آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » مفاوضات أوكرانيا تسير على إيقاع تنازلات وهمية

مفاوضات أوكرانيا تسير على إيقاع تنازلات وهمية

 

جورج عيسى

 

فجأة قرر المسؤولان الأميركيان البارزان عدم حضور اجتماع لندن يوم الأربعاء. كان هدف الاجتماع التباحث في كيفية إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا. تذرع وزير الخارجية ماركو روبيو بأسباب “لوجستية”. لم يقدم الموفد الخاص ستيف ويتكوف تبريراً لعدم المشاركة. لكن من المتوقع أن يزور موسكو اليوم الجمعة ليلتقي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمرة الرابعة منذ توليه مهامه. مع ذلك، حضر الموفد الأميركي لشؤون أوكرانيا كيث كيلوغ اجتماع لندن الذي خُفض مستوى التمثيل فيه بعد غياب روبيو.

 

 

 

السبب المرجح لعدم مشاركة المسؤولَين في الاجتماع هو رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ما جاء في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب. من جملة النقاط التي اقترحتها إدارته تنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم التي ضمها الروس سنة 2014، والاعتراف بها أرضاً روسية. في منشور على “تروث سوشل” اتهم ترامب نظيره الأوكراني بـ “التبجح” بموقفه “المضر جداً لمحادثات السلام”. وأضاف أن “لا أحد يطلب من زيلينسكي الاعتراف بالقرم أرضاً روسية لكن، إذا كان يريد القرم، فلماذا لم يقاتلوا من أجلها منذ 11 عاماً بينما تم تسليمها إلى روسيا من دون إطلاق طلقة واحدة؟”

 

 

 

يشير مؤلف كتاب “الحرب التي أتت إلينا” كريستوفر ميلر إلى أن قرار أوكرانيا عدم القتال سنة 2014 تأثر جزئياً بضغط من إدارة الرئيس باراك أوباما. ونادراً ما يترك ترامب مناسبة من دون تحميل أوباما وبايدن مسؤولية الحرب. ويثير موقف ترامب الالتباس في ما خص قضية القرم، إذ إن تقارير عدة أوردت طلباً أميركياً بتخلي أوكرانيا عن المطالبة بها.

 

 

 

من جهته، ذكّر زيلينسكي ترامب بأن إدارته الأولى هي التي أطلقت سنة 2018 “إعلان القرم”، وهو وثيقة ترفض الاعتراف بأن القرم روسية. لن يذهب التذكير بعيداً في إقناع ترامب بتغيير موقفه. لو كان بإمكان الرئيس الأميركي محو الكثير من سياساته الخارجية في ولايته الأولى لفعل ذلك بلا تردد. فقد ساهم مستشاروه السابقون، ومعظمهم بات خارج جنة الحكم، في الكثير من تلك القرارات.

 

 

 

تنازل روسي شكلي

 

منذ إعلانه “هدنة الفصح” التي دامت نحو 30 ساعة والتي قالت أوكرانيا إن الجيش الروسي خرقها عشرات المرات، قلب بوتين سردية المفاوضات. بينما ظهرت سابقاً في موقف الرافض للاتفاق الأولي بعدم استهداف منشآت الطاقة لشهر واحد، باتت روسيا هي التي تقبل نظرياً بوقف الحرب. نقلت “فايننشال تايمز” في 22 نيسان/أبريل عن مصادرها قول بوتين لويتكوف في 11 نيسان إن روسيا ستتخلى عن مطالبها بالسيطرة على الأجزاء التي لا تزال واقعة تحت السيطرة الأوكرانية من المناطق الأربع.

 

 

 

لا شك في أن هذا التنازل، إن صح تقرير الصحيفة، أعاد الحماسة إلى البيت الأبيض بعدما قال روبيو الأسبوع الماضي إن تخلي أميركا عن جهود السلام سيحصل “في غضون أيام” إذا لم تتفق روسيا وأوكرانيا على وقف إطلاق النار. كرر نائب الرئيس جيه دي فانس موقفاً مشابهاً يوم الأربعاء خلال زيارته الهند. لكن التنازل شكلي بما أن قدرة روسيا على احتلال الأجزاء المتبقية من زابوريجيا وخيرسون ودونيتسك مشكوك بها إلى حد كبير حالياً. سيتوجب على الجيش الروسي النجاح في اجتياز نهر دنيبرو للسيطرة على ما تبقى من المنطقتين الأوليين.

 

 

 

حاولت القوات الروسية طوال الفترة الماضية تحقيق موطئ قدم على الضفة الغربية للنهر من دون جدوى. في آذار/مارس، قال الحاكم الأوكراني لولاية خيرسون أولكسندر بروكودين إن القوات الروسية كانت تحاول بشكل يومي الوصول إلى الضفة “كجزء من (الاستعداد لـ) المفاوضات” بحسب الوثائق التي حصلت عليها قواته. وأضاف: “يدرك الروس تماماً أنها مهمة انتحارية”.

 

 

 

في الوقت نفسه، تتحدث تقارير عن نجاح أوكرانيا في بناء تحصينات لمنع تقدم القوات الروسية في دونيتسك، خصوصاً بعدما تباطأ هجومها خلال الأشهر القليلة الماضية في الجزء الجنوبي منه تحديداً (محور بوكروفسك وكوستيانتينيفكا). تسيطر روسيا على نحو 70 في المئة من المناطق الثلاث، وبأكثر من 95 في المئة على لوغانسك.

 

 

 

ضمانة أميركية وهمية

 

يدرك بوتين أن السياسيين في واشنطن غير مطلعين على التفاصيل الميدانية وأنهم مهتمون أولاً بالمكاسب المتصورة. لكن فوائد التنازل الظاهري عما تبقى من المناطق الأربع غير محدودة بالحصول على اعتراف بضم القرم وحسب. أشار مسؤولون أوروبيون في حديثهم إلى “فايننشال تايمز”، وبشكل منطقي، إلى أن بوتين سيستغل “التنازل” للحصول على مطالب أخرى حيوية بالنسبة إليه، مثل خفض عدد الجنود في أوكرانيا وحيادها وتغيير الحكم فيها، بعد حصوله على المطلب الأهم (والمضمون أساساً) المتمثل بعدم ضم أوكرانيا إلى الناتو. وهذا على افتراض أن قضية رفع العقوبات عن روسيا لم تُطرح كما قال روبيو.

 

 

 

في جميع الأحوال، تبدو الأمور مواتية لبوتين في الوقت الراهن. وتأتي الزيارة المتوقعة إلى الكرملين بعد ليلة دامية في كييف إذ تعرضت لواحدة من أكبر الضربات بالصواريخ والمسيّرات (نحو 215 مقذوفاً) خلال أشهر. وقُتل في الهجمات ما لا يقل عن تسعة أشخاص وجُرح أكثر من 60. كما تعرضت تسع مناطق أوكرانية أخرى للهجمات، من بينها خاركيف. أدى الهجوم إلى قطع زيارة لزيلينسكي إلى جنوب أفريقيا. كما لاقى الهجوم الروسي انتقاداً نادراً من ترامب الذي أوضح أنه “غير سعيد” بما حصل لأن الهجوم “غير ضروري” وأتى “في توقيت سيئ”. وقال الرئيس الأميركي مخاطباً نظيره الروسي: “فلاديمير توقف! 5 آلاف جندي يموتون أسبوعياً. فلنبرم اتفاق السلام”.

 

 

 

في المحصلة، يبقى ما يقدمه ترامب لأوكرانيا أقرب إلى أحجية. إذا قبل الأوكرانيون بعرضه أم لم يقبلوا، فالأكيد أنهم لن يحصلوا على دعمه. في أفضل الأحوال، ربما ينالون المكاسب المفترضة في اتفاقية المعادن الأوكرانية، والتي تقوم على أن وجود الشركات الأميركية على أراضيهم سيمنع روسيا من غزوهم في المستقبل.

 

 

 

كأنه لم تكن هناك شركات أميركية في أوكرانيا سنة 2022. أو كأن 89 شركة أميركية لم تتأسس في أوكرانيا سنة 2024 وحدها.

 

 

أخبار سوريا الوطن١-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ترامب يهاجم زيلينسكي ويتهمه بـ”تصريحات تحريضية” حول القرم

ترامب يقول إن زيلينسكي ليس لديه أوراق في يده واتهمه بإطالة أمد المجازر لأنه يرفض الاعتراف بسيادة موسكو على القرم بعدما ضمتها العام 2014. هاجم ...