لندن تهدد بمصادرة أموال “الأوليغارشية” الروسية. ليست تلك سوى مجرد بداية لسرقة لندن وواشنطن للأموال الأجنبية.
يدخل العالم الآن المرحلة الأخيرة من انهيار النظام المالي العالمي، والاقتصاد العالمي ككل. في هذه المرحلة، يمر الغرب بأصعب أنواع نقص الموارد، والتحول إلى سياسة السحب القسري للموارد من المنافسين والوكلاء والعملاء على حد سواء.
وفي أوقات الأزمات، يتخلّى الغرب عن المبادئ الأساسية التي بُني عليها اقتصاده، ومجتمعه بشكل عام، مثل حرمة الملكية الخاصة، وسيادة القانون.
في عالم المال “قانون الغاب” قادم لا محالة.
بالنسبة للنخبة الروسية، كان جرس الإنذار الأول هو مصادرة الأموال الروسية كجزء من إفلاس بنوك قبرص عام 2013، عندما صادرت الحكومة القبرصية، بالاتفاق مع المفوضية الأوروبية، 6.75% من الأموال من حسابات العملاء التي تقل عن 100 ألف يورو، و9.9% من حسابات العملاء التي تزيد عن 100 ألف يورو.
خسر رجال الأعمال الروس حينها، والذين يشكلون غالبية المودعين في بنوك قبرص، ما يصل إلى 3.5 مليار يورو. لم تتخذ أوروبا إجراءات كهذه قبل أو بعد تلك الواقعة، وأعتقد أنها اتخذتها فقط لأن الروس كانوا الضحايا الرئيسيين. بمعنى أنه تم إنقاذ النظام المصرفي في قبرص على حساب الروس.
ثم كانت واقعة تغيير هيئة التحكيم، التي يفترض فيها الحياد، في ستوكهولم، بناء على دعوى من جانب أوكرانيا، العقد القائم بين شركة “غازبروم” الروسية، وشركة “نفط غاز” الأوكرانية لصالح أوكرانيا، وعلى حساب روسيا. بل وكان المبرر الرسمي لقرار هيئة التحكيم صادماً: “بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في أوكرانيا”.
خسرت شركة “غازبروم” عدة مليارات من الدولارات، أي أن أوروبا اقتطعت أموالاً روسية لإنقاذ النظام الموالي للغرب المناهض لروسيا في كييف.
بالإضافة إلى ذلك، نتذكر جميعاً مصادرة بريطانيا لاحتياطات الذهب لفنزويلا، والتي تزيد قيمتها عن مليار دولار.
كذلك نذكر جميعاً نهب الغرب للأصول الليبية المجمّدة بعد عام 2011. ووفقاً لتقارير صحفية، فقد اختفى زهاء 11 مليار دولار من الحسابات الليبية في بلجيكا وحدها.
في الآونة الأخيرة، سرق النظام الدمية في أوكرانيا، بناءً على أوامر من أسياده في واشنطن، المستثمرين الصينيين، واستولى على أسهمهم في شركة “موتور سيتش”.
لم يعد الغرب، وخاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، يهمه أو يقلقه الحفاظ على سمعته كملاذ آمن لرؤوس الأموال، نظراً لأن الأساليب السلمية لجذبها لم تعد تعمل، وسيتم استبدال هذه الأساليب قريباً بالسطو العلني.
أعتقد أن معظم المستثمرين في دول ثالثة، بمن فيهم من الدول العربية، لا زالوا يأملون في أن يقتصر الغرب على سرقة خصومه السياسيين، وفي مقدمتهم روسيا والصين، بينما ستظل رؤوس أموالهم في الحفظ والصون.
لكن، عندما يصل الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين إلى مراحله الحادة (وهو ما يتطور أمام أعيننا فعلياً الآن)، فلن تتمكن أي دول ثالثة من الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع طرفي الصراع في آن واحد. بل ستجبر الولايات المتحدة كل من لا يستطيع المقاومة على المشاركة في الحرب الاقتصادية.
على سبيل المثال، وفي إطار المواجهة مع روسيا، تحاول الولايات المتحدة الآن تزويد أوروبا بالغاز على حساب قطر وبخسارة. أنا متأكد أن ضغوطاً مماثلةً تمارس كذلك على دول أخرى في الخليج.
ستواجه معظم الدول أقوى صدمة اقتصادية من قطع العلاقات الاقتصادية مع الصين. سيكون الضرر الناجم عن إنهاء التعاون مع روسيا أقل، لكن سيكون من الصعب على عدد من الدول العربية الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي دون إمدادات الحبوب الروسية الرخيصة.
على أي حال، فإن معظم دول العالم، بما في ذلك الدول العربية، ستواجه في السنوات القليلة المقبلة خياراً بين المشاركة في حرب أمريكية، وهو ما يعني غالباً زعزعة استقرارها الداخلي، وعقوبات أمريكية ضدها. وسيحاول كثيرون المقاومة، لأن الثورة بالنسبة لهم أفظع من غضب واشنطن.
وأعتقد أن مصادرة الأصول العربية ستكون من بين الإجراءات التي سوف يستخدمها الغرب لإجبار العرب على وقف التعاون مع الصين وروسيا.
لطالما اعتبرت دول الخليج الغنية الصين شريكاً اقتصادياً رئيسياً، وعلى الأرجح أنها ستفضل المخاطرة ورفض التعاون مع بكين، على أمل أن يكون هناك احتياطيات كافية في الفترة الأولى، ثم تتدبر الأمور بشكل أو بآخر.
إلا أن التضخم يتسارع في الغرب، فخلال العام الماضي وحده، خسر المستثمرون في الولايات المتحدة 7% من قيمة استثماراتهم. في المملكة المتحدة 5.4%، وبالنظر إلى أن التضخم سيستمر في التسارع، في العام أو العامين المقبلين، فسيواجه المستثمرون من الدول الأخرى مسألة سحب الأموال من الأسهم والسندات والودائع الأمريكية والبريطانية.
أستطيع القول بكل ثقة إن حكومتي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لن تسمحا لأي شخص أو لأي دولة بسحب أموال منهما، لأن ذلك ببساطة سيعني انهياراً فورياً للاقتصاد الغربي. سيتم أولاً تجميد الأموال، بما في ذلك أموال الدول العربية والمستثمرين من الخليج، ثم انخفاض قيمتها أثناء التضخم المفرط.
لقد قال بسمارك ذات مرة إن الروس دائماً ما يأتون من أجل أموالهم. وقد تخلّصت روسيا بالكامل تقريباً من الأصول الأمريكية. أعتقد أن روسيا ستتمكن لاحقاً من إجبار بريطانيا على دفع ضعف المبلغ، إذا ما صادرت لندن الآن الأموال الروسية.
أما فيما يخص المستثمرين من القطاعين الخاص والعام من البلدان الأخرى، ممن لديهم أموال في الغرب، فسوف يكون لهم مصير مختلف. حيث سيمولون بأموالهم السنوات القليلة الأخيرة المتبقية من الحياة الجميلة للغرب.
سيرياهوم نيوز 6 رأي اليوم