- يحيى دبوق
- الجمعة 23 نيسان 2021
أسئلة كثيرة وثقيلة تتزاحم على طاولة القرار في إسرائيل، في أعقاب وصول صاروخ إلى «المكان الأكثر أمناً في العالم» على حدّ وصف رئيس بلدية ديمونا، بيني بيتان. أسئلة تتركّز على محورَين رئيسين: أوّلهما طبيعة «الحادث» وغاياته، وثانيهما الفشل الاستخباري والدفاعي الإسرائيلي. وسواءً كان الصاروخ متعمّداً إطلاقه أو «طائشاً»، يجد الكيان العبري نفسه أمام تحدٍّ صعب يفرض عليه «ردّاً رادعاً» لا يزال متعذّراً، فيما يظهر واضحاً، مرّة أخرى، فشل منظومة «الباتريوت»، على رغم ما قيل، أخيراً، عن رفع جاهزيتها لمواجهة سيناريوات متطرفّة
هل تعمّد الجانب السوري إطلاق صاروخ من هذا النوع إلى العمق الإسرائيلي؟ هل يُعدّ ذلك تعبيراً عملياً عن سياسة جديدة اتّخذ قرار اعتمادها في مواجهة إسرائيل؟ كيف لمنظومات الدفاع الجوّي أن تفشل في اعتراض الصاروخ، على رغم تعدّدها واختلاف طبقاتها؟ تلك هي أهمّ الأسئلة التي تُطرح في تل أبيب اليوم، والتي تتفرّع منها تساؤلات أخرى، من شأن الإجابة عليها أن تتيح لإسرائيل تقدير مسار اليوم الذي يلي، أو في حدّ أدنى، نيّات الطرف الآخر والمستوى الذي يريد أن يصل إليه في مواجهتها، علماً أن الفرق كبير جدّاً بين أن يكون الإطلاق متعمّداً أو عرَضياً، على رغم أن الحادث العابر نفسه يمكن أن يُعدّ باباً واسعاً لتعمُّد إطلاقٍ لاحق.
تترتّب على الإجابات عدّة سيناريوات: إن كان الاستهداف متعمّداً، فمعنى ذلك أن هناك رسالة أرادت دمشق إيصالها إلى تل أبيب، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً أمام مزيد من الأسئلة حول ماهيّة الرسالة نفسها، وما إن كانت إشارة إلى مزيد منها ربطاً باعتداءات إسرائيلية، محلّها الساحة السورية فقط، أو الإقليم. على ضوء ما تقدّم، تتبلور لدى إسرائيل الخيارات المتاحة للردّ. لكن ما تصعب مواجهته هو التداعيات السلبية على الأمن الإسرائيلي لإمكانية الوصول إلى العمق، وإلى المنطقة الأكثر تحصيناً في إسرائيل، مع ما يعنيه هذا من مخاطر تبدو تل أبيب معنيّة بأن تمنعها، حتى وإن كان إطلاق الصاروخ السوري غير متعمّد.
إن كان الاستهداف متعمّداً، فمعنى ذلك أن هناك رسالة أرادت دمشق إيصالها إلى تل أبيب
على المقلب الآخر، سيَظهر أن ثمّة انطلاقة لمسار «ردّي» على اعتداءات إسرائيل، حتى وإن كان هذا الانطباع نتيحة فعل غير مقصود، على افتراض أن إطلاق الصاروخ لم يكن عمدياً. في هذه الحالة، ستفرض نتيجة الإطلاق نفسها لدى الجانب السوري، أو لدى محور المقاومة عامة، لتُبنى عليها خيارات «ردّية» في مقابل تل أبيب. وعليه، ستكون إسرائيل معنيّة بأن تُفهِم أعداءها أن الاستهداف غير العمدي، كما الاستهداف العمدي نفسه، من شأنه أن يجرّ ردّاً إسرائيلياً «حاسماً»، يردع أيّ قرار بمواصلة الاستهداف العمدي، أو ما قد يبنى لاحقاً على الاستهداف غير العمدي. بالتالي، يُفترض أن لا يقتصر الردّ الإسرائيلي على مكان إطلاق الصاروخ السوري فحسب، بل أن يكون بمستوى كفيل بردع «الأعداء». وهنا، تكمن المعضلة الإسرائيلية: الردّ الذي يؤدي فعلاً إلى الردع المأمول متعذّر، إذ دونه عقبات وموانع لا تقتصر على منابع قوة الجانب السوري وحلفائه في محور المقاومة فقط، بل تشمل أيضاً حلفاءه الآخرين، في حين أن الردّ ما دون الحاسم أي اللاتناسبي، لا ينهي التهديد ولا يحسم مسار الردود السورية من هذا النوع.
في الوقت نفسه، لا يمكن إغفال فشل منظومة «الباتريوت» في اعتراض الصاروخ السوري، الأمر الذي يظهر ثغرة إضافية في المنظومات الاعتراضية الإسرائيلية، باستطاعة سوريا، ومحور المقاومة بكلّ مركّباته، البناء عليها، سواءً في ما يتعلّق بخيارات الردود الموجودة لديهما ضمن معادلة التناسبية مع الاعتداءات الإسرائيلية من هذا النوع والمستوى، أو في حال تقرّر رفع مستوى الهجمات «الردّية» على الاعتداءات، ضمن معادلة الردود اللاتناسبية.
في المحصّلة، يفرض الصاروخ السوري على إسرائيل الإجابة عن أسئلة صعبة تتعلّق بالفشل «الاعتراضي»، على رغم كلّ طبقات الاعتراض الموجودة لديها. كما سيكون عليها تقدير نيّات مطلقي الصاروخ وأهدافهم ومضمون رسائلهم. والسيناريو الأكثر حضوراً، في هذا الإطار، على طاولة التقدير في تل أبيب، هو إمكانية أن يشكّل الصاروخ، وإن كان غير متعمّد، فاتحة مسار «ردّي» من نوع آخر، ضمن الخيارات المتاحة لدى سوريا ومحور المقاومة
(سيرياهوم نيوز-الاخبار)