تونس | مبادرة “اتحاد الشغل” للحلّ: قلق من مرحلة ما بعد سعيد

أعلن “الاتحاد العام التونسي للشغل” ملامح مبادرته الهادفة إلى تخفيف حدّة الاحتقان السياسي في البلاد، وتقديم تصوّرات لحلّ الأزمتَين الاقتصادية والاجتماعية، فيما تواصل الساحة السياسية التونسية، على خطٍّ موازٍ، الدوران في حلقة مغلقة، ويستمرّ الرئيس التونسي، قيس سعيد، من جهته، في تثبيت قواعد حكمه، على أكثر من صعيد. وفي هذا الوقت، لا تزال “الهيئة العليا للانتخابات” تواصل تحضيراتها لدورة ثانية من الانتخابات التشريعية، في تجاهل تامّ لكل الانتقادات التي وُجّهت إليها في الدورة الأولى التي اتّسمت بضعف مشاركة منقطع النظير. وجاءت مبادرة المنظّمات الأربع، وهي: “منظّمة الشغيلة”، “الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان”، “عمادة المحامين” و”المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، على رغم رفض الرئيس الاستماع إلى الأصوات الناقدة له، وحتى تلك الصديقة التي لم تَعُد قادرة على تزيين الوضع أكثر.

وعرض الأمين العام للمنظّمة، نور الدين الطبوبي، الملامح العامّة للمبادرة، من دون أن يذهب إلى حدّ إعلان طيّ صفحة سعيد، وما يمكن أن يستتبعها من معركة كسْر عظام بين الجانبين، بخلاف ما سوّقت له قيادات في حزب “النهضة” وشركائها السابقين في الحُكم. وبهذا، رفض الطبوبي سدّ جميع منافذ التفاهمات مع سعيد، إذ تضمّنت كلمته دعوات إلى التعقُّل والعمل المشترك لترتيب مرحلة ما قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقرّرة في نهاية عام 2024. ويَعتقد “الاتحاد العام التونسي للشغل”، حاله حال قيادات غالبية أحزاب المعارضة، أنه لا طائل من إعداد ترتيبات لمرحلة ما بعد سعيد قبل انتهاء عهده، إذ لا يبدو أن هناك رغبة دولية في خلْق بؤرة توتّر إضافية في المنطقة، ودفْع الأمور في اتجاه إزاحة الرئيس التونسي من منصبه، كما لا تَظهر مؤشّرات إلى تآكل منظومته بالشكل الذي قد يدفعها إلى إزاحته؛ فالرَجل يتحكّم في خيوطها، مدعوماً بأوفى أركان نظامه، وزير الداخلية توفيق شرف الدين، ووزيرة العدل ليلى جفال، التي تولّت مهمّة إزعاج معارضيه، عبر “اصطياد” حتى مخالفاتهم البسيطة للقانون، وإحالتهم على القضاء.

وعلى رغم كلّ ما تقدَّم، لم يتحدّث الطبوبي إلّا عن الإصلاح من داخل المنظومة وتعديلها استعداداً لمرحلة ستكون الأصعب قطعاً، وهي مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ بمجرّد طيّ صفحة سعيد، سيسعى مَن يخلفه إمّا إلى الحكم بأدواته، أو الذهاب في اتجاه محو “إرثه” وحتى مروره على قصر قرطاج، بدءاً من دستوره، ووصولاً إلى جميع التشريعات والإجراءات التي سنّها، ما من شأنه أن يُدخل البلاد من جديد في فوضى ونزاعات متواصلة، يسعى الاتحاد إلى ترتيبها مسبقاً تفادياً للمفاجآت. وفي هذا الإطار، قال الطبوبي، إن الظرف الذي تعيشه تونس أصعب من ذلك الذي مرّ عليها في عام 2013، ملمّحاً إلى مرحلة الاغتيالات السياسية خلال حكم “النهضة”، والتي استدعت تقديم مبادرة حوار وطني آنذاك. وأضاف أن المنظّمات الأربع اتّفقت في تشخيصها للوضع ودرجة خطورته، فمضت في مبادرتها على رغم كل ما يسود الساحة من توتّر، وشكّلت ثلاث لجان سياسية واقتصادية واجتماعية ستعمل كلّ منها على تقديم تصوّراتها لحلول المرحلة التي راكمت فشل منظومتَي “النهضة” وسعيد معاً، بحسب تقديره.

ad

بمجرّد طيّ صفحة سعيد، سيسعى مَن يخلفه إمّا إلى الحكم بأدواته، أو الذهاب في اتجاه محو “إرثه”

أمّا النقطة التي بدا فيها الاتحاد أكثر ليونة، فكانت قبوله، وبقية المنظمات، مبدئيّاً، بفكرة مشاركة الأحزاب السياسية، بعدما كان قد أعلن، في البداية، رفضه مشاركتها، واتخاذ 25 تموز 2021 سقفاً للتصوّرات، أي رفض عودة “النهضة” ومَن معها إلى الساحة السياسية، والعمل مع مَن تبقّى من معارضة لم تتورّط في عشرية الحكم بعد الثورة. وشدّد، خلال عرضه المبادرة، يوم أمس، على أن الاتحاد يَعتبر الأحزاب عاملاً من عوامل نضْج المشهد السياسي، وأنه “لا موقف معاد ضدّها”، لكنه ترك مسألة مشاركتها في الحكم إلى تفاهمات المنظّمات الأربع الراعية لهذا الحوار، وما ستتوصّل إليه اللجان من توافقات.

في هذا الوقت، لا يُتوقّع ردّ فعل هادئ من جانب الرئيس التونسي، إذ يُحتمل أن يتّجه نحو اتهام القائمين على المبادرة بـ”العمالة والخيانة” لأحلام الشعب بإنهاء حكم “النهضة”. وقد بعث سعيد إشارات كثيرة في هذا الاتجاه، خصوصاً في ظلّ استئنافه عقْد اجتماعات مجلس الأمن القومي، حتى بدا أنه مهدّد بانقلاب من قِبَل القائمين على المبادرة، فيما تناصب حكومته العداء، للاتحاد، إذ سمحت بالاقتطاع من أجور موظفيه لفائدة نقابات موازية له، متراجعة بذلك عن تقليد تاريخي منذ الاستقلال، وهو الاقتطاع الآلي من رواتب الموظفين لمصلحة موازنة “اتحاد الشغل”.

وأمام هذا الواقع، لا تفعل حكومة سعيد شيئاً سوى الانكباب على التحضير للدورة الثانية من الانتخابات التشريعية التي ستجرى الأحد، بينما يركّز التونسيون اهتمامهم على الأزمة الاقتصادية، خصوصاً في ظلّ غياب المؤشرات إلى رغبتهم في المشاركة في هذه الدورة، بعدما انحسرت نسبة المشاركة، في الدورة الأولى، بـ10% فقط من المسجّلين. ويأتي ذلك في وقت تتواتر فيه الأخبار والتصريحات عن تراجع “صندوق النقد الدولي” عن تقديم أيّ دعم لتونس، وهو ما لم توضحه السلطات بعد. لكن أطرافاً مقرّبة من الرئيس، تدّعي رفضه توقيع الاتفاق مع “الصندوق” من “منطلق سيادي بحت”، اعتراضاً على فحوى الإصلاحات التي تنتهك سيادة البلاد وترتهنها لـ”النقد الدولي”. ويصرّ معارضو سعيد، من جهتهم، على أن “الصندوق” تراجع من تلقاء نفسه عن دعم تونس، نتيجة “لا كفاءة” حكومة نجلاء بودن، وفشلها في التفاوض.

سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية