروج زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سوريا في العام 1999.
كما دخل الجيش التركي إلى جرابلس في 24 آب/أغسطس 2016، أي في الذكرى السنوية الـ500 لمعركة مرج دابق، التي دخل بعدها السلطان سليم إلى سوريا، ومنها إلى مصر، ليعود منها خليفة على المسلمين. ويتغنّى الرئيس رجب طيب إردوغان بأمجاد هذه الخلافة، ويحنّ لذكرياتها، وهو ينتهج سياساته الإقليمية والدولية وفقاً لهذا المزاج، وعلى الرغم من تناقضات هذه السياسات، كما هو الحال في سوريا عموماً، وشرق الفرات بشكل خاصّ.
وقد سبق لأحمد داوود أوغلو عندما كان وزيراً للخارجية أن سعى مراراً إلى إقناع صالح مسلم، زعيم الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري، بالتمرد ضد الرئيس الأسد، مقابل وعود بمنحهم كل حقوقهم في سوريا الجديدة. وسمحت أنقرة أيضاً لقوات البشمركة الكردية العراقية بالمرور عبر أراضيها، ومنها الدخول إلى عين العرب خلال المعارك الشرسة بين داعش والميليشيات الكردية في تشرين الأول/أكتوبر 2014.
ومع رفض الكرد الطلب التركي للتمرّد على الدولة السورية، عاد العداء التركي لهم في تركيا وسوريا، مع انتهاء مسيرة السلام بين الطرفين، وهو ما دفع أنقرة إلى مزيد من الانفتاح على جميع الفصائل السورية المسلحة، بما فيها النصرة وداعش، وخصوصاً بعد إسقاط الطائرة الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
واتهمت موسكو تركيا بشراء البترول السوري من داعش بشكل مباشر أو عبر مسعود البرزاني، إذ نشر الإعلام الروسي مشاهد الشاحنات التي كانت تنقل هذا البترول إلى تركيا. واستمر هذا الوضع إلى أن سمح الرئيس بوتين للقوات التركية بدخول سوريا في آب/أغسطس 2016 لمحاربة داعش، وهو ما ساعد الجيش التركي لاحقاً على الانتشار غرب الفرات عموماً، لتصل الأمور إلى ما وصلت إليه الآن غرب الفرات وشرقه.
وجاء دخول القوات التركية إلى شرق الفرات ليساعد الرئيس إردوغان في دعم حساباته الخاصة بسوريا عموماً، ومن خلالها في المنطقة العربية بأكملها. وتوقَّع الجنرال المتقاعد حلمي صولماز تورك للرئيس إردوغان “أن لا ينسحب من سوريا، متحجّجاً بالتواجد العسكري الأميركي شرق الفرات”، فيما اعتبر البروفيسور حسن أونال “بيان الخارجية التركية في ما يتعلق باتفاقية النفط مع قسد موقفاً غير جاد”، وقال: “إذا كانت أنقرة ضد هذه الاتفاقية، فما عليها إلا أن تتفق مع دمشق صاحبة الأرض والبترول المسروق شرق الفرات، وتعمل معها من أجل طرد القوات الأميركية، وبالتالي التخلص من الميليشيات الكردية في المنطقة”.
وتستبعد الأوساط السياسية للرئيس إردوغان أن يعود إلى الحوار مع دمشق، مهما كلفه ذلك، وتتوقع له أن يستمر في موقفه الرافض لدخول القوات السورية إلى إدلب، باعتبار أن ذلك سينسف حساباته الخاصة غرب الفرات وشرقه. كما تحدثت المعلومات الصحافية عن نيته التحجج بالتواجد الأميركي شرق الفرات، حتى يتسنّى له أيضاً البقاء غرب الفرات وشرقه، كما سيتحجج بالكيان الكردي شرق الفرات، حتى تتسنى له المطالبة بكيان تركماني مماثل غرب الفرات.
وقد يفسر ذلك ما قاله وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو خلال زيارته الأخيرة للبنان، عندما قال “إنهم سيمنحون الجنسية التركية لكل من يقول إنه تركي أو تركماني”، كما يفسر ذلك عدم حديث إردوغان والمسؤولين الأتراك خلال الأشهر الماضية عن خطر وحدات حماية الشعب الكردية على تركيا بعد دخول الجيش التركي إلى المنطقة، وسيطرته على شريط حدودي بعمق 25-30 كم وعرض 110 كم من أصل حوالى 500 كم، وهو طول الحدود التركية – السورية شرق الفرات.
ويرى البعض في هذا الموقف توافقاً تركياً – أميركياً على مستقبل المنطقة، على الرغم من استمرار حملات الجيش التركي ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي الشمال العراقي، حيث لا تزال العمليات العسكرية التركية مستمرة منذ أكثر من شهر، بعد أن سيطرت القوات التركية على العديد من المواقع الاستراتيجية في المنطقة.
وتتحدَّث بعض الأوساط السياسية عن احتمالات أن يتّفق الرئيس إردوغان مع الأميركيين حول مستقبل شرق الفرات ووحدات حماية الشعب الكردية هناك، إذا اقتنع بأنّ القوات الأميركية لن تنسحب من المنطقة. وسيمنع ذلك سيطرة الدولة السورية على المنطقة، التي بات واضحاً أنه من دونها لن يكون سهلاً على دمشق أن تضمن وحدة ترابها وسيادتها الوطنية، وخصوصاً عند استمرار التواجد العسكري التركي شرق الفرات وغربه، مدعوماً بما لا يقل عن 60 – 70 ألفاً من مسلحي مختلف الفصائل السورية المسلّحة.
ويستبعد البعض للرئيس إردوغان أن يتخلى عن هؤلاء المسلحين، لا لأسباب عقائدية فحسب، بل لحساباته الاستراتيجية الخاصة بمشروعه الإخواني الأكبر أيضاً، وهو ما أثبته بنقل الآلاف من هؤلاء المسلحين إلى ليبيا، مع المعلومات الصحافية التي تحدثت أكثر من مرة عن خطط تركية للاستفادة من هذه الفصائل في أي حرب مستقبلية ضد الكرد داخل تركيا أو خارجها، كما هو الحال الآن في شرق الفرات، ولاحقاً في أماكن أخرى.
ويبقى الرهان الأكبر على حسابات واشنطن الاستراتيجية الخاصة بشرق الفرات وسوريا عموماً، ما دام الوضع فيها يؤثر ويتأثر بكل المشاريع والخطط الأميركية الخاصة بالعراق وإيران ولبنان، ولكل ذلك انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على مجمل الاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالعالمين العربي والإسلامي.
ويرى الرئيس إردوغان في نفسه لاعباً أساسياً في هذه المنطقة، وبرضا أميركيّ، والقول لزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو، الذي أشار أكثر من مرة إلى “أن إردوغان يطبق الأجندات الأميركية، وهو أداة رئيسية في مشروع الشرق الأوسط الكبير، ومن بعده الربيع العربي، بكل انعكاساته الخطيرة على معظم دول المنطقة، وتركيا أيضاً”.
(سيرياهوم نيوز-الميادين)